بين الراب والروك... القضية الفلسطينية تختار أصواتها

25 مارس 2024
في دير البلح (أشرف أبو عمرة / الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أكتوبر، انقسمت الساحة الفنية بين دعم هوليوود لإسرائيل، بمشاركة 600 من العاملين بما فيهم بيلا ثورن ولانس باس، وتضامن مجتمع الراب والهيب هوب مع فلسطين، بانضمام أكثر من 600 فنان مثل بيلي أيليش ودوا ليبا.
- الارتباط الوثيق لموسيقى البوب والروك بالشركات الكبرى يفسر ميلهم لدعم إسرائيل، بينما نشأت موسيقى الهيب هوب والراب كتعبير عن القضايا الاجتماعية، مما يبرز تضامنها مع القضايا الإنسانية مثل القضية الفلسطينية.
- يعكس النقاش حول دعم إسرائيل في صناعة الترفيه وجود ضغوط تحد من حرية التعبير، لكن بعض الفنانين تحدوا هذه الضغوط وأعربوا عن دعمهم للشعب الفلسطيني، مؤكدين على أهمية الاستقلالية في الفن.

في الوقت الذي بادر فيه مئات من مشاهير الفنانين، بينهم العديد من مغني البوب والروك، إلى دعم الاحتلال الإسرئيلي عقب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، عبّر أغلب مجتمع الراب والهيب هوب عن دعمه للشعب والقضية الفلسطينية، في ظاهرة يمكن البحث وراء تفسير لها.
عقب أحداث أكتوبر، وقع 600 من العاملين في صناعة الترفيه في هوليود على رسالة مفتوحة، يتعهدون فيها بتقديم الدعم لدولة الاحتلال، كان من بينهم موسيقيون ومغنو بوب وروك أمثال: بيلا ثورن، ولانس باس، وريان كابريرا، ومونتانا تاكر، وجون فوغيرتي، وفيكي آشر، وجوش رويل، وريبيكا ويكينغ. 
على الجانب الآخر، انضم أكثر من 600 من موسيقيي الراب والهيب هوب والموسيقى البديلة إلى حركة "موسيقيون من أجل فلسطين"، من أبرزهم: بيلي أيليش، ودوا ليبا، وذا ويكند، ولوكي.
في مقابل هذا العدد الضخم من نجوم الهيب هوب والراب الذين تضامنوا مع فلسطين، التزم العدد الأكبر من فناني البوب والروك الصمت أمام حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

