بحر النجف... المسطّح المائي من دون أهله

20 يناير 2022
مساحة بحر النجف تغيرت عبر التاريخ بحسب مواسم الجفاف والفيضانات (كرار عيسى/الأناضول)
+ الخط -

يرتبط بحر النجف بذكريات لا حدود لها مع أهالي مدن جنوبي العراق، لكنه يصارع اليوم وحده تحديات الجفاف وعوامل التغيير الجغرافي التي طرأت على بلاد الرافدين، وما زالت، وسط شكاوى عن عدم مبالاة الحكومات المتعاقبة، بأحد أبرز مناطق الجذب السياحي في البلاد.
بحر النجف، أو بحر الحيرة، وسمته العرب في عصور ما قبل الإسلام ببحر بانيقيا، كما سمي ببحر الملح، وكذلك وُجدت مخطوطات تشير إلى البحر عند الآراميين باسم بحر فرشا، يمتد طولياً من شمال مدينة النجف، إلى الجنوب الغربي لمدينة الحيرة التاريخية، ضمن منطقة السهل الرسوبي العراقي، وهو متباين الاتّساع؛ إذ يبلغ عرضة من الجنوب الشرقي 16 كيلومتراً، ويتقلّص في الوسط ليصل إلى نحو 10 كيلومترات، وتبلغ مساحته الكلية قرابة 400 كيلومتر مربع، وينخفض عما سواه من المناطق بنحو 40 متراً، ما جعله منطقة تخزين كبيرة لمياه الأمطار، والسيول جعلت منه عاملاً مساعداً لمقاومة بحر النجف للتلاشي بعد سلسلة من التغييرات التي امتدت لعدة قرون قطعت الصلة بينه وبين مياه الخليج العربي، والتي كانت تأتيه عبر مسطحات ومجاري مياه الأهوار.

ويصف المؤرخ العراقي النجفي حسين الوزني البحر بأنه كان واحدًا من أكبر المنخفضات المائية في العالم.
ويقول الوزني في حديث إلى "العربي الجديد"، إن البحر، وبحسب الدراسات العلمية، تكوّن بفعل الحركات التكتونية الجيولوجية خلال فترة العصرين الأخيرين من الزمن الجيولوجي الثالث من عمر الأرض، والتي كانت سبباً في كثير من تكون جغرافيّة العراق، من الجبال والتلال والهضاب والمنخفضات والبحيرات، وكذلك تكوّنت منخفضات الحبانية والرزازة والثرثار في نفس الفترة. ويضيف: "لكن مساحة بحر النجف تغيرت عبر التاريخ، بحسب مواسم الجفاف والفيضانات".

تكوّن خلال فترة العصرين الأخيرين من الزمن الجيولوجي الثالث (كرار عيسى/الأناضول)

ويشير الوزني إلى تاريخية البحر؛ فيقول إن ياقوت الحموي أشار إلى أن الخليج العربي كان متّصلاً ببحر النجف، وأن هذا الطريق المائي كان قد سلكه اليونان والفرس والعرب في العصور المختلفة، وكانت السفن التجارية تغادره وهي محمّلة من منتجات العراق وأجزاء من بلاد الشام، إلى الهند والصين وبلاد فارس، وتعود محمّلة ببضائع أخرى. لكنه يستدرك بالقول إن البحر لم يكن متّصلاً بالخليج بصورة مباشرة، وإنما عن طريق الأهوار والبطائح ونهر الفرات، والسفن كانت تأتي من البصرة إلى الخليج عبر هذه الطرق المائية.
بدوره، يقول الباحث في تاريخ العراق القديم، مرتضى الأوسي، إن البحر يتغذّى في جانب منه على مياه نهر الفرات، وعدد من العيون في وسطه، مثل عين الرهيمة وعين الرحبة وعين جمل وعين سلمى وعين النبعية، وهذه العيون ما زالت جارية وتحيط بها القرى الزراعية.
ويستدرك بالقول: "لكن هذا البحر تعرض إلى الجفاف، وتراجع في مساحاته منذ سنة 1887 ولغاية الآن، إذ كانت بداية أول تجفيف له عبر سدّ منافذ البحر التي كانت تزوده بالمياه، وقد أخذت المياه منذ هذا التاريخ بالتراجع، ولكن بحدوث الفيضانات التي تحدث في نهر الفرات كانت المياه تتدفّق نحو البحر فتنهار السدود الترابية وتغمر البحر بالمياه".

تغيّرت مساحة البحر عبر التاريخ (كرار عيسى/الأناضول)

هذا المنخفض المائي الكبير الذي إذا وقفت على أحد السفوح المطّلة عليه، كأنك تقف على جبل، وكل ما عليك هو تخيل المياه والطيور وسفن الصيد التي تراجع حضورها كثيراً بسبب عوامل التغيير المناخي، وضعف الاهتمام الحكومي بالبحر الذي لم يفقد محبيه، إذ يواصل أهالي النجف التوافد عليه، وقضاء أوقات طويلة عنده للشواء والسباحة، خاصة عندما يرتفع منسوب المياه فيه مجدداً بفعل الأمطار والسيول.
يقول الناشط مصطفى هادي أبو المعالي، إن المشكلة في بحر النجف هو عدم وجود تخطيط لما يمكن الاستفادة منه، فهذا البحر الذي يقع وسط الصحراء، يمثل مكاناً سياحياً مهماً، فضلاً عن كونه يقع في مدينة دينية، مثل النجف، ولذلك سيكون له مردود اقتصادي كبير يدر مبالغ كبيرة للبلاد سنوياً إذا ما استثمر سياحياً، لكن المشكلة في أن المعالجات إما غائبة، أو أنها تجري بطرق كلاسيكية، لا تأخذ بالتجديد أو البعد المستقبلي للاقتصاد الوطني، الذي يجب أن يوفّر البدائل عن الثروة النفطية.
ويرى أبو المعالي أن على الحكومة أن تهتم بتطوير البحر لسببين، الأول ترفيهي لأنه يكون متنفساً للعائلات التي تبحث عن متنفس غائب وسط واقع صعب، والثاني اقتصادي من خلال المردود المالي من زيادة الثروة السمكية، والصناعة الوطنية والزراعة بكل أصناف التمور، إضافة الى الخدمات المالية المصرفية، التي تؤدي إلى استقرار الأسعار وزيادة في العملة الأجنبية.

المساهمون