"الهيبة" في جزئه الخامس: تهميش الواقع العربي والاستهانة بالإرهاب

13 نوفمبر 2021
من كواليس تصوير "الهيبة: جبل" (تيم حسن/فيسبوك)
+ الخط -

قبل عام، كلفت شركة الصبّاح للإنتاج الكاتب السوري فؤاد حميرة كتابة وختام الجزء الرابع من مسلسل "الهيبة"، بعد انتقادات واجهت المسلسل بعد الجزء الأول (2017). رأت الشركة أن بإمكان صاحب "غزلان في غابة الذئاب" (2006) أن يتلقف الكرة مجدداً ويبعث التشويق المطلوب لمواجهة كل الانتقادات التي اعترضت نجاح المسلسل في الجزأين الثاني والثالث. لكن بعد أشهر من تكليف حميرة، أقصِيَ هذا الأخير عن عمله بطلب من المخرج سامر البرقاوي الذي لم يعجب بسرديته واختلف معه بشأن النهاية، بعد أن قرر الكاتب مقتل "جبل شيخ الجبل" (تيم حسن) وإنهاء السلسلة بموته.

كلف سامر البرقاوي ورشة كتّاب للقيام بإنهاء السيناريو المفترض للجزء الرابع، وخرج بيان من شركة الصبّاح يؤكد على الصداقة التي تجمع الشركة والكاتب فؤاد حميرة، كنوع من حفظ ماء وجه الكاتب، وكذلك فعل حميرة نفسه، وأعلن في رد مقتضب عن محبته للشركة والصداقة الطويلة التي تربطه بأسرتها.

تُركت ساحة وحكاية "الهيبة" للمخرج سامر البرقاوي، فهو بحسب الشركة "المؤتمن" على النجاح، كونه وقع الأجزاء الثلاثة الأولى، ويدرك تماماً ما الذي يريده. الواضح أن المخرج سامر البرقاوي متأثر جداً بحكايات ومسلسلات غربية لاقت نجاحاً لافتاً، وهو مدمن مشاهدة هذه الأعمال، لا بل يعمل على استنساخ مجموعة من المشاهد وإضافتها إلى أحداث "الهيبة". ليس سراً أن مشاهد كثيرة استنسخت من مسلسل الجريمة الأميركي- الإسباني "ناركوس" الذي عرضت منصة "نتفليكس" موسمه الأول في 2015.

ثمة أسئلة مُلحة اليوم على صناع ومنتجي العمل. هذا الجزء الخامس "الهيبة: جبل" من تاليف سيناريو وحوار: سامر نصر الله، وطارق عبده، ومحمد الحمصي، ويزن طربيه، ووسيم قزق، ومساهمة درامية عصام بو خالد وسعيد سرحان. الأسئلة تخرج عن كونها مجرد دلالات، وتسجل رسائل كثيرة في الإنتاج لإسقاط أو استغلال أحداث واقعية، في سبيل التسويق التجاري، وتبني أو عرض ظاهرة الإرهاب، متمثلاً هذه المرة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهذا ما يتنافى تماماً مع إشارة الشركة بداية كل حلقة إلى أن "أحداث المسلسل هي من وحي الخيال ولا تمت للحقيقة والواقع بصلة". مجرد تبرؤ "شكلي" يعفي الشركة من أي مساءلة قانونية فقط.

في مايو/أيار 2018، تقدم 22 محاميأً لبنانياً برفع دعوى قضائية متهمين صناع مسلسل "الهيبة" وفرق العمل بـ"النيل من هيبة الدولة"، و"إضعاف الشعور القومي"، و"التشجيع على مخالفة النظام العام"، و"التشهير بسمعة منطقة بعلبك والهرمل"، كونها "معنية" أو تمثل جغرافيا القرى الحدودية بين لبنان وسورية، وتقديمها ضمن قالب إجرامي خارج عن القانون. وأحال النائب العام التمييزي، القاضي سمير حمود، البلاغ إلى قسم المباحث الجنائية المركزية، للتحقيق بشأن التُهم الموجهة للمسلسل. ورداً على مطالب وقف المسلسل، صرحت الشركة اللبنانية المنتجة للمسلسل "صباح إخوان"، بأن هؤلاء المدعين لم يطلعوا على الملاحظة التي كتبت في بداية المسلسل، وهي أن شخصياته خيالية ولا تمت للواقع بصلة.

