حضرت منى زكي بقوة في الدراما الرمضانية لهذا العام، بل يمكن اعتبار المسلسل الذي أدت فيه دور البطولة أحد أفضل الأعمال ("تحت الوصاية"، تأليف خالد دياب وشيرين دياب، وإخراج محمد شاكر خضير). بُث العمل في النصف الثاني من الموسم (15 حلقة)، في ظاهرة يبدو أنها تتكرّس تحت تأثير النمط الجديد من الأعمال الدرامية التي تنتجها المنصات الرقمية، وتتميّز بالقِصر في عمومها. وقد شهدنا هذا العام كماً كبيراً من مسلسلات الـ 15 حلقة، وتكاد تكون نصف إنتاج هذا العام، ومنها "الهرشة السابعة"، و"كامل العدد"، و"حضرة العمدة"، و"تغيير جو".
قدّمت منى زكي ما يمكن وصفه بواحد من أهم أدوار عمرها في "تحت الوصاية"، ونموذجاً مضاداً لـ"صورة البطلة" في الدراما العربية، التي يُراد لها أن تُعمّم في أعمال درامية منفصلة عن شواغل الحاضر. متعالية في فقاعة طبقية لا تتوفر إلا في مجتمعات الوفرة المالية، وأصبح كثير منها يُنتَج لممثل بعينه أو ممثلة تظهر ثرية غالباً، بملامح جعلتها جراحات التجميل وحقن النفخ أشبه بنجمات الدراما الأميركية التجارية. وتوحش الأمر في الدراما اللبنانية أو اللبنانية-السورية المشتركة، فإذا بنا أمام نساء جميلات بملابس تكشف ثلاثة أرباع صدورهن طيلة ثلاثين حلقة، وينثرن المال كيفما اتفق، بل ويقتلن وينتقلن عبر الدول وداخلها بسيارات دفع رباعية.
على خلافهن، تقدم منى زكي دور امرأة من طبقة شعبية في الإسكندرية. يموت زوجها مخلفاً لها صبياً وطفلة صغيرة، ومركب صيد لا تستطيع إدارته بسبب قانون الوصاية الذي يمنع الأرملة من التصرف بميراث أبنائها، فلا تجد حلاً أمامها سوى تهريب المركب إلى دمياط وإدارته والعيش هناك.
القصة بسيطة والأحداث قليلة، لكنها مشحونة ومكثفة درامياً، وبناء الشخصيات بالغ الذكاء، فليس ثمة شرير أو طيب في المطلق (تطور شخصيات العاملين معها في المركب من العداء إلى الحب والتضامن، وتغيّر موقف شقيق زوجها في آخر حلقة). أما أداء منى زكي نفسه فكان مدهشاً بالمقارنة مع أداء بقية زميلاتها الممثلات في الموسم نفسه، باستثناءات نادرة، منها كاريس بشار في "النار بالنار"، رغم الثرثرة التي ضربت المسلسل في مقتل. يذكرنا أداء زكي، بممثلات وممثلي الحقبة الذهبية من الدراما المصرية، التي كان أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ أبرز نجومها.
بهذا، تنتمي زكي وتالياً "تحت الوصاية"، إلى تلك الحقبة التي تُعلي من شأن الواقع حتى لو كان خشناً، على حساب التهويمات الدرامية التي أصبحنا نشاهدها في السنوات الأخيرة، فأصبحنا لا نعرف أين تدور أحداث المسلسل ولا حتى قصته، فالأهم هو وسامة الرجال وجمال النساء والثروات التي يتنعمون فيها داخل مجمعات سكنية فاخرة، بلا هوية ولا معنى.
يعيد المسلسل الاعتبار إلى الحياة التي يعرفها المشاهد، وإلى مفهوم البناء الدرامي الذي أُطيح به بضربة واحدة في مسلسلات الفقاعة الطبقية، والأخرى الماراثونية التي لا نعرف متى تنتهي، وللنموذج الذي اعتقد كثير من المنتجين والمخرجين وكتاب السيناريو أنه مطلوب ويشكل مستقبل الدراما العربية، وأقصد ذلك الذي أشاعته منصة نتفليكس، بل وكانت وراء بعض الأعمال المطابقة له بالعربية.
ولعلها فرصة يوفرها نجاح "تحت الوصاية" لشركات الإنتاج خصوصاً، لإعادة النظر في ما يعتبرونها بديهيات، ومنها أن النجاح التجاري للعمل الدرامي رهن بوجوه محددة، بممثلات بشفاه منفوخة وملابس مكشوفة، وأحداث تُرتجل ومسدسات تعبأ ويُطلق منها الرصاص كيفما اتفق؛ وهذا يقتضي بداهة إيلاء السيناريوهات الأهمية التي تستحق ككتابة إبداعية، وليس الاستسلام لابتزاز بعض النجوم، وهم ليسوا بذلك، فتُمط الأحداث من أجلهم، وتُنفق الأموال على ملابسهم وفرق العمل المساعدة لهم، في دراما لا قصة فيها أو تتضمن عشرات القصص التي لا معنى لها.
ظهرت منى زكي كأي امرأة نعرفها، بلا مكياج طيلة الـ 15 حلقة، بأداء رائع شمل حتى ارتجاف شفتها السفلى من الغضب والإحباط، أو مشيتها الخائفة السريعة لامرأة صغيرة وهي تهرب من مبنى المحكمة.
امرأة تشبه نساء حياتنا. جذبنا دورها الذي لم ترتد فيه نظارة شمسية ولم تركب سيارة حديثة معتمة النوافذ، بملابس تكشف ثلاثة أرباع جسدها، ولم تجذبنا وحسب بل جعلتنا نحبها كأنها واحدة من أفراد أسرنا الصغيرة، ونتعاطف مع قضيتها وعنادها الذي لم تكسره قوانين الوصاية أو سواها.