بدأت مقاهي الإنترنت تختفي تدريجياً في موريتانيا، خلال السنوات الأخيرة، في تبدّل واضح بفعل تطورات أدوات الرقمنة، ممثلة بالانتشار السريع للأجهزة الذكية والإقبال المتزايد عليها.
الانتشار الكبير للهواتف الذكية في موريتانيا تسبب في عزوف الموريتانيين عن ارتياد مقاهي الإنترنت التي كانت حتى وقت قريب نافذة مئات الآلاف على العالم، وبات معظم الشباب ينظرون إلى مقاهي الإنترنت على أنها جزء من الماضي.
وحتى نهاية العقد الأخير من القرن الماضي، كان إطلاق تسمية "المنتبذ القصي" على موريتانيا لا ينطوي على كثير من المبالغة، بما فيها العاصمة نواكشوط التي كانت تفتقر إلى خدمات الهاتف المحمول والإنترنت.
أحمد ولد محمد فال من سكان نواكشوط يقول: "كنت أمضي ساعات طويلة في أحد مقاهي الإنترنت وسط نواكشوط، أتصفح الإنترنت، وأتابع جديد الأخبار، وأجري مراسلاتي عبر البريد الإلكتروني، لكن مقاهي الإنترنت بدأت تختفي".
وانتقل معظم رواد المقاهي إلى الأجهزة الذكية المربوطة بشبكات "الجيل الثاني" و"الجيل الثالث" للإنترنت (2G - 3G).
وفي وقت بدأت بلدان تطبيق تقنية "الجيل الخامس" لخدمات الإنترنت، فإن الحكومة الموريتانية أعلنت سابقاً أنها تتحضر لإطلاق خدمات "الجيل الرابع" خلال 2021.
ويضيف ولد محمد فال في حديث لوكالة "الأناضول": "تكلفة ساعة من تصفح الإنترنت في مقهى نحو 200 أوقية (أقل من دولار واحد)، وهذا المبلغ يمكن أن يوفر لك الإنترنت على هاتفك لنحو ساعتين تقريباً، حسب نوعية الاستخدام".
اضطر العديد من ملاك مقاهي الإنترنت في البلاد إلى إغلاق محالهم التجارية، أو تحويل استثماراتهم في هذا المجال إلى مشاريع أكثر رواجاً. يقول الفتح ولد أحمد، وهو مالك مقهى إنترنت سابق، إن أغلب ملاك مقاهي الإنترنت اضطروا إما إلى إغلاقها أو تحويلها إلى مشاريع أكثر ربحاً.
ويضيف لـ"الأناضول" أن كثيرين من ملاك المقاهي حولوا محلاتهم إلى متاجر لبيع المعدات المدرسية أو الهواتف النقالة أو أجهزة الكومبيوتر المحمول، وغيرها من المشاريع التي تلقى رواجاً. ويشير إلى أنه "قبل سنوات قليلة، كانت المقاهي رائجة جداً وتعج بالزبائن، لكن انتشار وسائل الاتصال بهذه السرعة أصابها بالشلل والكساد".
ويتابع: "بدأت مقاهي الإنترنت تختفي تدريجياً، بل إن عدد مقاهي الإنترنت في نواكشوط، كبرى مدن البلاد، بات يعد على أصابع اليد".
وعلى الرغم من قرار غالبية ملاك مقاهي الإنترنت إغلاق محالهم، أو تحويلها لاستثمارات أخرى، لا تزال بعض المقاهي في نواكشوط صامدة وتصارع للبقاء. لكن أصحابها باتوا يعتمدون في الأساس على تقديم خدمات أخرى كالطباعة والسحب وغيرها، لتعويض النقص الكبير في عدد الزبائن.
ويقول عدد من ملاك المقاهي إن غالبية زبائنهم هذه الفترة من طلبة الجامعات الراغبين في طباعة بحوثهم ومقرراتهم الدراسية.
ووفق أرقام رسمية، بلغ عدد المشتركين في الهاتف (النقال والثابت) سنة 2019 في موريتانيا 4.7 ملايين مشترك نشط، ما يعني أن عدد المشتركين في الهاتف يتجاوز عدد السكان البالغ 4 ملايين نسمة. فيما بلغ عدد المشتركين في خدمة الإنترنت في الفترة نفسها 2.5 مليون مشترك نشط، بحسب معطيات سلطة تنظيم الاتصالات الحكومية.
(الأناضول)