اتهامات بمعاداة السامية لفنانين فلسطينيين تشعل الجدل حول مهرجان دوكيومنتا في ألمانيا

20 يونيو 2022
نظّم مؤيّدون لإسرائيل تظاهرةً اعتراضية بالتزامن مع افتتاح المهرجان (توماس لونس/ Getty)
+ الخط -

انتقد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في حفل افتتاح معرض دوكيومنتا في نسخته الخامسة عشرة في مدينة كاسل، يوم السبت الماضي، الطريقة التي تعامل فيها المسؤولون عن المعرض مع المزاعم بمعاداة الساميّة التي وجّهت إليهم.

وقال شتاينماير في كلمته: "من اللافت غياب أيّ حضور لفنانين يهود من إسرائيل في هذا المعرض المهم للفن المعاصر". وتابع: "انتقاد السياسة الإسرائيلية مسموح به. ولكن حين يتحوّل انتقاد إسرائيل إلى التشكيك في حقّها بالوجود، فإنّ ذلك يعني تجاوزاً للحدود".

جاءت كلمة الرئيس الألماني تعليقاً على نقاش بدأ مطلع العام الحالي في ألمانيا، وذلك بعد اتّهام مجموعة روانغروبا الأندونيسية، المشرفة على هذه النسخة، بدعوة فنانين متّهمين بمعاداة السامية، باعتبارهم مؤيّدين لحركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، التي جرّمها البرلمان الألماني وصنّفها أنّها معادية للسامية قبل سنوات.

بدأت القضية في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين نشر تحالفٌ لمناهضة معاداة السامية تدوينةً حملت انتقاداتٍ لمجموعة روانغروبا الإندونيسية، حيث اعتبر الكاتب مجهول الهوية أنّ إحدى المجموعات الفنية الفلسطينية المدعوة إلى المعرض، وهي "ذا كويستشن أوف فندينغ"، معاديةٌ للسامية بسبب تأييدها المقاطعة الثقافية لإسرائيل.

آنذاك، رفضت المجموعة الإندونيسية ومعها المشرفون على "دوكيومنتا" وإدارة مؤسّسة متحف فردريكيانوم هذه الاتهامات، كما حصلوا على الدعم من وزيرة الثقافة كلوديا روث. وأصدرت المجموعة بياناً رفضت فيه التعدي على الحرية الفنية، وتحدّثت عن الحياد السياسي، كما أعلنت عن استعدادها للتحاور حول الموضوع.

بعدها أعلن "دوكيومنتا" عن تنظيم منتدى في مايو/أيار الماضي للحديث عن كيفية الحفاظ على الحرية الفنية في مواجهة "معاداة السامية والعنصرية وكراهية الإسلام"، حيث تقرّر تنظيم ثلاث جلسات نقاشية عبر الإنترنت بعنوان "نحتاج إلى الحديث".

تعرض لوحات من مجموعة "غرنيكا غزّة" للفنان الفلسطيني محمد الهواجري (توماس لونس/ Getty)
تعرض لوحات من مجموعة "غرنيكا غزّة" للفنان الفلسطيني محمد الهواجري (توماس لونس/ Getty)

وكانت إحدى الحلقات النقاشية تسعى للتطرق إلى الاختلافات بين الفهم الألماني لمعاداة السامية والعنصرية وبين الفهم الدولي لها.

لكن الحدث ألغي قبل أيامٍ فقط على انطلاقته، وقالت إدارة المعرض في بيانها آنذاك: "سنفتتح المعرض وسنتركه يتحدّث عن نفسه أولاً، كأساس لمواصلة النقاش بطريقة مثمرة".

آنذاك استجاب المنظمون للضغوط التي ظهرت في الحيّز العام، لا سيّما من قبل المجلس المركزي لليهود في ألمانيا. إذ جاء الإعلان عن إلغاء المنتدى بعد أيامٍ قليلةٍ على رسالةٍ من رئيس المجلس جوزيف شوستر إلى وزيرة الثقافة كلوديا روث، والتي قال فيها إنّ "ميل المنتدى لمعاداة السامية واضح"، كما عبّر عن مفاجأته من "أنّ موضوع العنصرية ضد الفلسطينيين وجد طريقه إلى الجلسات النقاشية".

