ثورة ثقافية محافظة في روسيا وسط الحرب على أوكرانيا

14 اغسطس 2022
أمام مسرح البولشوي في موسكو (ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -

يرى كثر في الوسط الفني الروسي، وبينهم الممثل سيرغي بيزروكوف، أن على موسكو الاستفادة من عزلتها المتزايدة بسبب غزوها لأوكرانيا، لتنقية الثقافة الروسية من التأثير الغربي وتعزيز القيم المحافظة بما في ذلك الوطنية والعقيدة الأرثوذكسية. ويقول من مسرح غوبرنسكي في موسكو: "يجب أن نستفيد من العزل لإعادة الاتصال بتقاليدنا".

وبيزروكوف (48 عاماً) من أشهر الفنانين في روسيا، ويعمل مديراً فنياً في مسرح غوبرنسكي في موسكو. ويعتبر أنّ على روسيا تشكيل فضاء ثقافي خاص بها بدل التطلّع إلى التمثّل بهوليوود. ويتابع: "عشنا في عالم أفلام مارفل طوال ثلاثين عاماً"، بالإشارة إلى مجموعة أفلام أميركية لأبطال خارقين. ويضيف: "حان وقت أن نخلق نحن أفلامنا". ويلفت إلى أنّ "العودة إلى الاتحاد السوفييتي مستحيلة، لكن يمكننا محاولة إعادة الثقة بروسيا".

خضع بيزروكوف أخيراً لعقوبات أوروبية على خلفية دعمه للغزو الروسي لأوكرانيا. ولطالما قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه على أنه وصيّ على القيم الروسية التقليدية لا سيما اعتناق الأرثوذكسية والحفاظ على بنية العائلة التقليدية القائمة على زوج وزوجة، مشدداً على أنّ القيم الليبرالية الغربية أصبحت قديمة. ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ضاعفت السلطات الروسية جهودها لإبعاد شعبها عن القيم الغربية، ويقول فنانون إنّ على الفن أن يكون القناة الأساسية لمحاولات الإبعاد هذه. ويقول المنتج المسرحي والمخرج إدوارد بوياكوف الذي يدعم ما يسمّيه "حرب روسيا المقدّسة" في أوكرانيا إنّ "روسيا على مشارف ثورة مُحافظة".

ومذْ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، غادر العديد من الفنانين روسيا، منهم المخرج كيريل سيريبرينيكوف والممثلة شولبان خاماتوفا. أمّا الذين ما زالوا في روسيا، فيخضعون لضغط متزايد ليدعموا غزو أوكرانيا. وأطلق عدد من الشخصيات المؤيدة للكرملين بشدّة، مثل سيرغي ميرونوف وزخار بريليبين اللذين يرأسان حزب "روسيا العادلة"، ما وصفته بـ"الموقف المناهض للدولة" للنخب الثقافية في روسيا. وطالبت بأن يطرد رئيس مسرح البولشوي، فلاديمير أورين المدير ألكسندر مولوشنيكوف (30 عاماً) على خلفية موقفه غير الوطني المُفترض، أو أن يستقيل هذا الأخير بنفسه.

ولا يستطيع العديد من الشخصيات المعارضة للكرملين تأدية عروض في روسيا. ويقول مدير شركة إنتاج موسيقى الروك الروسية نافيغاتور ريكوردز، أليكسي كوزين: "ألغي أكثر من مائة عرض موسيقي منذ فبراير/شباط الماضي". ويشير كوزين، المُقيم في روسيا، إلى أنّ "القائمة السوداء" غير الرسمية تضمّ حالياً 40 اسماً تقريباً، منها يوري شيفشوك وهو مغنّي روك شهير اتّهم الكرملين بـ"قتل" شباب روس وأوكرانيين خلال حفلة موسيقية في مايو/ أيار الماضي.

في يونيو/ حزيران، أعلنت السلطات الروسية تغيير المديرين والرؤساء في ثلاثة من أهمّ المسارح في العاصمة موسكو.  أُغلق بذلك مسرح غوغول سنتر الذي كان سيريبرينيكوف قد حوّله إلى مساحة فنّ حرّ. ويقول الكاتب المسرحي في مسرح غوغول سنتر، فاليري بيشيكين الذي ما زال مقيماً في روسيا: "لم تعد السلطات تريد فناً مستفزاً. باتت تفضّل الفنّ الهادئ والموثوق به وحتّى المملّ". ويضيف: "نتيجة لذلك، سيعود المسرح إلى الكلاسيكيات، وستعود السينما إلى الأفلام الكوميدية الخفيفة، وستعود المتاحف إلى المعارض التي لا تصدم".

بدأت المعارض الفنية تتأثر أيضاً. ففي إبريل/ نيسان الماضي، أوقف غاليري تريتياكوف عرض الفنان الروسي الأميركي غريشا بروسكين الذي كان مكرّساً لـ"الأيديولوجيات وأساطيرها". وقال المعرض حينها إنّ وقف العرض، الذي كان استمراره مقرراً حتى يوليو/ تموز الماضي، حصل "لأسباب تقنية".

وتحدّثت أولغا أندريفا، وهي كاتبة في مجلة إكسبرت الأسبوعية الروسية المحافظة، عن "صراع أبدي" بين القوميين السلافيين والموالين للغرب، وهما مدرستان فكريتان في روسيا منذ القرن التاسع عشر. وتقول: "نشهد الآن جولة جديدة من هذه المعركة. المجتمع يتغيّر بشكل جذري". وبوتين نفسه هو من يحدد إيقاع التغيير. ففي خطاب ألقاه في مارس/ آذار الماضي، دعا الرئيس الروسي إلى "تطهير ذاتي" للمجتمع، قائلاً إنّ الروس سيرفضون "الحثالة والخونة" الذين يكسبون المال في روسيا لكنّهم يفضلون العيش في الغرب. 

في أواخر يونيو، كشفت روسيا عن ورقة مائة روبل نقدية جديدة استُبدل فيها رسم إله الموسيقى والشعر اليوناني أبولو على عربة أمام مسرح البولشوي، بصورة برج سباسكايا في الكرملين من جهة ونصب رزيف التذكاري للجندي الروسي من الجهة الثانية. 

وتُشبّه مارينا دافيدوفا، رئيسة تحرير مجلة المسرح الروسي تياتر التي جرى تعليق نشرها، الشخصيات الموالية للكرملين بالموالين لماو تسي تونغ الذين ساعدوه في قمع الميول البورجوازية خلال الثورة الثقافية الصينية بين 1966 و1967. وكتبت دافيدوفا، التي تعيش في المنفى الآن، عبر "فيسبوك": "لن يكون من الصعب التكهّن بأنّ عملية التنظيف ستكون كاملة، لكنّ السرعة التي تحدث بها مذهلة". وأضاف: "حتى الرفيق (جوزف) ستالين انتظر سنوات لهزيمة الطليعيين الروس".

(فرانس برس) 

المساهمون