في دورة بينالي البندقية في عام 2002، قدم القيّم على التظاهرة حينها، فرانشيسكو بونامي، مقترحاً لإنشاء جناح وطني باسم فلسطين. إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض القاطع، واتُّهم بونامي، على إثره، بمعاداة السامية. لم يكن لفلسطين جناح وطني في بينالي البندقية؛ لأن إيطاليا لا تعترف بفلسطين كدولة ذات سيادة. كما أن الضغوط الإسرائيلية، كانت تحول دائماً دون عرض الرواية الفلسطينية في هذا البينالي العريق. في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن متحف فلسطين في الولايات المتحدة الأميركية، أن مشروعه المُقدم للعرض في بينالي البندقي، قد رُفض من دون أسباب واضحة. المشروع الذي أعلن عنه مدير المتحف فيصل صالح، بعنوان "غرباء في وطنهم"، يسلط الضوء على الظروف التي يعاني منها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتضييقات الأمنية المستمرة التي حولت حياتهم اليومية إلى جحيم.
يتوافق هذا المشروع مع ثيمة البينالي المقبل، التي أعلن عنها تحت شعار "غرباء في كل مكان". ولكن، يبدو أن هناك معايير أخرى تحكم العرض في هذا الحدث الدولي. يرى فيصل صالح أنه للمؤسسات الفنية والثقافية الغربية، هناك رغبة واضحة للتعتيم على الرواية الفلسطينية. لم يكن هذا الرفض الذي قوبل به المشروع الفلسطيني مفاجئاً أو استثنائياً، فقد رُفض المشروع الذي تقدم به المتحف نفسه في مطلع هذا العام أيضاً للمشاركة في بينالي البندقية للعمارة.
يبدو هذا التعنت الذي تتعامل به إدارة بينالي البندقية تجاه الفلسطينيين، قد أصبح لافتاً، ما دفع عديد من النقاد والمتابعين في عالم الفنون المعاصرة للاعتراض، معتبرين أن هذا التصرف يتناقض مع طبيعة البينالي كساحة للتعبير. هذه الانتقادات التي وُجهت للبينالي، دفعت إدارته أخيراً إلى التراجع عن هذه المواقف المتشددة تجاه الفلسطينيين. فبعد أيام قليلة من إعلان رفضها للمشروع المشار إليه، أعلنت اللجنة نفسها الموافقة على مشروع فلسطيني آخر للمشاركة في الدورة المقبلة لبينالي البندقية، والتي ستنطلق في 20 من إبريل/نيسان من عام 2024.
يحمل هذا المشروع الأخير عنوان "مرساة ومناظر طبيعية"، وسيقدم ضمن العروض الجانبية أو غير الرسمية في بينالي البندقية. يُعد هذا الأمر، على ما فيه من تعنت، خطوة إيجابية على أي حال، فلم يحدث من قبل أن شارك الفلسطينيون في بينالي البندقية بعمل يتناول الرواية الفلسطينية للصراع الدائر في الشرق الأوسط. شهدت دورات بينالي البندقية السابقة مشاركات متفرقة لفنانين فلسطيين، وحصل بعضهم على جوائز، غير أن أغلب هذه المشاريع لم تكن تتطرق إلى الرواية الفلسطينية ونضال أصحابها ضد الاحتلال. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى تظاهرة فنية كبينالي البندقية، وغيره من المعارض والمناسبات الفنية الكبرى التي تُقام في أنحاء العالم، تقبل استضافة وعرض أعمال لفنانين فلسطينيين، طالما أن العمل لا يقدم خطاباً سياسياً نقدياً مباشراً، أي طالما أن العمل يتناسب ومزاج القيّميين على هذا النوع من التظاهرات.
"مرساة ومناظر طبيعية" هو مشروع قدّمته منظمة فنانون وحلفاء الخليل، التي أسسها كل من الناشط الفلسطيني عيسى عمرو، وهو من سكان الخليل، وآدم برومبرغ، وهو مصور من جنوب أفريقيا مقيم في برلين.
يعتمد هذا المشروع على الصور الفوتوغرافية، إذ يعرض سلسلة متنوعة من الصور التي التقطها برومبرغ وزميله المصور رافائيل غونزاليس على فترات متفاوتة خلال العام الماضي لمزارع وأشجار الزيتون في مدينة الخليل. يتضمن العمل نصاً مطبوعاً على هيئة كُتيّب يسرد قصة شجرة الزيتون ومكانتها الرمزية في الثقافة الفلسطينية. يرى آدم برومبيرغ المساهم في هذا المشروع الفني، أن أشجار الزيتون معمرة وكلها منافع ولهذا يقتلعونها ويضيّقون على مُزارعيها الفلسطينيين. وتُعد أشجار الزيتون مصدراً للدخل لآلاف الأسر الفلسطينية، وهي ترمز لصمود الشعب الفلسطيني الذي لا يتزعزع في مقاومته المستمرة للقمع العسكري الإسرائيلي. يعرض المشروع سلسلة من الصور لمشاهد من احتفالات قطف الزيتون ويسلط الضوء على الموروث الشعبي الفلسطيني المرتبط بهذه الشجرة.
يُذكر أن أشجار الزيتون كانت محوراً لعمل آخر قدمته منظمة فنانون وحلفاء الخليل العام الماضي، تحت عنوان "المراقبة المضادة". يلفت هذا العمل الفني الانتباه إلى المراقبة العسكرية الإسرائيلية شبه المستمرة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال. وتعتمد إسرائيل في مراقبتها للفلسطينيين على شبكة واسعة من كاميرات المراقبة، التي ترصد حركة سكان الخليل على نحو دائم، وهي كاميرات تعمل ضمن أنظمة متطورة للتعرف على الوجه.
قام المشاركون في مشروع المراقبة المضادة بتثبيت كاميرات خاصة بهم سراً في عدد من حقول أشجار الزيتون المشرفة على مدينة الخليل. وبالتعاون مع عدد من المتاحف الأوروبية، تم بث هذه اللقطات مباشرة على شاشات داخل المتاحف. الهدف من هذا المشروع، كما يقول عيسى عمرو، هو إعادة توظيف هذه التكنولوجيا المستخدمة لمراقبة الفلسطينيين، ولكن من أجل حمايتهم. ويمكن، لمن يود، الاطلاع على ما تبثه هذه الكاميرات بشكل لحظي من خلال موقع منظمة حلفاء من أجل الخليل.