جنين... لأنّ المخيم ابتسم

10 يوليو 2023
من اعتداء الاحتلال الأخير على مخيم جنين (زين جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

قبل 21 عاماً، حمل الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري كاميراته، واتجه إلى مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، شمالي الضفة الغربية، في أعقاب المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال، والصمود لمقاتلي المخيم، في ما عرف فلسطينياً باسم "الاجتياح الكبير"، وإسرائيلياً ودولياً بـ"عملية السور الواقي"، ليخرج بمشاهد لم يسبقه إليها أحد، وبحوارات نادرة، بينما كان لا يزال الدم ساخناً، منجزاً فيلمه الوثائقي الأيقوني "جنين جنين"، الذي تنقل في محاكم الاحتلال بسببه طوال هذه المدّة، حتى حوكم أخيراً بغرامة مالية باهظة للغاية، وبتكليفه سحب كافة نسخ الفيلم.

الآن، وفي خضم اجتياح قوات الاحتلال مجدداً للمخيم، عاد الفيلم ليطّل برأسه مجزأ في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما عرضته قنوات عربية كاملاً، ما أعاد بكري إلى ذكريات حاضرة. أكد المخرج في حديث إلى "العربي الجديد": "بالنسبة لي (جنين جنين) ليس جزءاً من الماضي، بل هو حاضر، فهو لم يغب أبداً عن بالي، فما حدث هناك عام 2002 يحدث الآن، وكأن الفيلم يوثق لما حدث قبل أيام"، لافتاً إلى أنه لو لم يكن خارج فلسطين، لحمل كاميراته مجدداً، وصوّر من جديد في مخيم جنين.

وأشار بكري إلى أن الطبيب، أو من ادعى أنه كان طبيباً في الجيش الإسرائيلي خلال اجتياح المخيم عام 2002، وكان رأس الحربة في الحملة التي أفضت إلى سلسلة محاكمات على مدار عقدين من الزمن ضد الفيلم، صرّح في لقاء تلفزيوني حديث، بالتزامن مع الاجتياح الأخير للمخيم، وفي ساعة الذروة عبر قناة إسرائيلية معروفة: "هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في 2002 باتوا قتلة وإرهابيّين، ويحق لنا قتلهم لندافع عن أنفسنا وأمننا".

لم يستهجن بكري الحكم عليه بغرامة كبيرة، لكنه استهجن قرار تحميله مسؤولية مصادرة كافة النسخ الموجودة من الفيلم وإحراقها، لافتاً إلى أنه أنتج على شرائط VHS وقتذاكك، ومن بعدها على DVD، والآن موجود عبر الإنترنت بالصيغ الحديثة، وعلى كافة المنصّات ومواقع التواصل الاجتماعي.

والأمر ذاته ينطبق على مسلسل "الاجتياح" الذي كتبه الفلسطيني رياض سيف، وأخرجه التونسي الراحل شوقي الماجري، بإنتاج من المركز العربي في الأردن، عام 2007. تناول العمل تفاصيل اجتياح مخيم جنين عام 2002، وهو من بطولة كل من عبّاس النوري، وعبد المنعم عمايري، وكندة علوش، وديما قندلفت، وإياد نصّار، وصبا مبارك، ومنذر رياحنة، وزهير النوباني، ونادرة عمران، ومكسيم خليل، ونبيل المشيني، وحسين نخلة، وريم اللو، ورأفت لافي، ونادين تحسين بيك. لم يلق المسلسل قبولاً لدى غالبية القنوات والفضائيات العربية عند إنتاجه، حسب ما صرّح كاتبه رياض سيف لـ"العربي الجديد"، ليطفو على سطح وسائل التواصل الاجتماعي مجدداً، في مقاطع منفصلة منه، أو بمرافقة أغنيات وطنية وثورية بجديدها وقديمها. وأوضح سيف أن الفكرة بدأت خلال لقاء جمعه بصديقه المخرج السوري محمد عزيزية، الذي طلب منه توثيق اجتياح مخيم جنين دراميّاً. بدا الأمر كأنه مهمّة صعبة، لكنه فعلها في وقت لاحق، خصوصاً عندما عاد إلى رام الله، إذ توجّه إلى المخيم، وبدأ بجمع الشهادات، ليكتشف أن في كل بيت في المخيم حكاية. واستذكر سيف: "كنت أكتب، وأجلس بعدها بشكل شبه يومي لساعات عدّة مع الماجري مخرج العمل، لنتناقش في النص وطريقة خروجه على الشاشة، وأنهيت العمل مع الماجري خلال شهر متواصل". 

موقف
التحديثات الحية

بدوره، أشار مدير عام مسرح الحرية في مخيم جنين، مصطفى شتا، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاجتياج الأخير للمخيم كان يهدف إلى القضاء على كل ما يؤشّر للحياة والجمال، وإمكانية التفوق والإبداع، بما يشمل مسرح الحرية، فالمنطقة التي يقع فيها مقره حولها الاحتلال إلى نقطة عسكرية لانطلاق مركباته وجنوده، بل تم احتلال المبنى بالكامل، واستخدامه للقناصة الذين اعتلوا أسطحته ومارسوا جرائمهم، علاوة على إطلاق قنابل على سطحه، والترويج لاحتوائه على أسلحة، وتحصّن مقاومين فيه، لتبرير هجوم الاحتلال الشرس على المسرح ومحيطه.

ولفت شتا إلى أن بيوت الضيافة المخصصة للفنانين والإعلاميين المتخصصين من كافة أنحاء العالم، طاولها استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية، إذ احتُجز صحافي برازيلي قبل تدخّل سفارة بلاده لإنقاذ حياته، مؤكداً أن ذلك استهداف للإبداع والكلمة وللمسرح الذي يشكل مركزاً ثقافياً لا يريدون لمثله أن يشكل حالة حضارية في المخيم، خاصة أنه مبني على منهج مناهض للصهيونية منذ تأسيسه إلى اليوم، فلم يكتف باقتحامه وإحداث الخراب فيه، بل حوّله لفترة إلى مركز احتجاز لمن يعتقلهم من داخل المخيم. وفي وقت أشار فيه شتا إلى بدء المسرح بالترتيب لفعاليات فنية وثقافية للأطفال والكبار، وزيارات تضامنية لفنانين ومثقفين فلسطينيين، في الأيام القريببة المقبلة.

المساهمون