بعدما أعرب موظفو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لندن عن مخاوفهم من المضايقات التي تمارسها السلطات الإيرانية وتهدّد سلامتهم الشخصية، أصدرت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية أخيراً تحذيرات حول هذا التهديد الأمني المتصاعد.
وبحسب ما أوردته صحيفة ذا غارديان، تبادل الصحافيون في وكالة بي بي سي الإخبارية الناطقة باللغة الفارسية تجارب مزعجة لاستهدافهم برسائل مسيئة، ومواجهة تهديدات بالاعتداء الجنسي.
وتضمنت رسالة تلقتها صحافية إيرانية بريطانية تعمل لدى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تهديداً بقتلها ومما جاء فيها: "يوجد نهر عميق جداً على جسر وستمنستر. لا يهم إذا لم تكوني مقيمة في إيران. بإمكاننا القيام بما نشاء أيضا في لندن".
وأشارت الصحافية، التي لجأت إلى المملكة المتحدة بحثاً عن الأمان، إلى أنّها لا تزال تشعر بالخوف، وتقول إنّها باتت تخشى القيام بالأمور البسيطة، مثل الركض وحدها في متنزهات لندن.
ولم يقتصر التهديد على سلامتها الشخصية بل طاول عائلتها، إذ روت أنها تلقت العديد من التحذيرات التي تستهدف طفلها الصغير بشكل واضح. وتضمنت التهديدات تعقب عنوان منزل ومدرسة الطفل. كذلك، ظهرت تقارير مثيرة للقلق، تلفت إلى أنّ أفراداً من عائلات الصحافيين المقيمين في إيران، يتعرضون للاحتجاز التعسفي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الخارجية الإيرانية أدرجت في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 "بي بي سي" الفارسية، ضمن قائمة المنظّمات والأفراد الخاضعين للعقوبات، بناءً على اتهامات "بالقيام بأعمال متعمدة لدعم الإرهاب والتحريض على العنف وانتهاكات حقوق الإنسان".
وترى "ذا غارديان" أنّ الترهيب واسع النطاق الذي يواجهه موظفو هيئة الإذاعة البريطانية، يعطي لمحة مثيرة للقلق عن مدى استخدام النظام الإيراني لأساليب العنف والابتزاز، حتى أنه يمتد إلى ما وراء حدوده الوطنية ليصل إلى المملكة المتحدة.
ويعدّ هذا النمط المقلق، جزءاً من استراتيجية أكبر تُعرف باسم القمع العابر للحدود الوطنية، إذ تسعى إيران إلى إسكات المعارضة وقمع المناقشات النقدية من خلال استهداف الأفراد المقيمين خارج حدودها.
في هذا الشأن، يقول المستشار الرئيسي لـ"بي بي سي نيوز" الفارسية، كاويلفهيون غالاغر كيه سي، إنّ صحافيي المؤسسة واجهوا لأكثر من عقد من الزمان، مضايقات وتهديدات لا هوادة فيها من قبل النظام الإيراني، واتخذ الأمر مساراً تصاعدياً منذ تغطية القناة للاحتجاجات التي اندلعت في إيران بعد وفاة مهسا أميني في فترة الحجز عام 2022.
وفي ضوء هذه التهديدات والمضايقات المتصاعدة، اتّخذ العديد من صحافيي "بي بي سي" الفارسية قرارات صعبة لحماية سلامتهم الشخصية وسلامة عائلاتهم. اختار البعض الابتعاد عن الظهور أمام الكاميرات، فيما فضل البعض الآخر العمل بأسماء مستعارة، لحماية هوياتهم والتخفيف من المخاطر المحتملة. بينما ذهب آخرون أبعد من ذلك، إذ أدت البيئة المعادية إلى استقالتهم من هيئة الإذاعة البريطانية. في المقابل، رفض عدد كبير منهم الخضوع والسكوت، وأكّدوا على التزامهم بالصحافة وبأهمية عملهم.
ويتحدّث الصحافي سوران قرباني عن الصراع الأخلاقي والعاطفي الذي يتحمله أثناء أداء واجبه، وذلك بسبب الواقع المرير الذي تعاني منه عائلته، لافتاً إلى تعرّض أخيه لضرب غير مبرّر في السجن.
ومع تصاعد القلق وازدياد مستويات التحرش والهجمات عبر الإنترنت، يواجه الصحافيون وعائلاتهم تهديدات مرعبة، بما في ذلك التهديد بالقتل وبالاعتداء الجنسي.، رفعت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، مستوى التهديد الأمني للصحافيين المقيمين في لندن، للتأكيد على الحاجة الملحة لمعالجة التأثير العابر للحدود الوطنية لهذه الاعتداءات المستهدفة، وضمان سلامة وحماية الصحافيين وعائلاتهم، حتى خارج حدود إيران.
من جهتها، كانت الحكومة الإيرانية قد بدأت تحقيقات جنائية مع موظفي "بي بي سي" الفارسية في العام 2017، وقالت إنّ عملهم يشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني. ترافق ذلك مع قيود مالية عقابية فُرضت على 152 موظفاً حالياً وسابقاً، وتجميد أصولهم داخل إيران، ومنعهم وعائلاتهم من بيع أو استئجار العقارات.
كذلك، أرغمت السلطات العائلات المقيمة في إيران على التعاون معها، عبر استعمالها لتهديد صحافيي "بي بي سي" من أجل ترك المؤسسة أو العودة لإيران أو بلدٍ مجاور، حيث يجبرون بعد ذلك على مقابلة الاستخبارات الإيرانية.
وكانت "بي بي سي" قد تقدّمت بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة العام الماضي، سلطت الضوء من خلالها على الاتجاه المقلق للمضايقات والتهديدات التي استهدفت بشكل خاص الصحافيات داخل المؤسسة.
وفي الأسبوع الماضي، سلط التقرير الأول للأمم المتحدة حول استهداف وإسكات النساء في الحياة العامة، الضوء على الهجمات التي شنتها إيران على موظفي "بي بي سي". وأثناء تقديم تقريرها إلى الجمعية العامة، سلطت المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير، إيرين خان، الضوء على الطبيعة المميزة والخطرة للمعلومات المضللة المتعلقة بالجنسين ودعت إلى استجابات أكثر فعالية من الدول وشركات وسائل التواصل الاجتماعي.