نتيجةً للإلغاء وللحملة في عددٍ من وسائل الإعلام الألمانية على "دوكيومنتا"، قامت مجموعة روانغروبا بنشر رسالة مفتوحة في صحيفة برلينر تزايتونغ اليومية، اعتبرت فيه أنّ الاغتيال المعنوي وحملات التشهير ضد الفنانين الفلسطينيين تستند إلى إشاعات لها آثار عنصرية على هؤلاء الأشخاص، كما أنّها تحاول فرض الرقابة عليهم بناءً على "تراثهم الإثني".

أضافت الرسالة أنّ الاتهام بالقرب من حركة مقاطعة إسرائيل، والذي استندت إليه الاتهامات بمعاداة السامية، يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الأشخاص من دول الجنوب، وتحديداً الشرق الأوسط. كما اعتبرت أنّه من الضروري السماح للأشخاص الذين يواجهون هذا النوع من الاتهامات بالمشاركة في النقاش بدل إقصائهم واستبعادهم.

بعد وقتٍ قصيرٍ على نشر الرسالة، وتحديداً في 27 مايو الماضي، اقتحم مجهولون المكان الذي ستعرض فيه المجموعة الفلسطينية ذا كويستشن أوف فندنغ مشروعها الفني، وكتبوا عباراتٍ تهديدية على الجدران.

دفع الحادث إدارة "دوكيومنتا" إلى تقديم شكوى جنائية إلى السلطات المحلية. ووصفت "روانغروبا" العمل التخريبي بأنّه "تهديد ذو دوافع سياسية" وبأنّه "هجوم علينا جميعاً". وأضافت في بيان: "نطمح إلى مناخ عمل لا يمكن فيه التسامح مع أعمال العنف ضد الفنانين وأماكن العرض والأعمال الفنية".

وتعرّف "ذا كويستشن أوف فندنغ" عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنّها "مجموعة متنامية من المنتجين الثقافيين ومنظمي المجتمع من فلسطين". وتهدف إلى إعادة التفكير في اقتصاد التمويل وكيفية تأثيره على الإنتاج الثقافي في فلسطين والعالم، "عبر إنتاج وتوثيق وتجميع ونشر الموارد والخبرات والمعرفة مع مجتمعهم الأوسع".

تشارك مجموع بان نورغ الفنيّة من تايلاند (إينا فاسبندر/ فرانس برس)

وكانت المجموعة قد تشكّلت في العام 2019، من قبل مجموعة من الأفراد العاملين في المؤسسات الثقافية غير الحكومية المعتمدة على التمويل الدولي، مثل مركز خليل السكاكيني الثقافي، وجذور القدس، ومركز الفن الشعبي، وكذلك من المؤسسات والمراكز الثقافية، ومنها مسرح البسطة، وجمعية دالية، إضافة إلى فنانين مستقلّين.

الجدير بالذكر أنّ معرض دوكيومنتا يقام في مدينة كاسل منذ العام 1955، وقد تأسّس على يد المعماري المولود فيها أرنولد بوده. كان الهدف تغيير صورة المدينة التي ضمّت معسكر اعتقالٍ كبير وتعرّضت للقصف المكثّف من قبل قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، كما كان محاولةً لإعادة ألمانيا إلى الخريطة الثقافية العالمية بعد الفترة النازية.

ويصنف "دوكيومنتا"، الذي يقام مرّة كل خمس سنوات، اليوم، جنباً إلى جنب مع بيينالي فينيسيا، كاثنين من أهم المعارض الفنية في العالم للفن المعاصر.

اختارت إدارة المعرض مجموعة روانغروبا الإندونيسية لتنظيم الدورة الحالية، وتهدف المجموعة إلى التركيز على تمثيل دول الجنوب، وتسليط الضوء على الفنّ كعمليّة جماعية، بدل الاهتمام بالأعمال الفنيّة لذاتها.

يقوم مفهوم مجموعة روانغروبا على نمط الهندسة المعماري الإندونيسي المعروف باسم لومبونغ، وهي كلمة تستعمل في الجزيرة الأسيوية لوصف حظيرة أرز مشتركة بين السكّان تستخدم لتخزين المحاصيل الفائضة من الأرز لصالح المجتمع. يطمح المشرفون على "دوكيومنتا" على نقل تقاليد المشاركة هذه إلى معرضهم المقام في كاسل.

تشارك هذا العام 14 مجموعة ومؤسّسة فنيّة، إضافة إلى 54 فناناً وفنانة، تعرض أعمالهم في 32 موقعاً مختلفاً في كاسل، طوال مئة يوم، في الفترة الممتدة بين 18 يونيو/حزيران الحالي وحتّى  25 سبتمبر/ أيلول المقبل

المساهمون