حرب واشنطن على أسانج... كلّ هذا العداء

02 أكتوبر 2021
يواجه أسانج عقوبة بالسجن قد تصل إلى 175 عاماً في الولايات المتحدة (جاك تايلور/ Getty)
+ الخط -

أعطت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، عام 2017، ختم موافقتها على مناورة قانونية كُشف أخيراً أن "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية (سي آي إيه) كانت تستند إليها في مطاردتها مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج.

وفق تحقيق نشره موقع "ياهو نيوز" الإخباري يوم الأحد الماضي، نظر كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبينهم مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" حينها مايك بومبيو، في خيارات اختطاف وحتى اغتيال أسانج عام 2017، كجزء من عملية "مكافحة التجسس الهجومية". ولتوسيع خياراتها القانونية، صنفت إدارة ترامب "ويكيليكس" على أنه "خدمة استخبارات معادية من غير الدول"، وهي التسمية التي كشف عنها لأول مرة بومبيو، في إبريل/نيسان 2017، وفق ما أشار موقع "ذي إنترسبت" الإخباري يوم الأربعاء.

هذه التسمية الجديدة كانت تتويجاً لجهد بدأ في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. ففي أعقاب تسريب المتعاقد السابق إدوارد سنودن وثائق سرية من "وكالة الأمن القومي" الأميركية، اتجه مسؤولو الاستخبارات إلى تسمية "ويكيليكس" بـ"وسيط المعلومات"، وهو ما يميزونه عن الصحافة والنشر. أفاد "ياهو نيوز" بأن البيت الأبيض، خلال ولاية أوباما، رفض هذا الإجراء، ولكن في عهد ترامب نجح المسؤولون في تطبيق تصنيف "خدمة استخبارات معادية من غير الدول" على "ويكيليكس". وقال مسؤول سابق، لـ"ياهو نيوز"، إن هذه التسمية العدوانية "اختيرت بحذر، وتعكس وجهة نظر الإدارة"، وسمحت لبومبيو ومساعديه بتوسيع مروحة أفكارهم حول كيفية استهداف أسانج. وأفكارهم هذه لم تستبعد الخطف والاغتيال.

كما سعت الإدارة، وحصلت، على اللغة التشريعية التي تدعم مطالبها بتوسيع سلطتها. وذكر موقع "ذي إنترسبت" الإخباري حينها أن بنداً في قانون تفويض الاستخبارات، للسنة المالية 2018، نص على ما يلي: "يشعر الكونغرس بأن (ويكيليكس) وإدارته العليا يشبهان خدمة استخبارات معادية غير حكومية، غالباً ما يحرضها ممثلو دولة، ويجب التعامل معها على هذا الأساس من قبل الولايات المتحدة". وأشار "ذي إنترسبت" إلى أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ولاحقاً كل أعضاء الكونغرس، أيدوا تصنيف "وكالة الاستخبارات المركزية" لموقع "ويكيليكس" على أنه "خدمة استخبارات معادية من غير الدول"، وهي مناورة قانونية مركزية في صلب المؤامرة لاختطاف جوليان أسانج التي كشفها "ياهو نيوز".

صنفت إدارة ترامب "ويكيليكس" على أنه "خدمة استخبارات معادية من غير الدول"

كان "ياهو نيوز" أفاد بأن المناقشات حول اختطاف أو اغتيال أسانج حصلت عام 2017، حين كان يقضي عامه الخامس لاجئاً في السفارة الإكوادورية في العاصمة البريطانية لندن. وكان بومبيو وكبار المسؤولين حينها غاضبين تحديداً من نشر "ويكيليكس" لـ"فولت 7" Vault 7، وهي سلسلة من الوثائق التي كشفت عن أدوات برمجية متطورة وتقنيات مستخدمة من قبل الوكالة، لاختراق الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والسيارات المتصلة بالإنترنت، في تسريب وصف بالأكبر في تاريخها. ونقل الموقع عن مسؤول سابق في الأمن القومي، خلال ولاية ترامب، قوله إن بومبيو والقيادة في "وكالة الاستخبارات المركزية" كانا "منفصلين تماماً عن الواقع، لأنهما كانا محرجين بشدة بسبب (فولت 7)".

بعد الكشف عن مخطط الاستخبارات الأميركية، أعلن متحدث أن وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، أثارت قضية أسانج، وهو أسترالي الجنسية، مع نظيريها الأميركي والبريطاني، وآخرها في لقاء مع أنتوني بلينكن، في 15 سبتمبر/أيلول الحالي. وأضاف المتحدث باسم الوزارة أن الحكومة الأسترالية نقلت توقعاتها بأن يحظى أسانج بمعاملة عادلة وإنسانية، وتمتيعه بالحق في الوصول إلى الرعاية الطبية وغيرها، كما بالحق في التواصل مع فريق الدفاع عنه. ولم يتضح ما هي التطمينات التي حصلت عليها باين، إن كان من نظيرها الأميركي أو البريطاني.

