حقول ألغام قوانين النشر والجيوش الإلكترونية... تكميم أفواه بغطاء قانوني في العراق

18 اغسطس 2021
مخاوف من استغلال القوانين سياسياً لقمع المواطنين وتكميم الأفواه (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد حدّة التضييق على حرية التعبير في العراق، من خلال استغلال سلطة القانون بفرض قرارات غير مسبوقة تضع المؤسسات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي والحسابات الشخصية للمواطنين، تحت الوصاية، ما أثار مخاوف من العودة إلى الديكتاتورية وقمع حرية التعبير في البلاد، لا سيما وأن عقوبات قضائية وغرامات مالية تنتظر "المخالفين".

قبل اليوم، كان الناشطون والإعلاميون يعانون من "الجيوش الإلكترونية" التابعة لأحزاب وفصائل مسلحة، التي تراقب الصفحات الشخصية وتهدد بالقتل كل من يخالف أجنداتها، إلا أن تلك الرقابة أصبحت اليوم ذات غطاء قانوني، بعد أن قررت السلطة القضائية العراقية، تشكيل لجنة عالية المستوى لرصد ما أسمته بالمخالفات "الدينية والأخلاقية" في مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاسبة المخالفين. وتضم اللجنة 7 جهات، وهي مجلس القضاء الأعلى، وجهاز الأمن الوطني، وخلية الإعلام الأمني، وهيئة الإعلام والاتصالات، ونقابة الصحافيين، ونقابة الفنانين، وأن مهامها تكمن في العمل على تحديد "المخالفات" وإصدار التوصيات إلى محاكم التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات بخصوصها. القرار تسعى جهات سياسية لتمريره في البرلمان تحت مسمى "قانون حرية التعبير"، يمثل سابقة خطيرة في البلاد، قوبلت بمخاوف من استغلالها سياسياً لقمع المواطنين وتكميم الأفواه.

عودة للاستبداد والديكتاتورية
النائب السابق جوزيف صليوا، يرى أن القرار يمثل "عودة للعقلية الاستبدادية الديكتاتورية في البلاد". ويقول لـ"العربي الجديد"، "لا يمكن اتخاذ قرار بهذه الصيغة. لقد تم حشده بمفردات لا يمكن أن تكون بهذه الطريقة من التضييق على المواطن وحريته"، مبيناً أن "موضوع التسقيط والإساءة وفبركة الأخبار حول السياسيين، هو ملف مطروح والكثير يعانون منه، لكن لا ينبغي أن تستغل هذه الحالة لأجل التوجه نحو تقييد الحريات على المواطنين". ويشدد على أن "القرار نابع من عقلية استبدادية ديكتاتورية، يراد منها تكبيل المواطن العراقي تحت ادعاء الحرية له، وهذا استغفال والتفاف على الحقائق وتزييفها"، معتبرًا أن "القانون يمثل خطوة للتأسيس لنظام ديكتاتوري قمعي بهذه الطريقة. نحن نحتاج إلى حماية المواطن من الإشاعات والنشر السيئ، لكن ليس بهذه الطريقة التي تطوق حرية التعبير وتفرض عقوبات خطيرة عليها". 

ويعتبر صليوا أن "هناك دوافع سياسية تقف وراء اتخاذ القرار، والذي استخدم الدين غطاء له"، معبرا عن أسفه من أن "الجهات المتنفذة في العراق لم تكتف بسرقة المواطن والإساءة إليه باسم الدين، ومن ثم تشويه الدين، بل لجأوا إلى هذه الطريقة البشعة بفرض القرارات". ويؤكد: "نرفض القرار بشدة، فهو لا يصب في مصلحة الديمقراطية في البلاد"، منتقدا "ضعف دور البرلمان إزاء كل ذلك. فاليوم الصوت الديمقراطي الحقيقي الوطني في البرلمان شبه مغيب، والمصالح الذاتية تغطي على غيرها من مصالح الشعب، وهذا كله بسبب أن البرلمان مزور ومسلوب الإرادة، ما فسح المجال أمام إصدار هكذا قرارات".

الإرادة السياسية تتحكم في إصدار القرارات والقوانين
من جهته، يعدّ المختص في الشأن القضائي، عامر اللهيبي، القرار "مخالفاً للقانون والدستور العراقي". ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن فرض القوانين والقرارات بهذه الصيغة التي تضيق حرية التعبير والنشر، لا سيما وأنها حق كفله الدستور العراقي"، مبيناً أن "الدستور، وتحديدا المادة 38 منه، كفلت حرية التعبير، ولم تفرض قيودا عليها كالتي يتم فرضها اليوم بغطاء قانوني". 

القانون يتدخل في تحديد ضيوف للمؤسسات الإعلامية

ويضيف أن "هناك إرادة سياسية تتحكم في إصدار القرارات والقوانين وفقا لأجنداتها الخاصة"، مؤكدا أن "القرار يمثل خطوة خطيرة في قمع الصوت الحر في البلاد، وإذا ما تم تطبيقه فإنه سيكون بداية خطيرة لسلطة الأحزاب على الشعب، وقمع رأيهم". ويشير إلى أن "القانون يمثل نسخة عن قانون حرية التعبير الذي تسعى جهات سياسية لتمريره في البرلمان، والذي يفرض عقوبات خطيرة على المخالفين للقانون الذي يقمع حرية التعبير، ويتدخل حتى في عمل المؤسسات الإعلامية، بل إنه يتدخل حتى في تحديد اختيار الضيوف الذين تلتقي بهم المؤسسة الإعلامية، ما يعني أن المؤسسات ستكون مرهونة بسياسة الدولة فقط".

القوانين والقرارات تمثل حقول ألغام
الإعلامي محمد البهادلي، يؤكد أن الناشطين والإعلاميين، وحتى المواطنين، سيكون عليهم بعد اليوم السير وسط حقل ألغام من القوانين القمعية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "القرار القضائي، وقانون حرية التعبير، والجيوش الإلكترونية التي تتابع مواقع التواصل والمؤسسات الإعلامية، ستكون طلقة الرحمة على حرية الرأي". ويوضح أن "المشكلة تكمن في أن المخالفات غير محددة، أي أن للجهات القضائية الحرية في تحديد المخالفة من غيرها، بدون أي ضوابط ثابتة، ما يعني أن العقوبات ستطبق وفقا للمزاجية، ويمكن أن تستغل سياسيا، كما حصل سابقا مع قانون 4 إرهاب الذي تم استغلاله لتصفية الخصوم، ويتم تطبيقه وفقا لإرادات سياسية".

وعلى الرغم من موجة الرفض الشعبي للقرار القضائي، إلا أن قادة الكتل الرئيسة في البرلمان العراقي رفضوا التعليق عليه، معربين عن تخوفهم من إثارة حفيظة السلطة القضائية في البلاد، والتي تبنت إصداره. كما أن الأحزاب الدينية المتنفذة في البرلمان العراقي تؤيد القرار وقانون حرية التعبير، معتبرةً أنها خطوات "تنظيمية" لحرية النشر الذي "خرج عن الذوق العام، واتجه نحو التسقيط السياسي ونشر الأفكار المتطرفة"، بحسب رأيهم.

المساهمون