حظر ترامب: وادي السيليكون ينقلب بدافع الخوف من العواقب

11 يناير 2021
النقاش حول أولوية حرية التعبير على مواقع التواصل يعود للواجهة (Getty)
+ الخط -

جاء اتخاذ منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"، يوم الجمعة الماضي، قراراً بحظر دائم لحساب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، بسبب "خطر المزيد من التحريض على العنف"، بعدما قام، الأربعاء الماضي، وبفعل تجييشه لمناصرين له للتجمع واقتحام الكونغرس وتنفيذ أعمال تخريب وإهانة للنواب بعد فشل الشرطة في صدهم، ليزيد الطين بلة حول مدى ميل عمالقة هذه المنصات لتكييف دورها الحيادي لصالح التحكم التحريري بمحتواها. كل ذلك، بعدما أنهت الشركات حالة الوئام والنهج المتساهل تجاه رئيس أقوى دولة في العالم، وهو الذي استخدمها بنجاح لفترة طويلة لإيصال رسائله السياسية وتغريداته المثيرة للجدل.

أمام ما تقدم، أبرزت صحيفة "دي فيلت" أن موقعي فيسبوك وتويتر، صاحبا النفوذ والشهرة العالمية لا يهتمان بالعدالة والحرية والديمقراطية، وهما لا يطبقان باستمرار الشروط والأحكام الخاصة بهما، وما حصل أمام مبنى الكابيتول هو نتيجة خطأ شركات التواصل، وأنّ المشكلة باتت معقدة، وهي تتمثل في أن المتطرفين اليمينيين يستفيدون بشكل كبير من التكنولوجيا، معتبرة أنّ حظر الرئيس الآن أمر بسيط للغاية ولن يتم إضفاء الشرعية عليه ديمقراطيا، إنما هذا القرار يعزز فقط إيمان بعض مؤيدي ترامب بوجود مؤامرة.

فيسبوك وتويتر لا يهتمان بالعدالة والحرية والديمقراطية، وهما لا يطبقان باستمرار الشروط والأحكام الخاصة بهما

وفي الشأن نفسه، اعتبر الباحث السياسي يورغ فيمالازينا، في مقابلة مع "دي تسايت"، أنّ "القرارات المتخذة في وادي السيليكون رائعة، وحيث يمكن للمنصات، وهي شركات خاصة، بالطبع إزالة أي مستخدم لا يلتزم بشروط الاستخدام. تويتر في قرارها لا تستند فقط إلى المحتوى المنشور، بل إلى السياق الأوسع لسلوك الرئيس، لكن في حالة ترامب الحجج ضعيفة". وذكر يورغ أيضا أن تويتر وفيسبوك بدأتا إثارة الاهتمام والتعليق إلى حد أكبر على إشكالية تصريحات الرئيس ترامب، عندما أصبح واضحا أنه سيخسر الانتخابات، وحتى أنه بعدما لم تعد للجمهوريين أغلبية في مجلس الشيوخ، أي بعد فوز الديمقراطيين في جورجيا، أي بعدما بات مؤكدا أن الحزب الديمقراطي سيكون الآمر الناهي في المجلسين، وممثليه سيرأسون جلسات الاستماع مستقبلا، وهم الذين كانوا يدعون إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من شركات الإنترنت ضد ترامب وتغريداته الفاضحة، لم يتردد في وقت من الأوقات بالمطالبة "بتحرير" المدن من قيود كورونا الصارمة. ولذلك، ليس مستغربا أن يتعرض قرار تويتر لانتقادات شديدة.

حظر ترامب الآن أمر بسيط للغاية ولن يتم إضفاء الشرعية عليه ديمقراطياً، إنما القرار يعزز فقط إيمان بعض مؤيدي ترامب بوجود مؤامرة

وهنا أبرزت "شبيغل" أنه لم تكن لمنصة تويتر ولسنوات مشكلة مع ترامب، المتمتع بجميع سمات الإمبراطور النرجسي نيرون، الذي يترك إمبراطوريته تنهار إذا لم يحصل على ما يريد، في أن تكون أداة السلطة التي يمتلكها الرئيس المغرور، وعلى العكس فإنه وبفضل تويتر تمكن من الارتقاء ممن يمكن أن يطلق عليه نجم تلفزيوني واقعي إلى ممثل سياسي بدون وسائل الإعلام التقليدية الإخبارية، لأسباب ليس أقلها الانتهاكات العنصرية المختلفة، ومشيرةً إلى أنّ الشركة تجاهلت بلا رحمة وتسامحت واستفادت من تصرفات ترامب الغريبة، وحقيقة أنّ تويتر يسحب الآن مكابح الطوارئ، وقبل أقل من أسبوعين من تولي بايدن منصبه، تصرف رخيص.

