تجذّر مواقع التواصل في حياتنا... كيف نُعبّر عنه لغويّاً؟

06 سبتمبر 2022
دخلت كلمة "إنستغرامور" المعجم الفرنسي (تياغو برودنسيو/Getty)
+ الخط -

في نهاية شهر أغسطس/آب، نشر حساب المعجم الفرنسي الشهير "لو بوتي روبير" Le Petit Robert، عبر موقع تويتر، تضمينه كلمة جديدة إلى لائحة كلماته باللغة الفرنسية. جذر هذه الكلمة هو "إنستغرام"، أمّا هي نفسها فلا مُعادل لها باللغة العربية. الكلمة الجديدة هي: "إنستغرامور" Instagrameur للمذكر و"إنستغراموز" Instagrameuse للمؤنث، وتأتي للتعبير عن صنّاع المحتوى أو المؤثرين الذين يُمارسون عملهم من خلال نشر الصور أو الفيديوهات عبر تطبيق إنستغرام
هذه ليست المرة الأولى التي يُطوّر فيها معجم فرنسي مضمونه عبر إدخال مصطلحات جديدة، كما أنها ليست المرة الأولى التي تدخل المُعجم كلمة متعلقة بالتكنولوجيا أو وسائل التواصل الاجتماعي، عدا عن أنّ تطوير اللغة ليس حصريّاً بالقيّمين على اللغة الفرنسية، بل يمتدّ إلى لغات أخرى كثيرة. وهو ما يشكّل مؤشراً إضافياً على تسارع التطور الرقمي، واقتحامه وتجذّره في الحياة اليومية، بشكل صار من الضروري أن يجد مكانه في اللغة.
هذا تحديداً ما يُحاول اللغويون حول العالم فعله، أي تطوير لغتهم بشكل مستمرّ، لتتمكن من مجاراة الواقع بكل ما يحمله من تحولات وولادات جديدة. على سبيل المثال، عام 2017، تمّت إضافة كلمة "يوتيوبر" (الشخص الذي ينشر فيديوهات خاصة على موقع يوتيوب) إلى المعجم باللغة الفرنسية، وفي عام 2019، تمّت إضافة كلمات متعلقة بالعُملات الرقمية... يدفعنا هذا إلى البحث عن الرقمي/الميديا الجديدة/التكنولوجيا (...) في اللغة العربية. أين لغتنا من محاولات المعاجم واللغويين مواكبة العصر والتطوير؟ أين اللغة العربية من تمدّد الإنترنت في حيوات الناس، وحاجتهم المُلحّة لوضع كلمات على تفاصيل صارت بديهيّة ويومية ومُتجذّرة لا مهرب منها؟

عند سؤال أحد العاملين في مجال التدقيق اللغوي في واحدة من دور النشر في بيروت، يؤكد أن اللغة العربية تُعاني مشكلةً في هذا المجال. إذ لم تتمكّن حتى الآن من التحديث أو إدخال كلمات جديدة قادرة على التعبير عن التحولات التكنولوجية أو الرقمية. وهذا التأخّر ليس خاصاً بالتكنولوجيا وعالم الإنترنت فقط، بل هو جمودٌ عام يحول دون الرؤية إلى اللغة كأداة تواكب الحداثة والرقمنة. جمودٌ لا يُمكن تبريره بالقول إن اللغة العربية "قاصر". هذا غير دقيق، فاللغة العربية قابلة للتطوير، سواء في قدرتها الاشتقاقية أو بنيتها الصرفية، ولكن المشكلة تكمن في انعدام مرجعيّة ثابتة، قادرة وراغبة بإجراء هذا النوع من التحديث العاجل. يعمل المتخصصون في اللغة العربية فرادى وبجهد، ولكن لا قالب مُحدّدا يجمع هذه المجهودات في مكان واحد ورسمي. 
إدخال كلمة "إنستغرامور" إلى المعجم لا يأتي من عبث. هذه مهنة قائمة، ولو استمرّ نكران الواقع سنوات. مهنة، ربما لنا الخيار أن نصير من أربابها أو أن نبقى من زبائنها بغير إرادتنا. لا حلول وسطى بين الأمرين. نتعرّض بشكل يومي إلى منتجات، ليس فقط عبر الإعلانات المباشرة، ولكن عبر متابعات يومية عادية. مشاهداتنا هي مصدر ربح لكثيرين حجزوا مكانهم في قائمة الوظائف الرقمية، وهذه ليست بالمعلومة الجديدة. نحن في عالم جديد، على أبوابه أو ربما عبرنا وما زلنا رافضين التصديق. عندما اشترى مارك زوكربيرغ "إنستغرام"، في العام 2012، بمبلغ وقدره مليار دولار، لم يكن التطبيق مصدراً لجني الأرباح الطائلة. بعد 18 شهراً من امتلاك فيسبوك (شركة "ميتا") لتطبيق إنستغرام، وبعد تجاوز الأخير الـ 150 مليون مشترك، أقرّ زوكربيرغ سياسة اعتماد الإعلانات الخاصة بإنستغرام. هذا السوق الرقمي يتطوّر بين لحظة وأخرى. تتفرّع منه وظائف وأفكار وكذلك أطنان من المشاكل، وكلّه يحتاج إلى التعريف والفهم، تماماً كما يحتاج إلى مواكبة لغوية مُتمكّنة من التعبير الدقيق. كيف لنا مثلاً أن نُترجم كلمة "إنستغرامابل"، أي الشيء، أو الديكور أو المكان الذي يصلح أن يكون مادة عبر تطبيق إنستغرام؟

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

تتجه المطاعم ومحلات الملابس والمطارات والأوتيلات وغيرها، إلى أن تصير مكاناً جاذباً لمستخدمي تطبيق إنستغرام، وذلك عبر إعادة تنظيم المكان والقوائم بما يتلاءم وهذا السوق الرقمي. ما سبق مثال سريع وبسيط، ولكن هي عوالم مختلفة ومتشعبة، كُلّها يسعى لامتلاك مكانه في هذا السوق. لهذا لا بُدّ من جهوزيّة لغوية تكون على مستوى هذه التحولات والعوالم الناشئة، أملاً بامتلاك أرضيّة صلبة مفتاحها اللغة.  

المساهمون