تينا تيرنر... ملكة الروك أند رول لم تصل بعد

26 مايو 2023
واجهت تحديات صحية عديدة على مدار حياتها (دينيز ألين/Getty)
+ الخط -

يلوح العالم بأسره وداعاً لملكة الروك أند رول، المغنية الأميركية السويسرية تينا تيرنر، التي رحلت مساء أول من أمس، في منزلها بالقرب من زيوريخ في سويسرا، عن 83 عاماً، حققت خلالها نجاحات موسيقية هائلة، فكانت "نجمة أكبر من الحياة"، كما يحب أن يصفها جمهورها الكبير والمنتشر في شتى أنحاء العالم.

بدأت آنا ماي بولوك، المعروفة بتينا تيرنر، مسيرتها الموسيقية في أوائل الستينيات من القرن الماضي، حين كانت جزءاً من فرقة موسيقى الراي والسول "إيكتس"، مع زوجها السابق إيك تيرنر. سرعان ما تحول الثنائي إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة، وتصدرت أغانيهما قوائم أفضل تسجيلات الآر أند بي وإجماعاً قل ما يحظى به نوع الديو، مع أغان مثل It's Gonna Work Out Fine وYou Can't Miss Nothing That You Never Had، فضلاً عن ترشيحات لجوائز غرامي عدة، وظهورها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967 على غلاف مجلة رولينغ ستون، لتصبح أول امرأة وأول فنانة سوادء تظهر على غلاف المجلة.

لم يتوقع أحد أن الثنائي المحبوب سيتوقف عن الأداء في ذروته، خاصة مع أنباء عن توقيع عقد كبير مع "كريم ريكوردز" لمدة خمس سنوات. لكن الاختلافات الفنية، إضافة إلى إدمان إيك على المخدرات حينها، جعل الزوجين يمضيان في طريقين مختلفين في منتصف السبعينيات. هربت تينا من إيك بعد مشاجرة جسدية وهما في طريقهما إلى العمل، ولم يكن في جيبها أكثر من 36 سنتاً. اختبأت في فندق رامادا، لكنها سرعان ما نفضت عنها آثار تلك الحادثة وتقدمت بدعوى طلاق رسمي، حصلت عليه عام 1978، وهو ما لم يكن كافيًا للشركة المنتجة "يونايتد أرتيستس" التي أصدرت ألبومي استوديو للثنائي عقب انفصالهما: Delilah's Power عام 1977 وAirwaves عام 1978.

ستخط تلك الحادثة القاسية تينا تيرنر كما نعرفها اليوم؛ المرأة القوية والشهوانية والمعتزة بنفسها إلى أبعد الحدود. تستقيم تيرنر على الخشبة كشجرة سرو معمرة. في صوتها سمو واندفاع وطاقة ظلت تميزها عن باقي أبناء جيلها خلال فترة اشتدت فيها المنافسة بين الفنانين الصاعدين. يجمع صوتها قوة وجرأة مؤدي الروك وعاطفة مغني البلوز السخية. لم تكن تيرنر مغنية عادية بأي شكل، خاصة أنها فرضت حضورها على نخبة الموسيقى الأميركية على الرغم من صعوبة ظروف تلك المرحلة بالنسبة للنساء وللمغنيات الأميركيات من أصل أفريقي على حد سواء، كما واجهت صعوبات مالية خلال فترة انفصالها عن زوجها، خاصة أنها كانت قد فقدت ملكية معظم أعمالها السابقة، وعليها الآن أن تبدأ من الصفر في بناء سمعتها وإدارة أمورها المالية، وترميم اسمها الذي اختاره إيك تيرنر لها حرصاً على إبقائها واحدًا من مشروعاته، لكنها نجحت في آخر الأمر بانتزاع حقوق اسمها المسرحي بالكامل.

لقلب الصفحة، كان على تيرنر إعادة خلق صورتها الفنية وإثبات نفسها كفنانة منفردة، وهو تحد كبير في عالم صناعة الموسيقى، خاصة بعدما عرفها جمهورها وأحبها في ظهورها الأول مع زوجها إيك. لم تكن تيرنر واثقة من النتائج، لكنها بدأت مسيرتها المنفردة في منتصف السبعينيات، واتجهت نحو الروك بشكل ملحوظ مع أغان مميزة وقوية مثل Proud Mary وNutbush City Limits، مع الاستمرار في استكشاف الأنماط الموسيقية الأخرى، مثل السول والبلوز، في موسيقاها.

