فارق المخرج السوري حاتم علي الحياة، يوم الثلاثاء، في العاصمة المصرية القاهرة، عن عمر 58 عاماً، علماً أنه كان يستطلع أماكن تصوير لعمل درامي جديد كان بصدد إنجازه لشهر رمضان المقبل.
وعُرِف المخرج السوري بحضورٍ مؤثر في الدراما العربية، بعد سلسلة من الأعمال التاريخية والاجتماعية، ملهماً لجيل كامل من المخرجين السوريين وناقلاً الدراما السورية إلى بر أكثر أماناً ومساحة لا تقل إبداعاً عن ما تنجزه السوق المصرية. ويقدّم مع زوجته المحامية دلع الرحبي، وبشراكة مع الكاتبة ريم حنا، واحداً من أشهر نصوص الدراما السورية "الفصول الأربعة" الذي امتدّ على جزئين، وحفرت شخصياته في ذهن الجمهور.
خارج إطار الكادر
العمل الدرامي في يد حاتم علي لم يكن رؤية بصرية فقط، بل تطوير على بنية النصّ لإكسابه حيوية تفرّد بها، وهذا ما بدأ في مسيرته باكراً مع المخرج هيثم حقي، فإذ به يتفرّد في الانتقال إلى صنف جديد من الدراما الشعبية، عبر تقديم قصة "الزير سالم" عن مخطوط للكاتب الراحل ممدوح عدوان، ضاماً إلى الحكاية صفاً من النجوم العرب الذين لم يسبق أن التقوا في حكاية واحدة، فكان سلوم حداد وعابد فهد وفرح بسيسو ورفيق علي أحمد وبسام كوسا وسمر سامي ونجاح العبد الله وتيم حسن.
عُرِف المخرج السوري بحضورٍ مؤثر في الدراما العربية، بعد سلسلة من الأعمال التاريخية والاجتماعية، ملهماً لجيل كامل من المخرجين السوريين
أسس هذا العمل بداية لمرحلة جديدة من الأعمال التاريخية التي نقلت حاتم علي من بيئة العمل في الدراما السورية الاجتماعية إلى دراما عربية مشتركة، بنصوص تحاكي مراحل مفصلية في التاريخ العربي والإسلامي، وكان أبرزها "ثلاثية الأندلس" التي أخرجها بشراكة مع الدكتور وليد سيف، وثم تُرجِم بدخول علي إلى السوق المصرية عبر مسلسل "الملك فاروق"، ثم تقديمه سيرة الخليفة عمر بن الخطاب في مسلسل "الفاروق".
صانع نجوم عرب
كلّ من وقف أمام كاميرا حاتم علي أيقن في قرارة نفسه أنّ ما بعد الدور ليس كما قبله، خاصةً أن علي استطاع الولوج إلى كبريات الشركات الفنية العربية والانتقال عبر بيئات مختلفة، فزارت عدسته المغرب العربي، وانتقلت في حارات القاهرة والإسكندرية وتجولت في صحاري الخليج. وعلى متن هذه الرحلة الزاخرة التي امتدت لربع قرن تمكّن علي من منح الفرصة لعشرات الممثلين الذين غدوا نجوماً وافتخروا بحضورهم في مسلسلاته.
دراما اجتماعية استثنائية
لا ريبَ أن كاميرا حاتم علي إذا دخلت منزلاً ليكون ضمن أحداث مسلسل اجتماعي، فإنّ هذا المسلسل سيحضر في ذاكرة المشاهدين حتى تغدو تفاصيل المكان حيّة ولسنين طويلة، فمن ينسى الغرامافون الذي حضر في صالون مسلسلات "الفصول الأربعة" و"عصي الدمع"؟ وكيف على المشاهد أن ينسى بسهولة تأثير موسيقى "الفصول الأربعة" على مسامعه؟ والصورة الجماعية لعائلة مسلسل "أحلام كبيرة"؟ ورحلة باسل خياط وسلافة معمار إلى آثار تدمر في "الغفران"؟ والكوخ البحري على رمال الإسكندرية في "أهو ده اللي صار"؟
لا ريبَ أن كاميرا حاتم علي إذا دخلت منزلاً ليكون ضمن أحداث مسلسل اجتماعي، فإنّ هذا المسلسل سيحضر في ذاكرة المشاهدين
في قلب المجتمع
موقف صعب اتخذه الفنانون السوريون مع بداية الثورة في بلادهم؛ البعض اتجه نحو الخارج رافضاً البقاء تحت سلطة نظام بشار الأسد، وهناك من اختار أن يوالي النظام للبقاء في البلاد وألا يخسر حضوره في الدراما، وبين الاثنين وقف حاتم علي ليكون مخرجاً تمكّن من جمع ممثلي الموالاة والمعارضة في أكثر من عمل، من دون أن يهمّش الجرح السوري أو يتحيز لطرف دون الآخر، ليحضر على قائمة أبطال مسلسل "أوركيديا" توليفة من النجوم لم يسبق أن اجتمعت في مسلسل واحد، وينقل عبر كاميرته في شوارع مدينة جبيل أجواء أحياء دمشق القديمة، ضمن مسلسل لامس الجرح السوري وأرشفه بعناية في "قلم حمرة"، وإلى جانبهما جاء مسلسل "العراب" بجزئيه ليرصد التحول الاقتصادي في الطبقة الحاكمة في سورية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه.
حاتم المعلّم
الكثير من عبارات الأسى والترحم انتشرت على عشرات حسابات الفنانين في مواقع التواصل الاجتماعي لمخرج أجمع الشارعان السوري والعربي على حب أعماله، فكان مهندساً لمشاهد لن تنسى من الشاشة، فإن غاب عمل حضر آخر، وإن انتهى تدرب مخرج على يد حاتم علي، أضاف اسماً جديداً إلى قائمة المتدربين، ليكون كلّ من وقف أمام عدسته كنجم للمرة الأولى وهو يضمن أنه في هذه اللحظة سيظهر كما لن يبدو في أي عمل ثانٍ أو مع أي مخرج آخر.
وقد نعت نقابتا المهن التمثيلية في مصر وسورية، عبر "فيسبوك"، المخرج الراحل، شأنهما في ذلك شأن فنانين عرب كثر.