بينيلوبي كروز... تلك اللحظات الساحرة

12 يناير 2023
من L’Immensita للإيطالي إيمانويلي كريالِزي: أمّ تصنع معجزات لأولادها (الملف الصحافي)
+ الخط -

احتفاءٌ بالإسبانية بـ بينيلوبي كروز (ألكوبنْداس ـ مدريد، 28 إبريل/نيسان 1974)، بمناسبة فيلمٍ جديد لها، يتحوّل، في صحافة سينمائية أوروبية، إلى استعادة سيرة ونشاطات وأفكارٍ وأدوار وحكايات، لها وعنها ومعها. هذا حاصلٌ مع ممثلات وممثلين آخرين أيضاً. لكنّ الأسابيع القليلة الفائتة، تشهد ظهوراً لكروز على أغلفة مجلات، وبعض الأخيرة يُخصّص صفحاتٍ عدّة، غير محصورةٍ في حوار طويل معها.
جديد كروز فيلمٌ بعنوان "الضخامة" (L’Immensita)، للإيطالي إيمانويلي كريالِزي، معروضٌ للمرة الأولى دولياً في مسابقة الدورة الـ79 (31 أغسطس/آب ـ 10 سبتمبر/أيلول 2022) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي". عرضه التجاري الإيطالي انطلق في 15 سبتمبر/أيلول 2022، وإطلاق عروضه التجارية خارج إيطاليا يبدأ في 11 يناير/كانون الثاني 2023. هذا كافٍ لعمل مهنيّ بحت. لكن بينيلوبي كروز تفرض حضورها في المشهد السينمائي، وتحرِّض على اشتغال يتجاوز المهنيّ، عبر نقاشٍ واستعادة وتفكيرٍ.
مجلات سينمائية، وملاحق ثقافية وفنية صادرة عن مطبوعات أوروبية عدّة، تخصص لها صفحات. مجلة Sofilm تخصّص، في عددها الأخير (نوفمبر/تشرين الثاني ـ ديسمبر/كانون الأول 2022)، 18 صفحة (صُور وحوارات ومقالات). مجلة Telerama تكتفي بحوار من ثلاث صفحات، منشور في العدد الأخير (4 يناير/كانون الثاني 2023). كلامٌ كثيرٌ تقوله كروز، غير محصورٍ بالسينما، فللمرأة/الممثلة/الأم/الزوجة، حضور يمتدّ من الذاتي إلى العام، والتجربة الطويلة لها في السينما، التي ترتكز على التمثيل أكثر (لكروز شركة إنتاج أيضاً)، تُتيح لنقّاد وصحافيين سينمائيين طرح أسئلة متنوّعة عليها.