لكن اليوم، وأمام الجزء الأخير من المسلسل، يختلف المسار، نحن فعلاً أمام مواجهة بطل السلسلة "جبل شيخ الجبل" التنظيم الإرهابي (داعش) بعد عبوره جرود الحدود اللبنانية السورية، وشرائه أسلحة وذخائر متوسطة وثقيلة من قبل المهربين، ومنهم ابن عم جبل "شاهين" (عبدو شاهين) الذي يعود فينقلب ضد قائد "الهيبة " ومحركها "جبل،" في إطار من المنافسة على تولي الزعامة.

يبدأ المسلسل في الحلقات الأولى باستقدام هيئات وجمعيات المجتمع المدني كنوع من محاكاة "الواقع"، إذ تنشئ منى شيخ الجبل (روزينا لاذقاني) تعاونية خاصة بمساعدة العائلات المستورة، وتؤكد أن الدعم من مؤسسات المجتمع المدني، فيما تقفل التعاونية بعد تعرض القرية لحريق يأتي على مقتنياتها. توفد "سارة" (إيميه صيّاح) إلى "الهيبة"، كونها ناشطة في جمعيات المساعدة الدولية، لكنها مجرد عميلة لمنظمة تعني بالآثار، إضافة إلى شكوك تثار حولها وعن علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في الحلقة 17 تتعرض منطقة جرود "الهيبة" الافتراضية لقصف بالطيران يقضي على مجموعة متسلحة بالكامل، يكتشف أهل القرى المجاورة ذلك صدفة وكأنهم في عالم آخر، تغيب وسائل الإعلام عن قرى "الهيبة" وجوارها، لا محطات تلفزة، ولا صحف، وانعدام تام لمتابعة مواقع أو منصات التواصل الاجتماعي، وكأننا نشاهد حروباً وقعت في العصر الحجري، لكن أبطالها هم حقيقة واقعية متمثلة بتنظيم إرهابي همه الوحيد المال والقتل، وسرقة الآثار من الأراضي السورية وبيعها في سبيل تأمين السلاح وقطع الطرقات والاعتداء على الناس.

محاولة تسخيف غير مكتملة العناصر في طرح ومواجهة شرسة مع تنظيم إرهابي يخافه سكان "الهيبة" لكنهم لا يعرفونه، وحده "جبل شيخ الجبل" يريد فك اللغز وربط المواجهة بكيفية حصول التنظيم على هذا السلاح الثقيل الذي يكتشفه بنفسه بعد الغارة وضرب معقل "داعش".

تنعدم الواقعية الكاملة في الطرح والمشاهدات، وتحصر المشكلة في تباين أو خلاف "أولاد العم" بعيداً عن ذيول أو تداعيات سيطرة التنظيم على الجرود. وهذا بالطبع يعتبر سقطة كان بالإمكان تفاديها والعمل من منظور ينقل الصورة كاملة بعيداً عن غزوة "البطل" الذي لا يقهر والذي ربما ينتصر نهاية على هذا التنظيم أمام غياب تام للأمن ووسائل الإعلام عن المواجهة.

لا ريب أن المشكلة في "الهيبة: جبل"، الجزء الخامس والأخير، لا تقتصر على استغلال حدث أمني بهذا الحجم، وتقارع "ِشهرة" التنظيمات الارهابية وتسويقها، على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً لهذه الطروحات في عالم الدراما. الفشل الذريع دفعت ثمنه محطة "إم بي سي" من قبل في مسلسل "غرابيب سود" الذي طرح إشكالية القوى الإرهابية في عز المواجهة لهذا التنظيم، وسقط المسلسل سقوطا مدوياً، ما اضطر المحطة إلى توقيف عرضه بعد الحلقة 20. و"إم بي سي" اليوم شريكة في إنتاج "الهيبة"، وتتمتع بأسبقية العرض الحصري.  

واجه النص والطرح معاً إشكاليات أخرى، تمثلت في تعيين مهندس سوري لمشروع سد مياه يقع في لبنان، من دون أي مبرر سوى أن "وديع" (عبد المنعم عمايري) مجرد عميل مزدوج بين التنظيم الإرهابي "داعش" وبين تجار السلاح، ويعمل على بث التفرقة في القرية لمصلحة "الختيار" آخر رجال المافيا التي تلاحق "جبل" منذ الجزء الأول إلى اليوم.

المساهمون