باسل خليل: أريد للعالم أن يرى غزة على حقيقتها

11 اغسطس 2024
صُوّر الفيلم في شمال فلسطين المحتلة (Getty)
+ الخط -

في حوار مع "العربي الجديد" يتحدث المخرج باسل خليل عن فيلمه "أسبوع غزاوي" الذي يستعرض حياة أهالي غزة من زاوية مختلفة، تجمع بين السخرية والواقع المرير. يدور الفيلم حول فيروس قاتل يجتاح إسرائيل، ما يجعل من غزة الملاذ الأكثر أماناً في المنطقة، ليقلب المفاهيم التقليدية رأساً على عقب.

يبرز خليل وجهاً آخر لأهالي غزة، ويقدّم للمشاهدين صورة نابضة بالحياة عن شوارع القطاع، حيث الألوان والروح المرحة والعفوية التي تميز سكانها. ويبتعد عن الصورة النمطية لوسائل الإعلام.

يطرح خليل في مقابلته تساؤلات حول قدرة السينما على إحداث التغيير، ويعرض رؤيته لفلسطين، وكيف يمكن للأفلام أن تسلّط الضوء على جوانب جديدة ومغايرة للحياة في غزة، علماً ان الفيلم صوّر قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبدء حرب الإبادة الإسرائيلية.

لماذا قررت تنفيذ هذا الفيلم وما هي الفكرة التي ألهمتك؟

بصراحة خطرت على بالي هذه الفكرة بشكل عفوي عام 2009 عندما كنت في مهرجان كانّ السينمائي خلال اجتماع مع إحدى المخرجات. سألتني حينها عن أفكار لأفلام جديدة، لم أعترف بأنني لم أجهز أي شيء، وفي ثوان عرضت عليها فكرة فيلمي "أسبوع غزاوي" وتعمّدت السخرية من عبثية الحصار، حيث تضطر أن تجثو إسرائيل القوة العالمية العظمى أمام فيروس لا مرئي، لا ينفع معه عنف أو سلاح نووي وتصبح غزة ملجأ أمان.

يظهر الفيلم أن غزة أصبحت المكان الأكثر أماناً في المنطقة. ما هي الرسالة التي تريد إيصالها إلى المشاهدين حول واقع هذه المنطقة؟

أولاً هي رسالة عن الحصار وحثّ الناس على التساؤل، كيف يمكن أن تصبح غزة المكان الاكثر أمناً، بينما هم لا يشاهدون عنها سوى أخبار العنف والقتل والدمار. وثانياً لتحفيز الجمهور الذي لا يعرف أي شيء عن غزة، إلى البحث عن أسباب عزلها، وثالثاً للتعريف بطباع أهل غزة من خلال عرض شخصيات تتمتع بصفات الغزاويين على حقيقتها وليس من منظور الاحتلال.

لماذا اخترت شخصية الصحافي وكيف يظهر الفيلم الأوضاع الصعبة في المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بالصحافة وحرية التنقل؟

اخترت شخصية صحافي أجنبي، لأنّ الصحافيين موجودون في إسرائيل بكثرة، ويشهدون على ما يحدث على أرض الواقع. بيد أنّهم لا يعبّرون عن آرائهم الخاصة، بل يتحدّثون وفق سياسة المؤسسة التي يعملون فيها، يعني أنّ أغلبهم لا يشعر بالانتماء إلى دولة إسرائيل، وهم على استعداد للرحيل عنها بأي وسيلة وأي ثمن في حال واجهوا خطراً بما في ذلك انتشار المرض. يمكننا أن نلاحظ في الفيلم نوعاً من الكوميديا، حول صديقة الصحافي، الإسرائيلية بعد أن تصبح أولويته الحفاظ على سلامته الشخصية. وفي الواقع لا يوجد في الفيلم ما هو أعمق من هذه الفكرة حول الصحافة أو أبعاد إضافية، بل مجرد تسليط الضوء على شخص خارج إطار الاحتلال ولا أحكام مسبقة لديه عن غزة.