إنّها روما، في سبعينيات القرن الـ20. الزوجان كلارا الإسبانية (كروز) وفليتشي بورغيتي الصقيلي (فينتشنزو أماتو) ينتقلان إلى إحدى الضواحي، حيث يُقيمان مع أولادهما الثلاثة في شقة جديدة. زواجهما مُصابٌ بأزمة، وكلارا تُكرِّس نفسها كلّياً لأولادها، تعويضاً عن عطب حاصل في علاقتها بزوجها، بينما علاقتها بابنتها الكبرى أدريانا (لويانا جولياني) تتوتّر سريعاً. ليس فقط تشعر أدريانا (12 عاماً) بتوتر العلاقة بين والديها، بل أيضاً تبدأ طرح سؤال هويتها الجنسية على نفسها، فتنبذ اسمها، وتختار أندريا، طالبةً من الجميع مناداتها به.
في فيلمها الجديد هذا، تمثّل بينيلوبي كروز دور امرأة "لديها هبة خَلق لحظاتٍ ساحرة مع أولادها" (تيليراما): "جميع الأمهات لديهنّ شعورٌ بأنّهنّ قادرات على منح لحظات ساحرة. معهنّ حق. ما تمنحه كلّ أم لابنها/ابنتها يكون فريداً من نوعه"، تقول كروز. لكنّ الأم التي تؤدّيها في هذا الفيلم "تريد فعلاً منح لحظات كهذه لأولادها"، لأنْ لا شيء جاذبٌ ومريح في عالمهم. فالزوج/الأب يجعل الشقّة سجناً لهم، ما يحول دون تمكّن الأم من أنْ تكون "تلك المرأة الحرّة، التي هي عليها في العمق". هناك ابنتها، التي تشعر أنّها صبي. هي أيضاً "لا يحقّ لها أنْ تكون هي نفسها". لذا، تهرب الأم وابنتها (من هذا كلّه) بمشاهدتهما التلفزيون، كي تُصبحا شخصيتين خياليتين: "إنّه فيلمٌ عن الألم والمعاناة، لكنْ أيضاً عن قوّة الرابط بين الأم وابنتها، التي تفهم وتحسّ بكل ما تشعر به أمّها، وبكلّ ما تعيشه".
بالنسبة إلى غبريال أباسكال بيارو (سوفيلم)، يُقدِّم إيمانويلي كريالِزي لكروز دور أمّ مرحة، تريد ابنتها أنْ تؤكّد للجميع أنّها صبي، مُشيراً إلى أنّها تؤدّي أدوار الأم كثيراً، وأنّ الأمهات جميعهنّ عصريات ومتجدّدات للغاية. تقول كروز إنّ لديها فرصاً للمشاركة في سرد حكايات كثيرة ترتكز على الأمومة: "هذا الدور منبثقٌ من تجربة شخصية لإيمانويلي. حدّثني كثيراً عن طفولته. هذا شرفٌ لي أنْ أرافقه في حكايته مع فيلمٍ، يُمكنه تطوير الرؤية الخاصة بعبور الهوية".
في إحدى اللقطات، تأخذ أدريانا/أندريا على الأم "أنّها جميلةٌ دائماً" (سوفيلم). فهل تشعر الممثلة أنّها "واقعةٌ في فخّ جسدها"؟ تُجيب كروز: "لديّ حظّ بامتلاكي شكلاً/جسداً يُمكنه أنْ يتغيّر كثيراً، وأنْ يتحوّل. هذه ميزة لي في عملي. بخصوص الباقي، لا أكترث به. لم أخف يوماً إعطاء الشخصية ما تحتاج إليه. مثلاً: في "لا تتحرّك" (ترجمة حرفية إلى العربية للعنوان الإيطالي Non Ti Muovere، المعروف بالعنوان الفرنسي A Corps Perdu، لسيرجيو كاستيلّيتو، 2005 ـ المحرّر)، أؤدّي دور امرأة لا يحقّ لها الذهاب إلى المزيّن وطبيب الأسنان، ولا حتّى أنْ تزيل الشعر. هذا ما فعلناه. بالنسبة إلى Volver (بيدرو ألمودوفار، 2006 ـ المحرّر)، زدْتُ وزني بين 4 و5 كلغ. مع هذا، انتهى الأمر مع بيدرو بوضع وركين اصطناعيين لي".
لكنّ بينيلوبي كروز تهتمّ كثيراً بصحّتها، التي لن تُخاطر بها أبداً، "كهؤلاء الممثلين الذين ينصحون 15 كلغ، لأنّهم يؤدّون شخصية مريضة للغاية". تقول، في حوارات سابقة مختلفة، إنّها غير راغبة في اختبار هذا أبداً، لأنّ هذا "لم يبدُ لي إطلاقاً أنّه ضروريّ لمصداقية الدور".
في "تيليراما"، يستعيد فريدريك شتراوس مرحلة قديمة من بداياتها، باستعادة فيديو كليب بعنوان La Fuerza Del Destino، لفرقة Mecano، الشاهد على أحد أوائل ظهور لها علناً، عام 1989، "بين شبابٍ من عمرها". هذا يُحيل إلى سؤال الأجيال: فهل يُعتبر جيل كروز "جيل ما بعد فرانكو، وما بعد Movida (حركة ثقافية فاعلة جداً حينها، تتمكّن من إحداث تغييرات في البلد ـ المحرّر). أيكون جيلك هذا ابن إسبانيا عادية؟".