فترامب حقق نجوميته واستطاع من خلال تويتر إيصال رسائله إلى حوالي 90 مليون متابع، إنما جلب أيضاً للموقع الملايين من المشاركين، ما زاد بشكل كبير من أهمية خدمته، حتى أنّ المنصة استطاعت تحصيل مداخيل من الإعلانات. وفي السياق، تفيد التقارير بأنه إذا بقي ترامب بعيدا عن الموقع، فهذا سيكلف المنصة المذكورة ملياري دولار.

في المقابل، فإنّ ترامب أصبح بفضلها المرشح الأكثر إثارة للاهتمام لمنصب الرئاسة عن الحزب الجمهوري، وحيث لم يكن بمقدوره الاستغناء عن المنصة خلال الحملة الانتخابية، وأنه فقط بعد خسارته تم نشر أكاذيبه حول الانتخابات المزعومة، بعدما قام الموقع سابقا مرارا وتكرارا بتوصيف مزاعم ترامب بأنها لا أساس لها من الصحة، وتم تحذيره فقط. مع العلم أنّ المنصة كانت قد حظرت سابقاً كبير مستشاري ترامب السابق ستيف بانون بعد انتخابات عام 2020 لتخيله إعدام عالم المناعة أنتوني فاوسي في البودكاست الخاص به، إلى محرض يميني آخر من دائرة ترامب يدعى ميلو يانوبولوس، والذي تم حظره عام 2016 بسبب إهانات عنصرية ضد ممثلة، عدا عن مستشاره روجير ستون، الذي فقد حسابه عام 2017 لإهانته صحافيا في شبكة "سي ان ان". ومن المعلوم أنه حكم عليه بالسجن بسبب عدة أمور، من بينها التأثير على الشهود والإدلاء بشهادة زور أمام الكونغرس، وعفا عنه ترامب في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ومع حرمان موقع تويتر ترامب من منصته المفضلة، والتي كان يستخدمها بمهارة أكثر من معظم نجمات التواصل الاجتماعي، كما وتحريك الرأي العام بشأن العديد من الملفات الداخلية والخارجية، إلى القرارات الخاصة بإدارته، من إقالات وتعيينات وإهانات، فضلا عن تحريض معجبيه بالكذب ونظريات المؤامرة، أشارت تعليقات إلى أنّ القوة العظيمة لشركات التكنولوجيا تتجلى مرة أخرى بعدما أعلنت كل من غوغل وآبل أنهما ستزيلان منصة "بارلر"، وهي منصة التواصل التي تم تمويلها بشكل مشترك من قبل داعمي ترامب، من مكتبة تطبيقاتهما، وينظر إليها بأنها خزان لمنظري المؤامرة والمتطرفين اليمينيين في الأشهر الأخيرة، علماً أنّ التقارير الأميركية تفيد بأن من اقتحموا الكابيتول نظموا أنفسهم عبر هذه المنصة.

القوة العظيمة لشركات التواصل الاجتماعي تتجلّى مرة أخرى بقراراتها ضدّ ترامب وضدّ تطبيق مناصريه المفضل "بارلر"

وعن الخطر من هذه الشبكة، تفيد التقارير بأنّ حركة المناصرين لترامب تكثف نشاطها عبرها، وفي الأسبوع الذي تلا الانتخابات الأميركية، تم تنزيل التطبيق ما يقارب المليون مرة وجعله يحتل المرتبة الأولى في مخططات التنزيل للتطبيقات المجانية في كل من مكتبات آبل وغوغل، في وقت يدور الحديث عن أن هناك أشخاصا مؤثرين من مناصري ترامب بدأوا هجرة موقع تويتر، وهناك نزوح  للناخبين اليمينيين من المنصات المعروفة. مع العلم أنّ هناك من يعتبر أن وسائل التواصل سواء أحببتها أو لا، فهي ليست متاجر ويب أو مواقع مواعدة، إنما منابر للنقاش وحرية التعبير ويجب ألا يتم تقييدها بحروف صغيرة من وادي السيليكون.

المساهمون