اعتبر الكثير من المتابعين للشأن الإعلامي في تونس والمنخرطين فيه من صحافيين ومدونين، أن سنة 2021، خاصة الخمسة أشهر الأخيرة منها، أي بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021 بتجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي وجمعه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كانت الأصعب على مستوى حرية التعبير وحرية الصحافة.
ونظرة أكّدها نقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، الذي اعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، "الأشهر الأخيرة الأقسى من حيث التضييق على حرية التعبير، وهو ما تجسد في عديد المحاكمات لمدونين وصحافيين"، مضيفاً أنّ "الاعتداءات على حرية الصحافة والتعبير التي شهدتها الفترة الأخيرة هي الأكثر كماً في السنوات العشر الأخيرة، خاصة منها المحاكمات العسكرية"، مرجحاً تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة الذي تنشره المنظمات الدولية سنويًا.
محاكمات عسكرية للصحافيين والمدونين عرفت نسقاً تصاعديًا في المدة الأخيرة من عام 2021 في تونس، بتهمة واحدة تقريباً هي الإساءة إلى الرئيس التونسي وإلى المؤسسة العسكرية. فقد تمّ سجن الإعلامي عامر عياد، العامل في قناة "الزيتونة" الخاصة، والصحافية شذى الحاج مبارك. فيما شملت المحاكمات العسكرية والمدنية عشرات المدونين، منهم ياسين العياري عضو البرلمان التونسي المجمدة أعماله، والصحبي العمري ومريم البريبري وسليم الجبالي وأمينة منصور، وغيرهم من المدونين، بتهم تتعلق بالإساءة إلى الرئيس التونسي أو المؤسسة العسكرية أو الأمنية. محاكمات يرى نائب رئيس الجامعة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل)، محمد الهادي الطرشوني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها "محاكمات جائرة وغير مقبولة لأنها لم تستجب للشروط القانونية للمحاكمة العادلة، وهي الإحالة إلى القضاء وفقا للمرسومين 115 و116 المنظمين للعمل الإعلامي في تونس، لا وفقاً لنصوص أخرى لها طابع زجري ولا علاقة لها بمجال إنتاج المضامين الإعلامية".
هذه المحاكمات أدانتها أيضًا المنظمات الدولية. إذ عبّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن قلقها من الارتفاع الكبير في عدد المحاكمات للصحافيين والمدونين، وهو ما يؤدي إلى تراجع في الحريات الفردية والجماعية. وهو رأي شاركته فيه الفيدرالية الدولية للصحافيين "الفيج" التي عبّر رئيسها انتوني بلانجي في زيارة له إلى تونس خلال الشهر الماضي عن استغرابه من التراجع الكبير لحرية الصحافة والتعبير في تونس بعد أن كانت هذه الحرية رمزاً لنجاح الثورة التونسية.
الصحافيون التونسيون يعانون في الفترة الأخيرة أيضًا من عدم قدرتهم على الوصول إلى مصادر المعلومة، بسبب غياب مخاطبٍ لهم، سواء في رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة التونسية، وهي سابقة لم تعرفها تونس في السنوات العشر الأخيرة. غياب مخاطب للصحافيين صعّب من عملهم وجعلهم غير قادرين على القيام بدورهم وتمكين المواطن من حقه في المعلومة، وهو ما اعتبرته نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافيين، أميرة محمد، تضييقاً على حرية الصحافة غير مسبوق. وأضافت أنّ تعمد الرئاسة التونسية تجاهل الصحافيين التونسيين في الأحداث التي تنظمها يعطل عمل الصحافيين التونسيين والمراسلين لوسائل الإعلام الأجنبية. كما عبرت عن استغرابها من عقد الرئاسة التونسية لندوة صحافية هذا الشهر أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تونس دون حضور للصحافيين، وهو ما رأت فيه سابقةً لم تعرفها الصحافة التونسية من قبل.
في المقابل، ما يزال الرئيس التونسي قيس سعيد يؤكد أنه "يحترم الحريات الفردية والعامة"، وأن "لا نية له في المساس بها"، لكنّ المؤشرات العملية تفيد بغير ذلك، وهو ما جعل الصحافيين التونسيين يرون أن هذه الفترة التي يعيشونها خطيرة، داعين إلى الحيطة واليقظة حتى لا يتمّ العودة بهم إلى مربع الاستبداد وتكميم الأفواه. وهو أيضاً ما عبّر عنه نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي بإعلانه عن استعداد النقابة إلى تنظيم كل أشكال الاحتجاج حتى لا يتم الاعتداء على حرية الصحافة، كما لضمان مناخ عمل سليم للصحافيين يمكّنهم من أداء عملهم في إطار من الحرية والأريحية بعيدًا عن كل الضغوطات.