بدأت نيودلهي بتسليط أصابع الاتهام نحو الغرباء والقوى الخارجية التي تحاول تدمير البلاد، ثم توالت شكاوى الشرطة ضد قادة الاحتجاجات، وشنت حملة لاعتقال المتظاهرين والصحافيين، وحجبت أخيراً شبكة الإنترنت.
قطعت السلطات الهندية خدمات الإنترنت عن عدد من المناطق المحيطة بنيودلهي يوم السبت الماضي، بعد أن بدأ مزارعون إضراباً عن الطعام لمدة يوم واحد احتجاجاً على القوانين الزراعية الجديدة، في أعقاب اشتباكات مع قوات الأمن استمرت أسبوعاً وخلّفت قتيلاً ومئات الجرحى. كما قيدت الحكومة الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول في مواقع الاحتجاج حتى مساء الثلاثاء. وكثيراً ما تقطع السلطات الهندية خدمات الإنترنت عندما ترى احتمالية وقوع اضطرابات، وإن كانت هذه الخطوة غير معتادة في العاصمة.
وفي حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، شبّه البروفيسور في "جامعة برنستون"، جيان براكاش، الإجراءات الأخيرة بحالة الطوارئ في السبعينيات، حين قيدت رئيسة الوزراء حينها أنديرا غاندي الحريات المدنية وسجنت المعارضين السياسيين وأغلقت وسائل الإعلام. لكنه أشار إلى أن ما يقدم عليه حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي "أشد وأكثر إضراراً بما تبقى من الديمقراطية في الهند".
فعلى القنوات التلفزيونية يختار النقاد كلماتهم بعناية لتجنب الإدلاء ببيان مسيء. ولا يزال الممثل الكوميدي الساخر منور فاروقي في السجن منذ الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، ومحروماً من الإفراج عنه بكفالة، بسبب مزحة لم تثبت الشرطة إلى الآن أنه أطلقها. وأحيل الصحافيون والسياسيون المعارضون إلى المحكمة، بسبب تغريدات وصفتها السلطات بأنها "مضللة" أو بسبب التقارير التي طعنت في رواية الحكومة للأحداث.
في أوتارانتشال، وهي ولاية يديرها حزب مودي، قال قائد الشرطة إن قواته ستراقب وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن منشورات "معادية للوطن"، ويمكن رفض طلبات جواز السفر لأي شخص نشر مثل هذا المحتوى. في ولاية بيهار التي يقودها حليف لمودي، قالت الشرطة إنها ستمنع تقدم الأشخاص إلى الوظائف الحكومية إذا تبين أنهم شاركوا "في أي حالة من حالات الإخلال بالقانون والنظام، والاحتجاجات...".
ويوم الإثنين فوجئ رئيس تحرير مجلة "ذا كارافان" الاستقصائية، فينود كيه. جوزي، بحظر حسابها على موقع "تويتر". وسارع صحافيون وناشطون وحقوقيون إلى استنكار ما أقدمت عليه شركة "تويتر" التي بررت قرارها بتسلمها "طلباً قانونياً صالحاً" من السلطات الهندية. وأفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن المئات من حسابات "تويتر" الهندية، وبينها تلك الخاصة بالمواقع الإخبارية والناشطين واتحاد المزارعين، علقت يوم الإثنين. وأعيد تفعيل بعضها، مثل "ذا كارافاران"، لاحقاً. وواجه تسعة صحافيين على الأقل، الأسبوع الماضي، اتهامات تتعلق بتغطيتهم لاحتجاجات المزارعين.
ويوم الثلاثاء أغضبت نجمة البوب رِيانا الحكومة الهندية وأنصار حزب مودي، بعدما ربطت مقالاً إخبارياً في تغريدة للفت الانتباه إلى احتجاجات المزارعين. ومن دون ذكر رِيانا وآخرين ممن تبعوا دعواها، قالت وزارة الخارجية الهندية في بيان نادر، يوم الأربعاء، إنه "من المؤسف أن نرى جماعات المصالح الخاصة تحاول فرض أجندتها على هذه الاحتجاجات، وتحاول إخراجها عن مسارها".
why aren’t we talking about this?! #FarmersProtest https://t.co/obmIlXhK9S
— Rihanna (@rihanna) February 2, 2021
وسارع فنانو بوليوود ونجوم الرياضة الذين التزم الكثير منهم الصمت طويلاً بشأن احتجاجات المزارعين، والمعروف عنهم التزامهم بخط الحكومة، إلى التغريد بصوت واحد، عبر وسوم مثل "الهند ضد الدعاية" و"الهند معاً"، مرددين موقف الحكومة بشأن قوانين الزراعة، وطلبوا من الأشخاص خارج الهند عدم التدخل في شؤون بلادهم.
وعلق زعيم حزب المؤتمر المعارض الرئيسي، شاشي ثارور، أن الضرر الذي أصاب صورة الهند عالمياً جراء "السلوك غير الديمقراطي" للحكومة لا يمكن استعادته عبر تغريدات المشاهير. وأضاف عبر "تويتر" أن حث الحكومة "المشاهير الهنود على الرد على نظرائهم الغربيين أمر محرج". وانتقد وزير المالية السابق، بالانيابان تشيدامبارام، وزارة الخارجية الهندية، ووصف بيانها بـ"رد فعل صبياني".
يعمل في القطاع الزراعي في الهند نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، وتعتبر الاضطرابات بين ما يقدر بنحو 150 مليون من المزارعين المالكين لأراض من أكبر التحديات أمام حكومة مودي منذ توليه السلطة في 2014. وفشلت 11 جولة من المحادثات بين النقابات الزراعية والحكومة في حل الأزمة. وعرضت الحكومة تعليق القوانين 18 شهراً، لكن المزارعين يقولون إنهم سيواصلون الاحتجاج إلى أن تُلغى تماماً.
تحولت احتجاجات المزارعين السلمية إلى أعمال عنف في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما انحرف قسم من عشرات الآلاف من المزارعين الذين يركبون الجرارات عن طريق الاحتجاج المحدد سابقاً مع الشرطة، واقتحموا القلعة الحمراء التي تعود إلى القرن السابع عشر. وأصيب المئات من رجال الشرطة وقتل متظاهر. كما أصيب عشرات المزارعين، لكن المسؤولين لم يذكروا أعدادهم.