حرب أوكرانيا تشوش "فيسبوك" وموظفيها

03 ابريل 2022
تظاهرة في البرتغال دعماً للشعب الأوكراني الشهر الماضي (مانويل رومانو/ Getty)
+ الخط -

تثير إدارة منصتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام" ارتباكاً داخلياً، إذ تواصل تعديل قواعد الممنوعات والمسموحات في المنشورات التي تتناول الحرب، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.

إذ أقدمت شركة "ميتا"، المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، على خطوة غير عادية قبل أسبوعين: علقت بعض ضوابط الجودة التي تضمن أن المنشورات من المستخدمين في روسيا وأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية الأخرى تلتزم بقواعدها.

وبموجب الإجراء الجديد، توقفت "ميتا" مؤقتاً عن تتبع ما إذا كان موظفوها الذي يراقبون منشورات "فيسبوك" و"إنستغرام" من تلك المنطقة يطبقون بدقة إرشادات المحتوى الخاصة بها، كما قال ستة أشخاص مطلعين على المسألة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأربعاء. هذا لأن الموظفين لم يتمكنوا من مواكبة تغيير القواعد حول أنواع المنشورات المسموح بها بشأن الحرب في أوكرانيا، وفقاً لمصادر الصحيفة الأميركية.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي، أجرت شركة "ميتا" أكثر من عشر مراجعات لسياسات المحتوى الخاص بها، إذ سمحت بنشر منشورات حول الصراع تحذفها عادة، بينها الدعوة إلى مقتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعنف ضد الجنود الروس، قبل أن تغير رأيها وتسن مبادئ توجيهية جديدة.

وهذه التغييرات أحدثت ارتباكاً داخلياً، وتحديداً بين المشرفين على المحتوى الذين يفتشون في منشورات "فيسبوك" و"إنستغرام" بحثاً عن نصوص وصور تحتوي على دماء وخطاب كراهية وتحريض على العنف. وقال الأشخاص أنفسهم الذين لم يُسمح لهم بالتحدث علناً إن "ميتا" غيرت قواعدها في بعض المرات يومياً، مما تسبب في حدوث اصطدامات.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

لم تكن الإجراءات المربكة التي أقدمت عليها عملاقة التواصل الاجتماعي التأثير الوحيد الذي فرضته الحرب في أوكرانيا عليها، إذ واجهت ضغوطاً من السلطات الروسية والأوكرانية وسط حرب المعلومات بين الطرفين. وداخلياً، كان على "ميتا" الاستجابة لمشاعر الاستياء التي خلفتها قراراتها، إن من جانب موظفيها الروس الذين أبدوا قلقاً على سلامتهم، أو الموظفين الأوكرانيين الذين أرادوا أن تكون الشركة أكثر صرامة مع المنظمات التابعة للكرملين عبر شبكة الإنترنت، وفق ما كشف عنه ثلاثة أشخاص لـ"نيويورك تايمز".

نجت "ميتا"، بدرجات متفاوتة، من الصراعات الدولية سابقاً، بما فيها الإبادة الجماعية لأقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار والمناوشات بين الهند وباكستان. والآن أصبح الصراع الأكبر في القارة الأوروبية، منذ الحرب العالمية الثانية، بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الشركة على مراقبة منصاتها خلال الأزمات العالمية الكبرى. وحتى الآن، يبدو أنها لا تزال قيد التقدم.

ورفضت المتحدثة باسم الشركة الأميركية، داني ليفر، التحدث مباشرة عن كيفية تعامل "ميتا" مع التغييرات في سياسات المحتوى ومخاوف الموظفين أثناء الحرب.

لكن الشركة كانت قد أعلنت عن إنشاء فريق عمليات خاص على مدار الساعة يعمل فيه موظفون يتحدثون اللغتين الروسية والأوكرانية. كما حدثت منصاتها لمساعدة المدنيين في الحرب، وبينها توفير ميزات توجه الأوكرانيين نحو معلومات موثوقة ودقيقة لتحديد الأماكن الآمنة ومساعدة اللاجئين.

وقال شخصان لـ"نيويورك تايمز" إن الرئيس التنفيذي ومؤسس "ميتا" مارك زوكربيرغ، ومديرة العمليات شيريل ساندبرغ، يشرفان مباشرة على التدابير المتخذة بشأن الحرب. ولكن بينما يركز زوكربيرغ على تحويل "ميتا" إلى شركة ستقود العوالم الرقمية إلى عالم "ميتافيرس"، فإن العديد من المسؤوليات المتعلقة بالصراع تقع - على الأقل علناً - على عاتق رئيس الشؤون العالمية نيك كليغ.