كيف يتعامل الفيلم مع مسألة الحصار الإسرائيلي على غزة؟

الفيلم يظهر معظم جوانب الحياة في غزة، يبرز ذلك على سبيل المثال عند اضطرار الصحافي وصديقته إلى دخول الأنفاق وانقطاع الكهرباء وتساؤلات عن توفر الشموع من عدمه وتعطل الثلاجة باستمرار وتلوث المياه والبكتيريا. جميعها ظروف ناجمة عن الحصار، حيث تمنع إسرائيل استيراد العديد من السلع، وهو ما يدفع الناس إلى إصلاح الموجود وإعادة استخدامه وتدويره. وبكل بساطة يشعر المشاهد بهذه الأمور من دون إطلاق شعارات مباشرة، بل تظهر في الخلفية والديكور.

كيف حققت التوازن بين تسليط الضوء على القضايا السياسية والاجتماعية في الفيلم من دون تحيز؟

الفيلم لا ينحاز إلى أجندة معينة، لأنني وضعت الشخصيات في مواقف يتأثر كل من حولهم بنتائجها. فمن الناحية الاجتماعية، نرى ذلك من خلال تصرّف الزوج بغباء ومن دون استشارة زوجته التي يبدو أنّها أذكى منه، ومع أنّها في مجتمع تحكمه تقاليد معينة، نراها تتسلم زمام الأمور حين تصل الأحداث إلى حدّ يشكل خطراً على العائلة.
ومن الناحية السياسية، نرى كيف يتعامل الجميع مع الفلسطينيين كأنّهم أشخاص مشتبه بهم، بينما يسلط الفيلم الضوء عليهم بوصفهم أناساً مثل غيرهم من البشر تماماً، يتمتعون بطبيعة مرحة وجميلة ومجنونة أحياناً وبينهم الطيبون والسيئون.

ما هي التحديات التي واجهها الفريق أثناء التصوير في غزة، وكيف تم التغلب عليها؟

لم نصوّر الفيلم في غزة، بل في شمال فلسطين المحتلة في حيفا والقرى المحيطة بها، وذلك كان في بداية عام 2020، يعني بداية انتشار فيروس كوفيد 19، لذلك اضطررنا إلى الفرار خلال فترة التصوير بعد إغلاق البلاد وتوقفنا لعام كامل تقريباً، كما توقفنا بعدها بسبب قوانين الحجر والإغلاق التي راحت تتغير كل فترة إلى أن قررنا أن نكمل التصوير في الأردن. كان هذا التحدي الأكبر، كوننا اضطررنا من جهة إلى العمل على مطابقة المواقع، ومن جهة أخرى ازداد وزن بعض الممثلين وخسر آخرون وزنهم. علاوة على ذلك، خشينا من سحب التمويل بعد أن تعطلنا عن التصوير لفترة طويلة.

كيف ترى تفاعل الجمهور مع هذا النوع من المشاريع السينمائية؟

لاحظت ردود أفعال إيجابية بعد مشاهدة الفيلم في أماكن عدة، فهناك من قال: "أخيراً استطعنا أن نرى أهل غزة على طبيعتهم". أما الغزاويون فقال بعضهم: "هذه روح الدعابة لدينا، فهذا يشبه خالي أو جاري أو أختي". وذلك لأني لم أصوّرهم، كشعارات أو شهداء أو ضحايا أو أرقام، بل أشخاص لديهم أسماء ويتمتعون بشخصيات مرحة، تضحك وتحب وتخلص وتسرق وتغش، ببساطة أشخاص طبيعيون. وهذه هي رسالة الفيلم، إلى جانب أنها قصة كوميدية يمكن أن تحدث فقط في غزة بسبب الحصار.
أردت أن أقول للعالم إن لدينا قصصاً كثيرة تتجاوز إطار المعاناة، وإنه يمكن لأفلامنا أن تجذب الأوروبي والصيني وأي شخص من أي جنسية أو عرق في العالم. أردت أن يصبح للأفلام الفلسطينية سوق، من خلال تبديل ذلك الاعتقاد السائد حولها، الذي عادة ما يتّسم بالبؤس.

ما الأمور التي تأمل أن يتذكرها الجمهور بعد مشاهدته للفيلم؟

أود أن يرى الجمهور الجانب الجميل لغزة في ظل ما يحدث اليوم، وأن يساعد في دعم أهلنا في غزة لاستعادة ابتسامتهم وأمنهم. كذلك ألفت إلى أنّ الفيلم يحمل رسالة قوية عن النسوية وقوة المرأة في العالم العربي وذكائها، حيث نشاهد خلال أحداث الفيلم وفي مرحلة ما أن النساء هنّ من يتحكّمن في مجرى الأمور بحنكة ووفق الحدود التي يرسمها لهنّ المجتمع.

المساهمون