إضافة لما أنجزته تيرنر مع شريكها الموسيقي السابق إيك، تشمل أعمالها المنفردة 10 ألبومات استوديو وألبومين حيين وخمس مجموعات موسيقية. باعت أكثر من 100 مليون تسجيل، وفازت بالعديد من جوائر غرامي، واحتلت أغانيها المنفردة مراتب متقدمة في العديد من قوائم الأغاني الأفضل داخل أميركا وخارجها. دخلت تيرنر إلى قاعة مشاهير الروك أند رول مرتين، الأولى كانت مع زوجها إيك، أما الثانية فكانت وحدها تمامًا.

لم تكن تلك عودة، كما تحكي تينا نفسها في الفيلم الوثائقي الذي يحمل اسمها لعام 2021 من إنتاج "إتش بي أو"، بل الأصح أن تينا "لم تكن قد وصلت بعد". الاسم الذي أطلقه إيك صار الآن ملكها بجدارة، إلى جانب آخر أطلقه عليها جمهورها، فسرعان ما اكتسبت الفنانة الصاعدة لقب "ملكة الروك أند رول"، وباتت أكبر فنانة تصل إلى المرتبة الأولى، كأكثر الفنانات استماعًا في الرابعة والأربعين من عمرها مع أغنية What's Love Got To Do With It. وصفتها المصممة ديبي آلين بأنها "نشيد للفتيات الملونات"، وأغرقها آخرون برسائل مدح وامتنان لا حصر لها.

لم تخل حياة تيرنر من المصاعب والتحديات حتى بعد طلاقها العنيف بعقود، وتربعها على عرش موسيقى البوب لاحقاً خلال مسيرتها الفنية، إذ شهدت وفاة ابنيها، وواجهت تحديات صحية عديدة، فتعرضت لمشاكل صوتية وإصابات جسدية نتيجة لأدائها القوي على المسرح، وخضعت لعمليات جراحية وعلاجات طويلة. إضافة إلى ذلك، واجهت تيرنر تحديات طبيعية للشيخوخة، ومنها عدد من الجلطات، إحداها كانت في عرسها الثاني من المنتج الموسيقي الألماني إيروين باخ، والفشل الكلوي والسرطان. "لا أريد أن انظر إلى الوراء أبداً"، تخبر تيرنر صحيفة ذا غارديان في مقابلة حديثة لها قبل رحيلها، "حاربت كثيراً طوال حياتي. أريد المضي قدماً".

لم تفقدها معاركها حس دعابتها بالطبع، فعندما سُئلت عما تراه قوة خارقة في نفسها، أجابت عن ارتداء كعب طوله ستة إنشات خلال أداء الحفلات. ردها مفهوم نظراً إلى رغبتها المستمرة في تجنب ربط اسمها بسردية المرأة التي لا تقهر. قالت لصحيفة ذا نيويورك تايمز: "لا أريد أن أكون الشخصية القوية. عشت حياة رهيبة، لكنني مضيت قدماً. هذا ما نفعله، ونأمل أن يحدث شيء ما".

بدلاً من أن تعتد بنفسها، نسبت تيرنر الفضل إلى البوذية التي بدأت في ممارسة طقوسها في مرحلة متأخرة ووجدت فيها، كالغناء، علاجاً ذاتياً ووسيلة لتجنب المشاعر السيئة والخوف مما هو قادم، ومن ضمنه الموت.

لم تكن تيرنر نموذجاً مؤثراً في تاريخ موسيقى البوب فحسب، بل كانت صوتاً نسوياً بارزاً في زمن لم يكن من المعتاد فيه التحدث عن الإساءة أو حتى الدفاع عن النفس ضدها. يجد جمهور الفنانة الراحلة العزاء في مقابلاتها الأخيرة التي وصفت فيها سنوات حياتها الماضية بالمثالية، رغم كل الصعوبات المهنية والشخصية. بعد اعتزالها الغناء منذ أكثر من عشر سنوات، ظلت تينا محاطة بمحبيها، وهم كثر، من أفراد عائلة وزملاء وفنانين صاعدين يجدون في تجربتها المؤثرة درسًا عن التواضع والعمل واحترام الذات.

المساهمون