"تايتانيك" دائماً وثائقيٌ آخر يروي تفاصيل وشهادات جديدة

17 ديسمبر 2020
جيمس كاميرون: تقييم كلّ شيء (إيثان ميلر/ Getty)
+ الخط -

يصعب تناسي فيلم كـ"تايتانيك"، وإنْ تمرّ أعوامٌ طويلة على تحقيقه. الكارثة البحرية بحدّ ذاتها حاضرة في الذاكرة والوعي، وإنْ بنسبٍ متفاوتة بين المهتمّين. لحظة الاصطدام الحاصل بين الباخرة وجبل جليدي (ليل 14 ـ 15 إبريل/ نيسان 1912، في المحيط الأطلسي)، في أول رحلةٍ للباخرة بين "ساوثمبتن" (بريطانيا) و"نيويورك" (الولايات المتحدّة الأميركية)، جزءٌ من مرحلةٍ سيعتبرها كثيرون لاحقاً "تأسيسية" لقرنٍ حافلٍ بتبدّلات جوهرية وكثيرة في حياة الناس، كما في بُنى مختلفة لبلدانٍ ومجتمعاتٍ وأفكار.

عام 2017، يُحتَفل بمرور 20 عاماً على تحقيق "تايتانيك" (1997) لجيمس كاميرون (تمثيل كايت وينسلت وليونادرو دي كابريو). وثائقيّ بعنوان "تايتانيك، بعد 20 عاماً" (46 دقيقة)، لتوماس سي. غراين، يُنجز حينها بإنتاج "ناشيونال جيوغرافيك". قبل ذلك، يُردِّد كاميرون نفسه أنّ رغباته السينمائية والبحثية والعلمية، المتعلّقة بالباخرة وبحادثة غرقها، غير مُتحقِّقة كلّها عند إنجازه الفيلم، بسببٍ "نقصٍ" في التقنيات المتطوّرة آنذاك. عام 2003، يُنجز وثائقياً بعنوان "أشباح الهاوية" (إحدى الترجمات الفرنسية للعنوان تقول: "أشباح تايتانيك")، أول إنتاج لـ"ديزني" بتقنية الأبعاد الـ3. الوثائقي هذا، مع الممثل بِل باكستن (المُشارك في الروائي الطويل أيضاً)، يعود إلى مكان غرق الباخرة (4 آلاف متر تحت سطح البحر) رفقة فريق علميّ، بهدف إجراء مزيدٍ من الأبحاث، التي سيحصل كاميرون على غيرها لاحقاً، فتُعرض في وثائقيّ غراين.

الحديث عن "تايتانيك، بعد 20 عاما" متأتٍ من إعادة بثّه حالياً على شاشة "ديزني بلاس" (قسم مخصّص ببرامج "ناشيونال جيوغرافيك")، منذ 24 مارس/ آذار 2020: "فيه، يعود كاميرون إلى مغامرة تصوير فيلمه عام 1997، الموصوفة بأنّها "خارج المعايير"، مع معطيات علمية، جديدة للغاية، بخصوص حادثة الغرق" (أوليفييه بالاّرويلو، "آلوسيني"، 6 يسمبر/ كانون الأول 2020). يتضمّن أيضاً شهادة حفيدة الثنائي الأكثر ثراءً على متن الباخرة حينها: مادلين أستور، الناجية من الغرق، وجون جاكوب غير الناجي.

يتساءل كثيرون عن سبب الاهتمام الكبير بـ"تايتانيك" وحادثة غرقها. ففي تاريخ المآسي البحرية، "تايتانيك" ليست الباخرة الوحيدة التي تغرق: "أمثلة أخرى حاضرة في التاريخ هذا، مع خسائر بشرية مرتفعة العدد أكثر من خسائرها"، كما يكتب بالاّرويلو، مضيفاً: "مع هذا، يبقى غرق "تايتانيك" في ذاكرة الناس كإحدى أكبر الكوارث". لماذا إذاً هذا الاهتمام كلّه؟ السبب واضحٌ: في وعي أفرادٍ كثيرين، تُشكِّل الباخرة، ذات الفخامة الضخمة، "صورةً أصيلةً ومُصغَّرة عن مجتمعِ تلك الفترة، فترة الزمن الجميل"، كما يقول متابعون ومهتمّون. مجتمع تلك الفترة، بطبقته العمّالية وبورجوازيّته وطبقاته الحاكمة، وبينها عائلات صناعية ثرية، تحتلّ الـ"كبائن" الممتازة، ذات الفخامة المذهلة.