وفي ردّه العلني الأول على التقرير، الأربعاء، لم ينف بومبيو أو يؤكد المزاعم الواردة. لكنه قال، لـ"ياهو نيوز"، إن مصادره "لا تملك أدنى فكرة" عن نشاطات المسؤولين في الوكالة. وأضاف: "لا أعتذر عن حقيقة سعيي والإدارة الجاد إلى التأكد من قدرتنا على حماية هذه المعلومات الحساسة، سواء من جهات إلكترونية فاعلة في روسيا، أو من الجيش الصيني، أو من أي طرف كان يحاول تسريبها".

منظمة "مراسلون بلا حدود" أصدرت بياناً الثلاثاء الماضي، قالت فيه إنه إذا كانت هذه المزاعم، حول تهديد (وكالة الاستخبارات المركزية) الأميركية لأسانج، صحيحة، فإنها مقلقة جداً، وتؤكد على المخاطر التي يواجهها في سجنه، وهي أكبر في حال تسليمه للولايات المتحدة. وأضاف البيان أن على إدارة الرئيس الحالي جو بايدن "التصرف على الفور لتنأى بنفسها عن هذه التقارير المروعة عن تصرفات إدارة ترامب، وإغلاق القضية ضد أسانج نهائياً، والسماح بالإفراج عنه من السجن قبل حدوث أي ضرر آخر". ذكّرت "مراسلون بلا حدود" في بيانها بأنها تؤمن بأن أسانج "استُهدف لمساهماته في تغطية أخبار تهم المصلحة العامة، وأن تسليمه ومقاضاته سيمثلان ضربة خطيرة لحرية الصحافة ومستقبل الصحافة، وسيخلفان تأثيراً مخيفاً دائماً وشديداً على التقارير المتعلقة بالأمن القومي حول العالم".

درس مسؤولون في إدارة ترامب خيارات اختطاف أو حتى اغتيال أسانج بعد تسريبات "فولت 7"

في اليوم نفسه، أصدر "الاتحاد الوطني للصحافيين"، في المملكة المتحدة وأيرلندا، بياناً وصف فيه مجرد التلميح إلى أن واشنطن فكرت في اختطاف وقتل شخص على أرض دولة حليفة بـ"المرعب". واعتبرت أن تحقيق "ياهو نيوز" وجه ضربة لادعاءات الولايات المتحدة بأن سعيها إلى تسلم أسانج ليس ذات دوافع سياسية، مشددة على ضرورة رفض هذا الطلب في الجلسة المرتقبة خلال الشهر الحالي، وإطلاق سراحه على الفور.

وكذلك، اعتبر الأمين العام لـ"الاتحاد الدولي للصحافيين"، أنتوني بيلانجيه، أنه "إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة، فإنها ستلقي بظلالها طويلاً على كل الصحافة المستقلة، وستثبت مرة أخرى أن تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة سيعرض حياته لخطر جسيم". وأضاف "نحن ندعو إلى إجراء تحقيق كامل، ونحث السلطات البريطانية على الإفراج عنه فوراً".

إلى ذلك، قال باري بولاك، محامي أسانج، لـ"ياهو نيوز": "بصفتي مواطناً أميركياً، أجد أنه من المشين للغاية أن تفكر حكومتنا في اختطاف أو اغتيال شخص ما، من دون أي إجراءات قضائية، لمجرد أنه نشر معلومات حقيقية". وأضاف: "آمل وأتوقع أن تنظر محاكم المملكة المتحدة في هذه المعلومات، وستعزز قرارها بعدم تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة".

سبق أن رفضت القاضية البريطانية فانيسا باريتسر، في يناير/كانون الثاني، تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهم التجسّس، معتبرة أنّه معرض لخطر الانتحار. واستأنفت واشنطن القرار. اعتُقل أسانج في إبريل/نيسان 2019، بعد سبع سنوات أمضاها في سفارة الإكوادور في لندن حيث لجأ بعد انتهاك شروط كفالته، خوفاً من تسليمه إلى الولايات المتحدة أو السويد، حيث واجه قضية بتهمة اغتصاب طعن فيها وأسقطت لاحقاً. ويواجه الأسترالي، المدعوم من عدد من المنظمات المساندة لحرية الصحافة، عقوبة بالسجن قد تصل إلى 175 عاماً في الولايات المتحدة، لنشره منذ عام 2010 أكثر من 700 ألف وثيقة سريّة عن الأنشطة العسكرية والدبلوماسية الأميركية، في العراق وأفغانستان تحديداً.

المساهمون