حياة الماعز: نظام الكفالة في السعودية في إطالة سينمائية

25 اغسطس 2024
من الفيلم (نتفليكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قصة "حياة الماعز" وأساسها الواقعي**: فيلم "حياة الماعز" (2024) للمخرج بْلاسّي إيبي توماس، مقتبس عن قصة حقيقية من كتاب Aadujeevitham، يروي معاناة نجيب محمد في السعودية تحت نظام الكفالة.

- **نقد الفيلم من الناحية السينمائية**: الفيلم طويل (173 دقيقة) ويعاني من تكرار مشاهد التعذيب والروتين اليومي، مما يضعف البناء الدرامي ويصيب المشاهد بالملل.

- **الجوانب الإيجابية والسلبية**: يخلو الفيلم من تفاصيل بوليوودية تقليدية ويركز على قسوة نظام الكفالة، لكن يفتقر إلى التماسك السينمائي رغم الجهد المبذول في إنتاجه.

كلّ موضوع أو حكاية أو حالة قابلة لاقتباس سينمائي. القصص كثيرة، ورغم وفرتها، لا يزال عدد الأفلام أقلّ من القدرة على تحويلها كلّها إلى أعمال فنية، بعضها (الأعمال) راسخٌ في تاريخ الفن السابع، وفي ذاكرة فردية وجماعية. لكنّ هذا لا يمنع التنبّه إلى كيفية إنجاز فيلمٍ يتناول موضوعاً أو يروي حكاية أو يُصوّر حالة، يقتبسها من واقعٍ أو ماضٍ. فإنجاز فيلمٍ يتطلّب التزاماً بشرطه السينمائي، ويكون (الفيلمُ) توازناً بين الشكل والمضمون، بدلاً من أنْ يطغى أحد الجانبين على الآخر، فيُسيء إنجاز الفيلم إلى السينما، كما إلى الموضوع أو الحكاية أو الحالة.

حياة الماعز... فيلم بلا مقومات سينمائية

تقديمٌ كهذا ضروريّ قبل التعليق النقدي على "حياة الماعز" (2024، نتفليكس) للمخرج الهندي بْلاسّي إيبي توماس، المعروف أكثر ببْلاسّي (1963). فالحكاية المروية فيه مقتبسة عن قصة حقيقية، مهمّة، لكنّ الفيلم فاقدٌ مقوّمات سينمائية عدّة، والفقدان حائلٌ دون متابعة جدّية ومريحة (رغم قسوة الحكاية) لتفاصيل الحاصل مع نجيب محمد (بريثْفِراج سوكوماران) في المملكة العربية السعودية، القادم إليها عبر كفيل هنديّ للعمل في شركة، برفقة صديقه حكيم (ك. أر. غوكول)، قبل أن يبدآ عيشاً في جحيمٍ بشريّ.

"حياة الماعز" إذْ يقتبس حكاية نجيب من كتاب Aadujeevitham (الصادر بلغة "مالايالام" عام 2008) للكاتب الهندي باللغة نفسها بيني "بنيامين" دانيال (1971)، يكشف عنف أفرادٍ ضد مهاجرين يريدون عملاً من أجل حياةٍ أفضل، والأفراد هؤلاء (هنود وسعوديون) يرتكزون على نظام الكفالة، أحد أسوأ أنواع "عقود" العمل في دولٍ كثيرة، بينها لبنان. فالاحتيال يبدأ في البلدة الريفية لنجيب محمد، مع كروفاتا سريكومار (بابوراج ثيروفالا)، الذي يتقاضى 20 ألف روبية (كل روبية تساوي 0،012 دولار) منه لتأمين عمل له في شركةٍ سعودية، وهذا مبلغ طائل بالنسبة إلى فقراء البلدات الريفية تلك (يرهن نجيب منزله لتأمين المبلغ)، لكنّه "يُسلّمه" (مع حكيم) إلى سعوديّ آخر، يُسميانه كفيلاً (طالب البلوشي)، يمتلك مزرعةً في صحراء، ويقود الشابان الهنديان إليها، قبل أنْ يُفرّق أحدهما عن الآخر (يختفي حكيم من المشهد وقتاً طويلاً)، فيكون نجيب من نصيب جاسر (ريك آبي).

منذ اللحظات الأولى، يكشف الفرد عن عنفٍ لفظي في التعامل مع المهاجِرَين. لا تفاهم بينهم، فهما غير عارفَين العربية (لكنّهما، في المطار، لا يتردّدان من السخرية من رجال سعوديين يتحمّمون بالعطور، كما يقول حكيم)، والسعوديّ غير مُدرك ما يقولان بلغتهما (مالايالام). عنفٌ وتشاوف وازدراء، وهذه كلّها سمات تعامل آخرين أيضاً، ترافق نجيب في جحيمه، حيث يلتقي هندياً آخر، يبدو أنّ له "عمراً" هناك، إذْ يُصاب بأعطابٍ في النفس والروح والجسد، فيخشى نجيب أنْ يكون هذا الهندي، غير المتذكّر اسمه، صورةً حيّة عن مستقبله.

