جائزة لمروان حامد: تفكيك سينمائي مهمّ يسبق اشتغالات عادية

28 يوليو 2023
مروان حامد: جائزة إنجاز إبداعيّ يستحقّها (مهرجان الجونة السينمائي)
+ الخط -

 

بإنجازه أول فيلمٍ له، بعنوان "لي لي" (2001، روائي قصير، 40 دقيقة)، يكشف المصري مروان حامد (1977) عن حساسية سينمائية يُبنى عليها في اشتغالٍ لاحق، وإنْ غير مُكتمل في أفلامٍ أخرى. عن قصة "أكان لا بُدّ يا لي لي أنْ تُضيئي النور"، ليوسف إدريس (مجموعة "بيت من لحم"، منشورات "مكتبة مصر"، 1971)، يصنع حامد شيئاً سينمائياً في مقاربة حالةٍ بشرية، يتداخل فيها الدينيّ بالاجتماعي والانفعاليّ، لكشف معالم بيئة وأنماط أهلها ومسالك عيشهم/عيشهنّ. مع عمرو واكد، مؤدّياً دور الشيخ عبد العال، الإمام الشاب الجديد في منطقة الباطنية، يُفكِّك حامد، ولو بتواضع وهدوء، اشتباك علاقات صدامية، وإنْ يكن صدامها خفيّاً وغير مباشر، بين عالمٍ سفليّ يغرق فيه أناسٌ من دون آخرين، والتزامٍ ديني يُفترض به أنْ يكون نواة حياةٍ لأناسٍ من دون غيرهم/غيرهنّ، ومشاعر غير آبهةٍ، عند اعتمالها في نَفسٍ فردية، إنْ يكن صاحبها رجل دين أم لا.

يُكتب كثيراً عن فيلمٍ قصير كهذا، لأهميةٍ منفلشةٍ في صفحاتٍ، وموزّعة على لقطاتٍ تروي الحكاية بعينيّ مخرج شاب، يتخرّج من "المعهد العالي للسينما" في القاهرة عام 1999، ويستفيد لاحقاً، بشكلٍ أو بآخر، من الحضور السينمائي لوالده وحيد حامد، كاتب سيناريو أساساً، ومُنتج فيما بعد، علماً أنْ والدته إعلامية تُدعى زينب سويدان. الفيلم القصير هذا يُمنع عرضه في مصر، إثر اتّهامه بازدراء الدين ورجاله، وهذا غير صحيح، فالنقاش الأساسي، إلى اشتغاله السينمائي، ينصبّ على عالمٍ متشكّل من أفراد مختلفي الأمزجة والمسالك، وممتلئين بانفعالات ومشاعر ورغبات، بعضها إنْ لم يكن كلّها، مكبوتٌ.

الانطلاقة الأولى هذه لمروان حامد ـ الذي يمنحه "مهرجان الجونة السينمائي" جائزة "الإنجاز الإبداعي"، في دورته الـ6 (12 ـ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023) ـ تقول إنّ سينمائياً شاباً له إمكانيات، بصرية وثقافية وفنية، تُعينه على ابتكار جديد وممتع، بلغة مبسّطة، تحتمل عمقاً في معاينة حالة، وقراءة لحظة، وكشف انفعال، ومعاينة بيئة. تسمية الجائزة بـ"الإنجاز الإبداعي" تتلاءم، إلى حدّ كبير، مع أفلامٍ له، غير متساوية بالأهمية والتجديد والتطوّر، بقدر ما يمتلك بعضها معنى عملياً وجميلاً لمفردة "الإبداع".

أول روائي له، "عمارة يعقوبيان" (2006)، يؤكّد هذا: اختياره عدداً من أبرز "نجوم" السينما المصرية منسجمٌ مع تقليص نجومية كلّ واحد منهم/منهنّ لصالح فنّ التمثيل ولغته وجمالياته، لينجز فيلماً يصحّ فيه القول إنّه "فيلم جماعي"، بالمعنى الاحترافيّ للقول. كما أنّ اقتباسه من رواية بالعنوان نفسه (2002)، لعلاء الأسواني، إشارةٌ إلى اهتمامٍ ثقافي اجتماعي لحامد الابن بعلاقة الرواية بالفن السابع، وهذا موروثٌ مصري قديم.