البحث عن التفسير يوجهنا إلى تتبع نشأة الموسيقى الأكثر شيوعاً، البوب وصنوها الروك، كذلك الظروف التي ظهرت بها كل من موسيقى الهيب هوب والراب.
نشأت موسيقى البوب في الخمسينيات من القرن الماضي داخل شركة إنتاج كبرى، هي شركة كولومبيا (Columbia Records)، التي كان يعمل بها المنتج الموسيقي الشهير ميتش ميللر، وجاء اللون الموسيقي الجديد نتاج تعاون بينه وعدد من موسيقيين آخرين في الشركة.
استهدفت "كولومبيا" للتسجيلات إبداع صوت جديد يتسم بالبساطة ويجمع البلوز والفولك والكنتري، إلى جانب الروك التي كانت سائدة وقتها، إذ سبقت موسيقى البوب في الظهور، لتنتشر في نوادي الرقص بين أوساط المراهقين، إلا أن ذيوعها بشكل كبير انتظر حتى الستينيات، بينما حمل عقد السبعينيات استثمارات ضخمة للونين الموسيقيين.
شهدت تلك الحقبة كذلك امتزاج البوب والروك بأعمال فرقتي "ذا جاكسون 5" (The Jackson 5) و"كوين" (Queen)، وأصوات فردية مثل إلتون جون. في حين أبرزت الثمانينيات أسماء مثل مايكل جاكسون ومادونا، بلغت في حجم شعبيتها حول العالم ما حققه نجوم الخمسينيات والستينيات، مثل ألفيس بريسلي وفرقة بيتلز وبوب ديلان، ليصبح جاكسون ومادونا وغيرهما من مغني البوب والروك نجوم إعلانات أكبر الشركات التجارية.
هذا الارتباط بين البوب والروك من ناحية، وبين شركات الإنتاج الكبرى والاستثمارات الضخمة من ناحية أخرى، يوضح لماذا يميل فنانو اللونين الموسيقيين الناجحين تجارياً إلى التزام الصمت إزاء قضية مثل القضية الفلسطينية بل كان من بينهم نجوم مثل: مادونا وإلتون جون ورولينغ ستونز، الذين قدموا عروضاً في تل أبيب، متجاهلين دعوات المقاطعة الثقافية للاحتلال الإسرائيلي.
هناك استثناءات، بالطبع، قدمتها نماذج، مثل: روجر ووترز، عضو فرقة بينك فلويد سابقاً، وبوبي غيليسبي، مغني فرقة Primal Scream ، واللذان تحدثا علناً ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات عديدة.
مثّل المغنيان صحوة فنية، بدأت في عام 2014 إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر يوليو/تموز، حين استغلت فرقة Massive Attack حفلاً أقيم في مهرجان فني في العاصمة الأيرلندية، دبلن، لنقل رسالة بسيطة ومؤثرة، بينت عبرها الفرقة أن أكثر من 400 فلسطيني استشهدوا وقتها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
مع ارتفاع عدد القتلى وقتها، أعرب عدد من المشاهير عن دعمهم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فتضامن معها زين مالك من فرقة One Direction، وندد المغني وكاتب الأغاني الكندي، برايان آدامز، بحكومة أوتاوا لدعمها الاحتلال الإسرائيلي، كما أعلن الفنان الأسترالي نيك كيف عن دعمه للناشطين الذين اقتحموا مصنع أسلحة مملوكا لإسرائيليين بمقاطعة ستافوردشاير الإنكليزية.
هذه الأسماء في عالم البوب والروك استثناءات؛ إذ يتحدث مغني الراب آلان ماكلويد عن أنها لا تتكرر كثيراً، لأن شركات الإنتاج الكبرى التي تقف وراء النجوم الكبار لا تسمح بذلك. لهذا، يرى ماكلويد أن "الابتعاد عن شركات التسجيلات الكبرى قد يكون خياراً يستحق الاستكشاف بالنسبة لكثيرين في هذا المجال".
وفق الرابر الذي يعد من أبرز أسماء جيله، فإن "التوقيع لحساب إحدى العلامات التجارية الكبرى يعني التخلي عن الكثير من حياتك". يقول: "إذا سقطت وأنا مستقل يمكنني أن أنفض الغبار عن نفسي وأقوم مجددا، لكن إذا كنت أعمل لصالح شركة كبرى، فسأستخدم حينها المصعد، وفي اللحظة التي أقول فيها ما لا يرغبون في سماعه، سيقطعون الحبل، وسأسقط، مثلما صعدت، سريعاً".
هذه السمة التي يتحدث عنها الرابر الشهير، أي "الاستقلالية"، يشترك فيها كثير من مغني الراب والهيب هوب. وإلى جانب ذلك، فتاريخ نشأة اللونين الموسيقيين اللذين لا يفرق كثيرون بينهما، يختلف عن كل من البوب والروك، إذ انتشرت موسيقى الهيب هوب في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي بين الأميركيين من أصل أفريقي وكذلك اللاتينيين، فطوعوها للتعبير عن مشكلاتهم الاجتماعية وقضايا التمييز العنصري، وللدفاع عن الحقوق المدنية للأقليات، واهتمت موسيقى الراب أيضا بمثل تلك القضايا.
وعن التحدث سلباً عن إسرائيل وإيجاباً عن القضية الفلسطينية في عالم الفن والترفيه، يشير المغني البريطاني بريان إينو (Brian Eno) إلى أن هناك "قاعدة غير مكتوبة" تمنع انتقاد إسرائيل بأي صورة من الصور، خاصة في الولايات المتحدة.

هذا الانحياز الفج، حرّض إينو في رسالة عامة بعث بها "إلى أميركا"، لأن يعرب عن عدم فهمه أسباب متابعة الولايات المتحدة لإسرائيل إلى هذا الحد، حتى وإن أدى ذلك إلى "إهدار الرأسمال الحضاري الذي بناه الغرب على مدى أجيال كاملة".
في هذه النقطة تحديداً، يرد الرابر ماكلويد مفسراً، حيث يرى أن إسرائيل ليس كما هو شائع، هي التي تحرك الخيوط داخل الولايات المتحدة "ففي الواقع، إن أميركا هي التي تتحكم في كل الخيوط لصالح دولة الاحتلال".
ويوضح ماكلويد: "على سبيل المثال، في عام 1981، دفعت الولايات المتحدة إسرائيل إلى تدمير مفاعل نووي عراقي، كما ساعدت الأخيرة خلسة حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وزودت الديكتاتورية التشيلية الفاشية بالأسلحة عندما كان من الصعب للغاية على الولايات المتحدة القيام بذلك".
هذا التحالف، في رأي المغني الشاب، يمارس ضغوطاً هائلة على العاملين في صناعة الترفيه تمنع فنانين كثرا من التحدث علنا عن الجرائم الإسرائيلية في غزة أو دعم القضية الفلسطينية وإن كان اللون الموسيقي، منذ البداية، هو من يهدي نجومه السبيل في كثير من الأحيان.

المساهمون