شرعت الحكومة المحلية في محافظة ذي قار، 350 كيلومتراً جنوبي العراق، ببناء مشروع مركز لحوار الأديان، يضم دور عبادة للديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والصابئية، إلى جانب قاعة ومنتدى لحوار الأديان في مدينة أور الأثرية، إحدى أهم المناطق الدينية الأثرية في البلاد.
المركز، وفقاً لمسؤولين عراقيين، سيضم دور عبادة للديانات الأربعة، وعلى مساحة تقدر بأكثر من 10 آلاف متر مربع. ويأتي المشروع ضمن برنامج لإنعاش وإحياء مدينة أور الأثرية، ضمن خطة أطلقتها الحكومة بعد زيارة البابا فرنسيس إلى العراق في مارس/ آذار 2021، وهي الزيارة البابوية الأولى إلى العراق، وأول زيارة لحبر أعظم.
في يوليو/ تموز من العام الماضي، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي عن الموافقة على إنشاء مركز لحوار الأديان في مدينة أور الأثرية. ويتحدث مساعد محافظ ذي قار لشؤون التخطيط غسان الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، عن مباشرة الحكومة المحلية بمنح أحد المستثمرين رخصة بناء أول كنيسة ضمن موقع مركز حوار الأديان في مدينة أور الأثرية. ويضيف الخفاجي: "المشروع يمتد على مساحة تصل إلى 10 آلاف متر مربع ضمن المرحلة الأولى له". ويلفت إلى أنه موقع العمل سلم للمستثمر قبل أيام، مع استمرار عمل إحدى الشركات المتخصصة في تشييد البنى التحتية (الماء والمجاري والطرق).
وحول دور الحكومة المحلية، يشير الخفاجي إلى أن بدايات المشروع جاءت بعد موافقة إدارة المحافظة على التصميم المقدم من المكتب الاستشاري المكلف بإعداد التصاميم لمتطلبات المدينة السياحية في مدينة أور الأثرية. ويقول: "العمل ما زال مستمراً لوضع مخطط أساس لمدينة أور السياحية، وسيكون بجوار مدينة أور الأثرية، حسب محددات يونسكو، وقد اختارت أربعة، سيتضمن الأول مجمعاً لحوار الأديان، يشمل موقع كنيسة وجامعا وقاعة رابطة بين الموقعين، ليكون مركز المدينة السياحية".
يعرب رجال دين مسيحيون عن أملهم بأن تعزز هذه البرامج والمبادرات التلاحم والتقارب بين أبناء الوطن من مختلف الديانات، وأن يجمعهم الوطن وعبادة الخالق. وبحسب الأب مارتن، وهو رجل دين مسيحي من محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، فإن البلاد بحاجة إلى "تعزيز أواصر التلاقي والارتباط بين أبناء الوطن، كي نجتمع تحت مسمى عراقي واحد، آملين أن يكون مشروعاً لتوحيد الأديان، وهذه المبادرة هي مفتاح الوصول لذلك".
ويشير مارتن في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هنالك من عمل في السنوات الماضية على تهديم أواصر الترابط بين العراقيين ووضعهم في تقسيمات دينية وطائفية، احتاجت منا نحن رجال الدين خطوات حقيقية على أرض الواقع لإعادة التلاحم. كما أنّ زيارة البابا فرنسيس إلى العراق كانت نقلة مهمة لتوحيد الأديان". ويضيف: "هذا المشروع تزامن معه إطلاق مشاريع لجمع الأديان تحت هدف واحد. ومن بين هذه المشاريع المهمة إنشاء مركز لحوار الأديان، يضم معابد الديانات المختلفة، إذْ ندعم إكمالها ونأمل بأن تساهم بشكل جدي وواضح في إعادة أواصر الترابط بين أبناء الوطن، وأنْ تكون مكاناً للوحدة، وتبنّي أفكار تعمل على توحيد وإصلاح المجتمع".
ويرى باحثون ومختصّون في مجال حوار الأديان أن هذا المشروع هو "تعويض لما تعرضت له دور العبادة من هدم واستهداف وتمزيق العلاقات الاجتماعية". وفي هذا الإطار، يقول أحمد عبد الحسين، وهو باحث في مجال حوار الأديان وعضو في منظمة مهتمة بحريات الأديان، إنه "لا بد من أن يكون هنالك مكان تنطلق منه الوحدة، لا مكان للتفرقة وإشاعة القتل واستهداف أبناء الوطن كما كان يحصل. إذْ سيكون مهماً جداً أن يتوحد الخطاب، ويُنبَذ التطرف".
ويضيف عبد الحسين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه في وقت سابق كانت مساجد وكنائس قد تعرضت للهدم والاستهداف من قبل جماعات إرهابية متخذة فكراً وخطابًا متطرفًا. لذلك، "فإنّ بناء مجمع يضم الديانات سيكون ردًا مهما ضد الجماعات الإرهابية المتطرفة وتعويضًا عما لحق بكل دور العبادة المستهدفة. ففي كثير من مؤتمرات الحوار، كان الجميع يتحدث عن الوحدة وتوحيد الخطاب ومشاركة العبادات بشكل موحد، وكثيراً ما تمت الدعوة، بل وأقيمت صلوات موحدة في المساجد والكنائس. عند اكتمال هذا المشروع سيجتمع العراقيون بمختلف دياناتهم في هذا المكان الموحد".