استمع إلى الملخص
- إريك فرانك يصف السلوك بأنه يعكس نظام رعاية طبية متطور يضاهي النظام البشري، مشيرًا إلى أهمية العلاج والبتر في بقاء النمل الذي يعيش في بيئات تزيد من مخاطر الإصابة.
- قرار البتر يعتمد على تدفق اللمف الدموي، مع الإصابات العلوية للساق تسمح ببتر فعال، ويتم تنظيف الجرح ووضع إفرازات غدية عليه، مما يعكس استراتيجية تطورية للحفاظ على الموارد وإعادة تأهيل المصابين.
أظهر بحث جديد أن نوعاً من النمل يجري عمليات بتر أطراف لرفاقه المصابين لتحسين فرص بقائهم على قيد الحياة. ورُصد هذا السلوك لدى النمل الحفار في فلوريدا، واسمه العلمي كامبونوتوس فلوريدانوس، وهو نوع بني يميل للحمرة يبلغ طوله أكثر من نصف بوصة (1.5 سنتيمتر)، ويسكن بعض مناطق من جنوب شرق الولايات المتحدة.
ولاحظ الباحثون أن هذا النمل يعالج الأطراف المصابة لرفاقه إما عن طريق تنظيف الجرح باستخدام أجزاء من الفم أو عن طريق البتر بقضم الطرف التالف. ويعتمد اختيار نوع الرعاية على موقع الإصابة. فحين تكون الإصابة الشديدة في أعلى الساق، يتم البتر دائما. وحين تكون الإصابة في الأسفل، فإن الساق تخضع للعلاج دوما.
وصرح عالم الحشرات إريك فرانك، من جامعة فورتسبورغ في ألمانيا، وهو رئيس فريق البحث الذي نُشر اليوم الثلاثاء في دورية كارنت بيولوجي: "في هذه الدراسة، نصف لأول مرة كيف يستخدم كائن غير بشري عمليات بتر أطراف فرد آخر لإنقاذ حياته". وأضاف: "أنا مقتنع بأنه يمكننا القول مطمئنين إن نظام النمل الطبي لرعاية المصابين هو الأكثر تطورا في مملكة الحيوان، ولا ينافسه إلا نظامنا".
ويتخذ هذا النوع من النمل من الخشب المتعفن بيوتا ويدافع بضراوة عن بيوته ضد مستعمرات النمل المنافسة. ويقول فرانك: "في حال نشوب معارك، تظهر مخاطر الإصابة". ودرس الباحثون إصابات الجزء العلوي من الساق، أي الفخذ، والجزء الأسفل. وتشيع مثل هذه الإصابات لدى النمل البري من مختلف الأنواع، وتحدث أثناء القتال أو الصيد أو بسبب الافتراس من حيوانات أخرى.
كيف يتخذ النمل قرار البتر؟
ويتحدث فرانك قائلا إن "النمل يتخذ القرار بين بتر الساق أو قضاء وقت أكبر في رعاية الجرح. ولا نعرف كيف يقرر ذلك. لكننا نعرف سبب اختلاف العلاج". ويتعلق الأمر بتدفق اللمف الدموي، وهو سائل يجمع بين اللونين الأزرق والأخضر، وهو المعادل للدم في معظم اللافقاريات.
ويشرح فرانك أن "الإصابات الموجودة في أسفل الساق تؤدي إلى زيادة تدفق اللمف الدموي، وهو ما يعني أن مسببات الأمراض تدخل الجسم بالفعل بعد خمس دقائق فحسب، وهذا يجعل عمليات البتر عديمة الفائدة بحلول الوقت الذي يمكن إجراؤها. أما الإصابات الموجودة في أعلى الساق فيكون تدفق اللمف الدموي فيها أبطأ بكثير، ما يعطي وقتا كافيا لعمليات بتر فعالة في الوقت المناسب".
وفي كلتا الحالتين ينظف النمل أولا الجرح، ويرجح أنه يضع عليه إفرازات من الغدد الموجودة في الفم ويمتص أيضا اللمف الدموي المصاب والملوث. وتستغرق عملية البتر نفسها 40 دقيقة على الأقل، وأحيانا أكثر من ثلاث ساعات، مع عض مستمر في الكتف.
وفي عمليات البتر بعد إصابة الجزء العلوي من الساق، تراوح المعدل الموثق للبقاء على قيد الحياة بين 90 و95 بالمائة، مقارنة بنحو 40 بالمائة للإصابات التي لم تخضع لعلاج. وفي إصابات أسفل الساق التي خضعت للتنظيف فحسب، بلغ معدل البقاء على قيد الحياة نحو 75 بالمائة، مقارنة بنحو 15 بالمائة للإصابات التي لم تخضع لعلاج.
ورُصدت عناية بالجروح لدى أنواع أخرى من النمل، تضع فيها هذه الأنواع إفرازات غددية لها فعالية المضادات الحيوية على مناطق الإصابة. لكن النوع الذي تناولته الدراسة الحالية يفتقر إلى تلك الغدد.
والنمل لديه ستة سيقان وتعمل النملة بكامل طاقتها بعد فقد ساق واحدة. ولوحظ قيام الأنثى بهذا العمل. ويقول فرانك: "جميع أفراد النمل العامل من الإناث. ويلعب الذكور دورا ثانويا فحسب في مستعمرات النمل، فهم يتزوجون الملكة مرة واحدة ثم يموتون".
لماذا يجري النمل عمليات البتر هذه؟
يجيب فرانك: "هذا سؤال شيق ويضع تعريفنا الحالي عن التعاطف موضع شك، على الأقل إلى حد ما. ولا أعتقد أن النمل يتسم بالشفقة". ويتابع: "هناك سبب تطوري بسيط جدا لرعاية المصابين. إنه يوفر الموارد. إذا تمكنت من إعادة تأهيل عامل بجهد قليل نسبيا سيصبح مرة أخرى عضوا منتجا نشطا في المستعمرة، فهناك قيمة عالية جدا للقيام بذلك. وفي الوقت نفسه، إذا أصيب فرد ما بجروح خطيرة، فلن يهتم به النمل، بل سيتركه لحتفه".
(رويترز)