جبّانات القاهرة: الموتى مُهدّدون بهدم مدينتهم

16 نوفمبر 2021
من المقابر المملوكية بعد مرور الجرافات (محمد مصطفى/ Getty)
+ الخط -

أعلن مثقفون مصريون ومهتمون بالتراث المعماري، أن مدينة الموتى في القاهرة "تواجه أكبر تحدٍّ في تاريخها، وهو إزالتها بالكامل من أجل إنشاء طرق ومحاور جديدة، كما حدث في يوليو/تموز 2020، عندما أدى إنشاء محور علوي -يقطع جبانة الغفير بشكل عرضي- إلى إزالة عشرات المدافن، وتشويه منطقة ظلت محتفظة بتجانسها العمراني والمعماري لأكثر من مائة عام، قاطعاً هويتها البصرية ومدمراً وحدتها".
وقالت مجموعة "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية": "يعتبر هذا الدمار أولى خطوات المخطط الاستراتيجي لعام 2050 الذي يوصي بإزالة الجبانات. وما زالت تصريحات المسؤولين مبهمة عن طبيعة المشروعات التي ستنفذ في المنطقة. فتارة يدور الحديث عن محاور عملاقة، وتارة أخرى عن مناطق خضراء. الشيء الوحيد الأكيد، هو وصول رسائل لأصحاب الأحواش ليستعدوا لنقل رفات موتاهم. وفي حال تنفيذ قرار الإزالة، سيفقد العالم موقعاً فريداً لن يعوض، هو بمثابة "جبانة طيبة" للمصريين المحدثين".
وكشفت الكاتبة المصرية، لوتس عبد الكريم، عن عزم المسؤولين بمحافظة القاهرة، على هدم مقبرة ملكة مصر السابقة، فريدة، ووالديها، وأسرة ذو الفقار بمقابر الإمام الشافعي، وذلك لإقامة نفق.
كتبت عضو المجلس الأعلى للثقافة، ومجلس الشؤون الخارجية، على صفحتها على "فيسبوك" تحت عنوان "من المسؤول عن هذه الجريمة في حق الملكة فريدة؟"، تقول: "اتصلت بي أسرة الملكة فريدة، كي نجد حلًا لمشكلة مروعة هزت مشاعرهم وآذتني كثيرًا غير مصدقة أن يحدث هذا في بلدي مصر. إذ أنذرت الأسرة بهدم قبر الملكة فريدة ووالديها وأسرة ذو الفقار في مقابر الإمام الشافعي بحجة إقامة كوبري".
وأضافت عبد الكريم أنه "تقرر نقل رفات الملكة فريدة وذويها إلى مقبرة صغيرة في منطقة نائية على أطراف مدينة 15 مايو مساحتها 40 مترًا، عبارة عن قبرين، واحد للرجال وآخر للنساء".
وكشفت مجموعة "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية" عن العديد من المقابر الأخرى المهددة بالإزالة من أجل مشروع تطوير المنطقة الذي تنفذه الحكومة المصرية، ومن ضمن هاته المقابر مدفن عائلة محمد راتب باشا، سردار "الجهادية" (الجيش المصري) في عهد إسماعيل باشا.
الكاتب المهتم بالتراث ميشيل حنا، كشف أيضًا عن مخطط لإزالة مقبرة علي باشا مبارك. وكتب على صفحته على "فيسبوك": "علي باشا مبارك الذي خطط القاهرة، سيذهب إليه البلدوزر (آلة الحفر) كي تخطط (المقصود تحفر) فوق رأسه".
ومن ضمن المقابر المهددة بالإزالة أيضاً، مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، والشيخ المقرئ محمد رفعت وغيرهم من أعلام مصر.

وبحسب مجموعة "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية"، تحتوي مدينة الموتى في القاهرة، التي يطلق عليها "القرافة"، على ثلاث جبانات رئيسية تكون "متصل جنائز الإطلاق" يمتد بطول 12 كلم من الشمال إلى الجنوب، بموازاة القاهرة التاريخية شرقاً، تحت سفح المقطم، ويحتل مساحة ألف هكتار، ويتكون من: مدافن باب النصر شمالاً -وهي الأصغر- وجبانة الإمام الشافعي جنوباً، وجبانة صحراء المماليك شرقاً. ويعود تاريخ إنشاء جبانات القاهرة إلى القرن السابع الميلادي مع إنشاء أول عاصمة عربية لمصر -الفسطاط- أي أنها سابقة على قاهرة المعز. وتعتبر أقدم مقابر إسلامية في العالم العربي لا تزال مستغلة في دفن الموتى.
وعلى مدى أربعة عشر قرناً، توسعت تلك الجبانة التي أطلق عليها "القرافة"، ثم استحدثت جبانات أخرى بعد ذلك حيث أضاف كل عصر من العصور اللاحقة جبانة جديدة حتى أصبح لمدينة القاهرة هذا المتصل الجنائزي الضخم. وتضم "القرافة" منشآت جنائزية هائلة ومدافن أصغر حجماً تعود إلى جميع العصور، منذ إنشائها، ومن بينها المجموعات الجنائزية للمماليك التي تعد من أروع ما أنتجته العمارة المملوكية. وقد قام بزيارتها العديد من الرحالة الأجانب والعرب منذ العصور الوسطى وأشادوا بحسن بنائها وعظمة آثارها، حتى شبهها الرحالة ابن جبير بمتحف للآثار وبإحدى عجائب الدنيا.
وتضم جبانات القاهرة اليوم 78 أثراً مسجلاً على قائمة الآثار، من ضمن 537 أثراً إسلامياً (15%) ترجع إلى العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، بالإضافة إلى العديد من المواقع التي دفن فيها الصحابة وكبار المتصوفة في الإسلام، أمثال: ابن عطاء الله، وذي النون، ورفاق الحلاج (القرافة الجنوبية)، والعلامة ابن خلدون، والمؤرخ المقريزي (قرافة باب النصر). ولا تقل عنها مدافن الأسر البرجوازية والأرستقراطية وأعلام مصر التي يطلق عليها أحواش وتشبه القصور، فهي تحتل مساحات تتراوح بين مئة متر إلى عدة مئات من الأمتار المربعة، وتحتوي على عدة مبان تطل على أحواش سماوية، ومشيدة غالباً بالحجر والطوب، وقام بوضع بعضاً من تصميماتها كبار المعماريين المصريين أمثال: مصطفى باشا فهمي، وحسن فتحي، ومحمود رياض، والإيطالي إرنستو فيروتشي.

وما زالت مدينة الموتى في القاهرة تثير دهشة وإعجاب السائحين الأجانب، وقد تم إدراج أجزاء كبيرة من الجبانات داخل نطاق القاهرة التاريخية المسجلة على قائمة التراث الإنساني لليونسكو عام 1979. كما أنها تعتبر مناطق ذات قيمة معمارية متميزة، وبها العديد من المقابر والأحواش مرتبطة بشخصيات تاريخية.

كما أن التعامل على تلك المنطقة لا بد فيه الرجوع إلى وزارة السياحة والآثار، لوجود العديد من المباني الأثرية، إضافة إلى أن المادتين 20 و21 من اللائحة التنفيذية لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، تضعان معايير للتعامل مع مثل هذه المناطق حال التطوير.

المساهمون