كانت مراسلة قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، قد أجرت في مطلع مايو/ أيّار الماضي لقاء مع فرقة بنات القدس، التابعة لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، خلال إعدادها تقريراً شاملاً عن الأغنية الوطنية بالتزامن مع إحياء ذكرى النكبة. لكن لم يبثّ التقرير قط، إذ قتلت الصحافية المحبوبة بعدها بأسبوع على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين، شمالي الضفة الغربية.
اليوم، وبالتزامن مع الذكرى الأولى لاستشهاد شيرين أبو عاقلة، أطلقت فرقة بنات القدس أغنية "تبقى شيرين" عبر "يوتيوب"، وهي من كلمات فداء القطب، وألحان وتوزيع الموسيقي سهيل خوري، الذي تولى مهمة إخراج الفيديو كليب الخاص بها.
وتقول الأغنية في مطلعها: "من القدس إلى جنين طارت شيرين، ومن جنين إلى القدس عادت شيرين.. على الأكتاف في القلوب وجع وأنين، على الأكتاف في نعش حملها الملايين.. عادت شيرين، عادت شيرين".
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال الملحن سهيل خوري: "الأحداث التي تنطوي على طابع شخصي يكون تأثيرها أعمق وأكبر، ويكون التعاطي معها إبداعياً ذا نتائج أكثر صدقاً، وهو ما حصل في حالة شيرين التي كانت تربطني بها علاقة شخصية".
وأضاف خوري: "كنت حاضراً خلال مراسم الدفن وشهدت ما جرى خلالها، ممّا فاقم من تأثير الغياب وتبعاته المؤلمة. شعرت أن هناك شيئاً ما في داخلي يتفاعل حدّ الانفجار، وبعدها بأيام أرسلت إلي الصديقة الكاتبة فداء القطب كلمات أغنيتها لأجد أنّ اللحن ينساب من تلقاء نفسه".
وشرح الملحن الفلسطيني سبب اختياره "بنات القدس" لأداء الأغنية بالقول: "ليس السبب موهبتهن فقط، بل العلاقة التي نشأت بينهن وبين شيرين خلال التقرير الذي كانت تصوّره معهن (..) فضلا عن أنّهن، مثل شيرين، نماذج رائعة للمرأة الفلسطينية".
وأشار خوري إلى أنّ الكليب أنجز بإمكانات مادية بسيطة، لكنّه شهد تعاوناً من كافة الجهات الفلسطينية القادرة على تيسير تصويره.
ولفت إلى أنّهم كانوا "في سباق مع الزمن"، شارحاً: "العمل على التسجيل ومن ثم التصوير والتوليف في فترة زمنية محدودة لم يكن سهلاً، لكنّنا نجحنا وخرجت الأغنية في ذكرى استشهاد شيرين لتخليد ذكراها في عمل قدّمه جميع المشاركين فيه من القلب".
ومزج تصوير الأغنية ما بين المشاهد الداخلية التي صوّرت داخل المعهد والمشاهد الخارجية التي صوّرت في القدس، وظهرت خلاله المؤديات باللباس التراثي الفلسطيني المطرز، مع تضمين مقاطع أرشيفية مُصوّرة كان لابد منها لتكتمل الصورة.
وكشف مدير البرامج والعروض في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، محمد مراغة، لـ"العربي الجديد"، عن أن الأغنية عُرضت قبل تسجيلها في مهرجان دريشة للفنون الأدائية في العاصمة القطرية الدوحة، نهاية العام الماضي. كذلك، عُرضت بشكل حيّ أيضاً على مسرح قصر رام الله الثقافي في حفل إحياء ذكرى شيرين أبو عاقلة، الذي نظمه مركز الفن الشعبي وأسرة الشهيدة.
وأكد مراغة أن تصوير الأغنية بالكامل كان في القدس، وتحديداً في مسار جنازة شيرين، من منطقة باب الخليل باتجاه مقبرة الروم الكاثوليك، وفي المستشفى الفرنساوي حيث اعتدي على نعشها، إضافة إلى مسرح فيصل الحسيني في مركز يبوس الثقافي، والمعهد الوطني للموسيقى في القدس، في حين أن التسجيل كان في استديوهات المعهد بمدينة رام الله.
ولفت مراغة إلى أنّ الأغنية امتداد لتوجهّات المعهد والفرقة التابعة له في "إنتاج أغنيات ذات مضمون وطني وإنساني، مرتبط بالواقع المُعاش في فلسطين".
يذكر أنّ فرقة بنات القدس تأسّست بمبادرة من معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وبقيادة الموسيقار سهيل خوري عام 2014، وتضمّ أكثر من 30 عازفة، تتراوح أعمارهن بين 13 و26 عاماً.
وأصدرت الفرقة عدّة أسطوانات حتّى الآن، وشاركت في عددٍ كبير من المهرجانات الموسيقية المحلية والعربية والدولية، كما حازت في عام 2017 على جائزة أفضل جوقة شابة في الشرق الأوسط.