في فبراير، أعلن كليغ أن "ميتا" ستقيد الوصول داخل الاتحاد الأوروبي إلى صفحات القناتين التلفزيونيتين اللتين تسيطر عليهما الدولة الروسية "آر تي" و"سبوتنيك"، بعد طلبات تلقتها من أوكرانيا وحكومات أوروبية أخرى. وردت روسيا بقطع إمكانية الوصول إلى موقع "فيسبوك" داخل البلاد، متهمة الشركة المالكة بالتمييز ضد وسائل الإعلام الروسية، ثم حجبت أيضاً منصة "إنستغرام".

وفي مارس/آذار الماضي، أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"ميتا"، لتحركها بسرعة في مواجهة الدعاية الحربية الروسية على منصاتها. كما عاجلت الشركة لإزالة فيديو صمم بتقنية "التزييف العميق" (deepfake) يظهر كذباً خضوع الرئيس الأوكراني للقوات الروسية.

وفي مقابل الإجراءات الكبيرة لـ"ميتا"، كانت هفواتها أكبر. إذ سمحت لمجموعة تحمل اسم "الفيلق الأوكراني" (Ukrainian Legion) بتشغيل إعلانات على منصاتها في مارس، لتجنيد "أجانب" للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني، وهذا انتهاك للقانون الدولي. أزالت الشركة لاحقاً الإعلانات التي عُرضت على أشخاص في الولايات المتحدة وأيرلندا وألمانيا وأماكن أخرى، لأن المجموعة ربما أساءت تمثيل العلاقات مع الحكومة الأوكرانية، وفقاً لـ"ميتا".

داخلياً، بدأت "ميتا" أيضاً بتغيير سياسات المحتوى الخاصة بها للتعامل مع الطبيعة سريعة الحركة للمنشورات حول الحرب. تمنع الشركة منذ فترة طويلة المنشورات التي قد تحرض على العنف. ولكن في 26 فبراير، بعد يومين من غزو روسيا لأوكرانيا، أبلغت مديري المحتوى - وهم عادة متعاقدون - أنها ستسمح بدعوات لقتل بوتين و"دعوات للعنف ضد الروس والجنود الروس في سياق غزو أوكرانيا".

في مارس، كشفت وكالة "رويترز" عن هذه التحولات لدى "ميتا"، مع عنوان يشير إلى أن الشركة ستتسامح مع المنشورات التي تدعو إلى العنف ضد الروس كلهم. ورداً على ذلك، وصفت السلطات الروسية أنشطة "ميتا" بأنها "متطرفة". بعدها بوقت قصير، عكست "ميتا" مسارها، وقالت إنها لن تسمح لمستخدميها بالدعوة إلى موت رؤساء الدول.

وكتب نيك كليغ، في مذكرة داخلية كشفت عنها وكالة "بلومبيرغ"، أن "الأحداث في أوكرانيا تتحرك بسرعة. نحاول التفكير في العواقب كلها، ونبقي إرشاداتنا قيد المراجعة المستمرة لأن السياق في تطور دائم".

عدلت "ميتا" عدداً آخر من إجراءاتها، ففي مارس قامت باستثناء مؤقت لإرشادات خطاب الكراهية حتى يتمكن المستخدمون من النشر عن "اجتثاث الروس" في 12 دولة في أوروبا الشرقية، وفقاً لوثائق داخلية اطلعت عليها "نيويورك تايمز". ولكن في غضون أسبوع، عدلت القاعدة، لتلحظ أنه يجب تطبيقها فقط على المستخدمين في أوكرانيا.

وقال الأشخاص الستة المطلعون على المسألة إن التعديلات المستمرة تركت الوسطاء الذين يشرفون على المستخدمين في دول أوروبا الوسطى والشرقية في حيرة من أمرهم. واجهت الشركة أيضاً شكاوى موظفين بشأن تحولات سياستها.

في اجتماع عقد في مارس للموظفين المرتبطين بأوكرانيا، سألوا لماذا انتظرت الشركة حتى الحرب لاتخاذ إجراءات ضد "آر تي" و"سبوتنيك"، وفقاً لشخصين كانا حاضرين. وفي حين أن الشركة ليس لديها موظفين في روسيا، فقد عقدت اجتماعاً منفصلاً، في مارس أيضاً، للموظفين المرتبطين بروسيا. وقال هؤلاء إنهم قلقون من أن تؤثر تصرفات موسكو ضد الشركة عليهم، وفقاً لوثيقة داخلية.

وفي اجتماع منفصل للشركة الشهر الماضي، أعرب بعض الموظفين عن عدم رضاهم عن التغييرات التي طرأت على سياسات الكلام خلال الحرب، وفقاً لاستطلاع داخلي. وتساءل البعض عما إذا كانت القواعد الجديدة ضرورية، ووصفوا التغييرات بأنها "منحدر زلق" و"تُستخدم كدليل على أن الغربيين يكرهون الروس".

المساهمون