تقول كروز إنّ إسبانيا زمن شبابها أكثر توازناً، لكنّها مولودة أيضاً من انتفاضاتٍ وفوضى كثيرة: "هذا يفهمه جيلي، مع أنّه لم يعشه. رغم هذا، نتائجه ماثلةٌ أمامنا". لهذا، تُقدّر بدرو ألمودوفار كثيراً وتُعجب به دائماً، و"تعشق" أفلامه: "بالنسبة إليّ، إنّه تجسيد لثورة اسبانيا، ليس فقط بصفته فناناً، بل أيضاً، ولو قليلاً، كوجه سياسي". الفنّ أساسي في إسبانيا Movida، ويظلّ هكذا إلى ما بعدها: "سعيدةٌ بمشاركتي في هذا الفيديو، مع Mecano. مشاركة مهمّة بالنسبة إليّ، لأنّ له مشاهدين كثيرين".
علاقتها بألمودوفار وثيقةٌ للغاية. معه، تتمكّن من تلبية رغبتها في التنويع السينمائي، فأفلامه بالنسبة إليها حيّزٍ للتمثيل لا يزال مُثيراً إلى اليوم. تقول مراراً إنّ ألمودوفار مُدركٌ تماماً حاجتها إلى التغيير، ما يجعله يُعطيها أدواراً مختلفة. مثلاً: في "اللحم المرتجف" (ترجمة حرفية إلى العربية لـCarne Tremula، المعروف بعنوانه الفرنسي En Chair Et En Os، إنتاج عام 1997) تؤدّي دور عاهرة لا تعرف القراءة والكتابة، لكنّها تمنح نفسها من دون أنْ تفهم ما الذي يحدث معها. في "كل شيءٍ عن أمي" (1999)، تؤدّي دور راهبة مُصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة، وحامل من عابر جنسي: "كل شخصية من هاتين الشخصيتين أعطتني الكثير على المستوى الشخصي. بيدرو قادرٌ على صنع أشياء لم يرني أفعلها. هذه نعمة".

سينما ودراما
التحديثات الحية

التنويع في الأدوار حاضرٌ أيضاً في بداياتها السينمائية: عام 1992 مثلاً، تمثّل كروز في فيلمي Jambon, Jambon لبيغاس لونا، وBelle Epoque لفرناندو ترويبا: في الأول، تؤدّي دور امرأةٍ أنضج من الشابّة التي كانتها حينها؛ وفي الثاني، تمثّل دورَ مُراهِقَةٍ أكثر شباباً مما لم تكن عليه يومها: "هاتان الشخصيتان إحداهما مختلفة تماماً عن الأخرى، إلى حدّ أنّ أحداً لم يتمكّن من وضعي في إطار واحد". بفضل فيلم لونا، تحصل كروز على أوّل ترشيحٍ لجائزة "غويا" أفضل ممثلة، بينما الثاني فائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي (1993): "هذا حظٌّ لي أنْ أستفيد من نجاح الفيلمين، من دون أنْ أوضع فوراً في فئة واحدة من الأدوار".
إذا، هل هذه القدرة على الانتقال من دورٍ إلى آخر سبب حبّها لميريل ستريب؟ (تيليراما): "أحبّ ميريل ستريب لأنّها عبقرية، مهما تفعل. ما تستطيع فعله يتجاوزني. إنّها نموذج مثالي. أريد أنْ أصبح أحداً آخر عبر التمثيل، والتحليق مع خيالي بفضل أدوار. أحاول مراراً ألّا أعيد ما فعلته سابقاً".

المساهمون