العذاب اليومي لا يُحتَمل، ولحظات الصفاء نادرة، تتمثّل في أحلام نجيب مع امرأته ساينو (أمالا بول) ووالدته أُمّاه (شوبْها موهان)، وفرح عيشٍ هادئ وآمن في بلدته الريفية. لكنّ الفقر قاتل، والرغبة في تحسين الأحوال طاغية. العودة إلى تلك اللحظات قليلةٌ، وهذا يُحسَب لفيلمٍ يريد إظهار أسوأ ما في الآدميّ، بشكلٍ بصريّ مثقل بمفردات الجحيم البشري. ونجيب غير عارف ما يتوجّب عليه فعله في المزرعة، فلا خبرة لديه في التعامل مع الماعز أو الجمال، ما يُعرّضه لمواقف مُضحكة، رغم آلامه الشديدة في النفس والجسد.

في مقابل سوء المعاملة، يُمنح نجيب خبزاً لكنّه يُحرم من الماء، لأن كفيل وجاسر يشتريان المياه لأغراضٍ أخرى. تفاصيل كهذه تحضر بين لقظة وأخرى، كاشفة مزيداً من ذاك الجحيم، الذي ينعكس على ملامح نجيب (شعر طويل، ولحية وسخة، وسواد في الجسد وملابس رثّة... إلخ). محاولات هربٍ تفشل، فيزداد التعذيب. تمرّ أعوام، لكنْ تستحيل معرفة عددها. لقاء صدفة بحكيم يُعزّز إمكانية الهرب، وهذا حاصلٌ لاحقاً.

لا تفاصيل بوليوودية

يخلو "حياة الماعز" من تفاصيل خاصة بسينما بوليوود، فلا لوحات راقصة، ولا أغنيات تكاد لا تنتهي، ولا قصة حبّ مكلّلة بدموع وقهر، قبل بلوغ خاتمة سعيدة. لكنّ فيه شيئاً من نَفَس هنديّ، فمدّته طويلة (173 دقيقة)، ما يبثّ مللاً في أوقاتٍ كثيرة، لأنّ الإطالة غير متضمنةٍ جديداً ومفيداً درامياً وجمالياً، باستثناء ما يُمكن وصفه بتعذيبٍ سينمائي لممثّلِي شخصيتي المهاجِرين، كما لمشاهدين مهتمّين بالسينما. الإمعان في تكرار حالات التعذيب، النفسي والجسدي، التي يعيشها نجيب، ثم إعادة حكيم إلى المشهد لإضافة حالة تعذيب أخرى، متشابهة بالأولى، هذا كلّه مُكرّر، وتكراره غير مفيد، فالتعذيب معروفٌ، ولا حاجة إلى إطالة مشاهده الفارغة سينمائياً.

مثالٌ أول: مشهد الصحراء ـ الهروب. مهمٌّ القول، سينمائياً، إنّ المزرعة معزولة عن الحياة البشرية، وهذا واضحٌ منذ البداية. مهمّ القول، سينمائياً أيضاً، إنّ الهروب محمّل بعنفٍ آخر، فالصحراء شاسعة، والعاصفة الرملية قاتلة، والأفاعي منتشرة، والموت يُخيّم على الرمال. لكنّ براعة الإخراج والأعمال الفنية ـ التقنية كفيلةٌ بقول هذا كلّه في اختزال وتكثيف ضروريين، جمالياً ودرامياً، وإلا يفقد الفيلم كثيراً من تماسكه وحيويته. لا ضرورة لإطالةٍ (45 دقيقة) تؤدّي إلى النتيجة نفسها بمشهدٍ مُختزل ومكثّف: الخلاص.

مثالٌ ثانٍ: الحياة اليومية لنجيب في المزرعة. بعض التكرار مطلوبٌ لتبيان الروتين الخانق في يوميات مهاجر، يريد عملاً في شركةٍ، فيتحوّل إلى عبدٍ في خدمة سلطان. لكنّ التكرار الكثير يُصيب البناء الدرامي بعطبٍ، يُفرّغ الحكاية من أصلٍ مبنيةٌ عليه: وحشية نظام الكفالة.

طبعاً، هناك جانبٌ سعوديّ إيجابيّ: سائق سيارة رولز رويس في طريق الصحراء يُنقذ نجيب ويهتمّ به. يعطيه ماء، ويردّد على مسمعه ألا يُبالي بوسخه، إذْ يمكن تنظيف السيارة لاحقاً. إيجابيةٌ مُحيّرة: أيقول المشهد إنّ الأثرياء إنسانيين أكثر من أصحاب المزارع؟ ربما. لكنّ الثريّ (عاكف نجم) سيكتفي بنقله إلى المدينة، ويتخلّى عنه أمام جامعٍ.

القول بضرورة الاختزال والتكثيف، لحماية الصنيع البصري هذا من مللٍ وفراغ، لا يعني التقليل من أهمية الحكاية ومصداقيتها. فنظام الكفالة في السعودية، كما يُصورّها "حياة الماعز" سيئ ومُهين، وفي لبنان حكايات كثيرة معروفة. الجهد المبذول في إنجازه (منذ 2020، يُظهر بْلاسّي رغبة في اقتباس الكتاب سينمائياً) غير مُنتجٍ فيلماً متماسكاً، مع أنّ انعكاس قسوة نظام الكفالة هذا واضحٌ.

المساهمون