جائزة "الإنجاز الإبداعي" خطوة يستحقّها مروان حامد، رغم اهتزازاتٍ تمرّ بها أفلامه اللاحقة، ومنها "الفيل الأزرق" (2014)، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2012) للمصري أحمد مراد، الذي يكتب له "الأصليين" (2017) و"تراب الماس" (2018)، ثم "الفيل الأزرق 2" (2019). كلّ فيلمٍ منها قابلٌ لنقاشٍ، لن يبلغ مرتبة حوار تفكيكي، يبلغه نقاش "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض" (2009)، الذي يتعاون فيه مع عمرو واكد مجدّداً، علماً أنّ الشخصيتين الأساسيتين، اللتين تتصارع إحداهما مع الأخرى، سيؤدّيهما محمود عبد العزيز وأحمد السقا.

 

 

أنْ يتمكّن مخرجٌ شاب، في فيلم روائي طويل، من إيجاد توازنات مهنية وفنية وأدائية ودرامية بين ممثلين/ممثلات ذوي تاريخ حافل من الاشتغالات، كعادل إمام ونور الشريف ويسرا وخالد الصاوي وهند صبري وخالد صالح وأحمد بدير وأحمد راتب وإنعام يونس وباسم سمرة، دليلٌ على تمكّن مروان حامد من أدواته السينمائية، المنبثقة من رؤية واضحة لاقتباس نصٍّ يؤرّخ ويواجِه ويُعرّي، في الاجتماع والسياسة والعلاقات، كاشفاً في الوقت نفسه فساداً واحتيالاً ومؤامرات، إلى خيبات وقهرٍ وتحوّلات قاسية، تفرض على القاهرة تراجعاً خطراً يصنع انهياراتٍ شتّى.

هذا التمكّن سيتّضح أيضاً في "إبراهيم الأبيض". فمروان حامد غير مُكتفٍ بالعمل مع محمود عبد العزيز، بما يمتلكه الممثل من هيبةٍ سينمائية، يصنعها بحِرفية عارفٍ بكيفية تطوير أدائه، والاستفادة من خبراتٍ يوظّفها في كلّ جديد، إذْ يُخرج (حامد) من أحمد السقا، ممثل أفلام التشويق والأكشن، ما يُعينه على قراءته بيئة وعلاقات، مُستلاً من حِرفيّة السقا في التشويق والأكشن ما يُفيد بلاغة الصورة والإخراج في فضح شخصيات وعلاقات وصراعات، من دون التغاضي عن طبقيّة ما في بيئة شعبية.

إيغال حامد في التقاط انقلابات، حياتية وفردية/جماعية واجتماعية واقتصادية وسياسية وانفعالية، عبر "عمارة" ستكون، واقعياً، جزءاً أساسياً من تاريخ مدينة وذاكرة ناسها (يبنيها عميد الجالية الأرمنية حينها، هاغوب يعقوبيان، عام 1934)؛ غير مختلف كثيراً عن إيغاله في إظهار أشياء من باطن عالمٍ مليء بالفقر والتجارة غير المشروعة، والسلطة المتأتية من بطشِ كبيرِ الحارة وزعامته إياها، وإنْ باختلاف نمط الاشتغال السينمائي بينهما.

في فيلمي "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض"، تتأكّد براعة مروان حامد في إدارة ممثلين وممثلات، مستدرجاً إياهم/إياهنّ إلى الحيّز الذي يريده، لإدراكه ما لديهم/لديهنّ من حِرفة و"إبداع"، ولقبولهم/قبولهنّ المراهنة على ما لديه من إمكانياتٍ. قول هذا غير متسائل عن مدى "حضور" والده وحيد حامد، مباشرة أو غير مباشرة، في "إقناعهم/إقناعهنّ" التعاون معه، وإنْ يُمكن للتساؤل أنْ يُطرح. هذا، إنْ يحصل، لن يحول دون تبيان ما يمتلكه مروان حامد من قدراتٍ سينمائية، لا بُدّ من قراءتها النقدية في أفلامه اللاحقة، غير البالغةِ جماليات هذين الفيلمين تحديداً، و"لي لي" أيضاً.

المساهمون