الرحلة البحرية تلك، بنتيجتها الكارثية، "تُشير ـ بشكلٍ غير مباشر، أو بصورة تنبّؤات كارثية ـ إلى مستقبل أوروبا والعالم، قبل عامين اثنين فقط على اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، التي ستُدمِّر القارة العجوز، وتودي بحياة ملايين الناس".

هذا كلّه ينكشف لحظة إطلاق العروض التجارية الدولية لـ"تايتانيك" كاميرون: فإلى نقّاد سينمائيين عديدين، يكتبون نقداً، ويحاورون المخرج والممثلين/ الممثلات والعاملين/ العاملات في الفيلم، وينشرون تحقيقات تتضمّن معطياتٍ ومعلومات عن الفيلم والباخرة والحادثة، هناك عددٌ كبيرٌ من المفكّرين والأدباء والباحثين في العلوم الإنسانية المتفرّقة، وغيرهم أيضاً، ممن سيكتب ويُناقش ويُحلِّل "الظاهرة"، بأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والحياتية، وبارتباطها بمرحلة تاريخية مهمّة، وبالصناعة وأدواتها وطموحات العاملين فيها.

كمٌّ هائلٌ من الكتابات غير السينمائية سيُنشر في صحفٍ ومجلات غير سينمائية، وسيُناقَش في وسائل الإعلام، في مناخٍ سيحصل لاحقاً مع "ماتريكس" (1999) للأخوين واتشوفسكي، بجزئه الأول تحديداً، المُنجز بعد عامين اثنين فقط على "تايتانيك"، و"أفاتار" (2009) لكاميرون أيضاً: كتابات متنوّعة تُفكِّك تفاصيل جمّة، تتعلّق برموز وأساطير وفلسفات وإثنيات ولغات وحضارات، وتقرأ إسقاطاتها الآنيّة في عالمٍ يتخبّط بأهوالٍ وتغييراتٍ سلبيّة.

قبل وقتٍ طويل على اكتشاف حطام الباخرة عام 1985، اختيرت قصّة "تايتانيك" كمادةٍ لأفلام سينمائية وتلفزيونية، ولوثائقيات مختلفة، وبعضها معروضٌ على شاشة "ناشيونال جيوغرافيك". الوثائقي الأخير "تايتانيك، بعد 20 عاما" يعود إلى كيفية خلق الفيلم، الذي سيُصبح جزءاً من تاريخ الفن السابع. وإذْ يعود كاميرون إلى تجربته السينمائية تلك في "أشباح تايتانيك"، مُقدّماً مقاطع فيديو مُدهشة ومؤثّرة، فإنّ "تايتانيك، بعد 20 عاما" يطرح موضوعاً مختلفاً: "عند كتابتي سيناريو "تايتانيك" وإخراج الفيلم، أردتُ أنْ تكون التفاصيل كلّها دقيقة قدر المستطاع. كان عليّ أن أفعل هذا بدقّة، احتراماً لضحايا عديدين، ولإرثهم أيضاً. لكنْ، هل فعلتُ هذا بشكل جيد وصحيح؟ الآن، مع "ناشيونال جيوغرافيك"، واستناداً إلى الدراسات الأخيرة والعلم والتكنولوجيا، سأعيد تقييم كلّ شيء".

يُذكر أنّ ميزانية "تايتانيك" (198 دقيقة) تساوي 200 مليون دولار أميركي، بينما إيراداته الدولية تبلغ مليارين و471 مليوناً و751 ألفاً و922 دولار أميركي، بحسب "موجو بوكس أوفيس"، أشهر موقع إلكتروني متخصّص بأرقام صناعة الأفلام في العالم. الموقع نفسه يوضح الإيرادات على الشكل التالي: من 18 ديسمبر/ كانون الأول 1997 إلى 19 فبراير/ شباط 1998: ملياران و127 مليوناً و488 ألفاً و188 دولارا أميركيا. ثم، بين 4 و13 إبريل/ نيسان 2012، يُعرض الفيلم بنسخة ثلاثية الأبعاد، في ذكرى مرور مئة عام على غرق الباخرة، ويُحقِّق إيرادات إضافية تبلغ 343 مليوناً و550 ألفاً و770 دولارا أميركيا. هناك أيضاً إيرادات دولية من عروضٍ متفرّقة في فترات مختلفة.

المساهمون