المُخالفة قاعدة في السينما العربية

10 نوفمبر 2021
نادين لبكي ومونيه عقل وصالح بكري: "كوستا برافا" (فيتّوريو تزونينو تشيلوتّو/ Getty)
+ الخط -

مخالفة شرط أو مطلب تُصبح قاعدة يُركَن إليها في السينما العربية. هذا لا علاقة له بالصناعة، بل بمهرجانات وجوائز، وبعض تلك الأخيرة أجنبية، يجهد عربٌ كثيرون إليها، فيُخالفون شرطاً أو مطلباً تضعه إدارة الجوائز لإتاحة فرصة المشاركة في التنافس. مهرجانات عربية عدّة تتخبّط في آليات الإدارة والتنظيم، خصوصاً في مسألتي تشكيل لجان تحكيم واختيار أفلامٍ، العربية منها تحديداً، فالجغرافية غالبةٌ أحياناً، والتوازنات ضرورية، رغم انتفاء هذا، منذ مدة، في مهرجانات عربية عدّة، مع تولّي سينمائيين وخبراء عرب منصب الإدارة الفنية.

المخالفة تُصبح أساسية، عاماً تلو آخر. كلّ تعليق نقدي غير مُفيد، فلا أحد يكترث أو يهتمّ. كلّ نقاشٍ، يريده البعض لتصحيح خطأ، يصطدم بآذان مغلقة، وبعيون مفتوحة على مصالح وعلاقات عامة. كلّ شيءٍ مُباح، فالشرط العربي يقول بضرورة بلوغ أي حيّز في الغرب، وهذا يسمح بتفعيل المخالفة وتثبيتها، بألف حجة ومواربة واحتيال. اختيار سينمائيين عرب في "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها"، التي تمنح جوائز "أوسكار" كلّ عام، يكشف أنّ بعض الغرب يخضع لمفهوم المصالح والعلاقات العامة أيضاً، على حساب السينما أحياناً، أو أنّه جاهلٌ وغير مُطّلع، وكسولٌ أيضاً، لأنّه يُفضِّل الاستسهال على البحث والتأكّد. الغرب غير منتبهٍ إلى أنّ كلّ عامل أو عاملة في صناعة السينما العربية لن يكون، بالضرورة، أهلاً لمنصبٍ كهذا.

تشكيل لجان تحكيم في مهرجانات سينمائية عربية يخضع، غالباً، لهذا المفهوم. آلية الاشتغال في لجان تحكيم عربية تُصاب بأعطابٍ، ولا أحد يريد إصلاحاً أو تغييراً. بعض الاختيارات عطبٌ، فالمُختار غير معنيّ بالسينما، أحياناً عدّة، وإنْ يكن مُشاهداً، بشكلٍ أو بآخر، ولعلّ مُشاهداته حكرٌ على التجاري والاستهلاكي، وعلى ترفيهٍ وتسلية. أساساً، المُشاهدة وحدها غير كافية لجعل المُشاهد خبيراً في صناعة السينما. حاجة مهرجانات كهذه إلى "وجوه" تجذب الناس إليها أهمّ من أي شيءٍ آخر، والجذب غير متحقَّقٍ في دورات عدّة.

غلبة المصالح والعلاقات العامة، عند بعض أعضاء لجان التحكيم، أحد تلك الأعطاب. غياب النقاش يحصل بسبب غلبة الجنسية والجغرافية، فأعضاءٌ عرب في لجان تحكيم يخالفون كلّ شيءٍ من أجل منح جائزة أو أكثر لفيلمٍ ما، انطلاقاً من جنسيته وجغرافيته، اللتين ينتمي هؤلاء إليهما. أكثر من ذلك: إنّهم غير مكتفين بمخالفة كلّ شيءٍ، إذ لديهم قدرة وطاقة على إثارة مشاكل كثيرة لتحقيق المبتغى.

 

 

لجان عربية أخرى، تُشكَّل في هذه الدولة العربية أو تلك، لاختيار فيلمٍ "يُمثّل" هذه الدولة أو تلك في الطريق إلى "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، تعكس عطباً آخر، لن يكون سوؤه أخفّ وطأة. أعضاء فيها يرتبطون مباشرة بأفلامٍ مُرشّحة للاختيار، ونقاشات مسطّحة تهتمّ بالتجاريّ، أو بالأقدر على التسويق الجماهيري، إنْ تكن هناك إمكانية لتسويق تجاري لفيلمٍ عربي في بلدان غربية مختلفة، فتسويق كهذا يرتكز غالباً على جهد منتجين أجانب يُشاركون في الإنتاج. أعضاء آخرون غير مُبالين بأي قيمة سينمائية، فالأهمّ عندهم أنْ يُشاركوا في لعبة المصالح والعلاقات العامة. بعض هؤلاء يُقدِّم نفسه مدافعاً شرساً عن النتاج المحلي، بحجّة "الانتماء الوطني"، من دون أدنى اكتراثٍ أو تنبّه إلى القيمة السينمائية، فيختار الأقلّ قيمة، إنْ تكن هناك أفلامٌ محلية ذات قيمة سينمائية مهمّة تُشارك في التنافس على الاختيار. اختيار كهذا منبثقٌ من جهلٍ أو ادّعاء معرفة أو مصلحة أو علاقات عامة. "الوطنية"، في لحظةٍ كهذه تحديداً، افتراءٌ وتحايل.

الشرط الوحيد الذي تضعه أكاديمية الـ"أوسكار" للفيلم الأجنبي يكمن في ضرورة عرضه التجاري في صالات بلده قبل نهاية موعد محدَّد لإرساله إليها. يحصل في لبنان، مثلاً، ألا يلتزم أحدٌ في وزارة الثقافة، الجهة المخوّلة للاختيار، بهذا الشرط، فتؤلَّف لجان تحكيم، أعضاؤها غير ملتزمين بهذا الشرط، لأنّ المصالح والعلاقات العامة والحسّ التجاري أقوى وأهمّ. تماماً كالحاصل في البلد نفسه: النظام أقوى من الدستور والحُكم والدولة.

اختيار "كوستا برافا" (2021) للّبنانية مونيه عقل (1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) دليلٌ إضافي على أنّ المخالفةَ قاعدةٌ، وعلى أنّ أعضاء لجان التحكيم، وبعضهم مرتبط بالفيلم بشكلٍ أو بآخر، غير مهتمين بشرطٍ أو مطلبٍ، بل بمصالح وعلاقات عامة. فيلم عقل غير معروضٍ تجارياً في صالات بلده، أو ربما معروضٌ لأيام قليلة، خارج الترويج التجاري، وهذا أيضاً افتراءٌ واحتيال لن تهتمّ بهما الأكاديمية الأميركية.

أعطابٌ أخرى حاصلةٌ، هنا وهناك: صحافيون وصحافيات عرب، يُشاركون في لجان تحكيم في مهرجانات عربية ودولية، غير متردّدين في الكتابة عن المهرجان نفسه أثناء انعقاد دورة له، يكونون أعضاء في لجان تحكيم مسابقاتها. سينمائيون وسينمائيات عرب، يُختَارون للجان تحكيم مختلفة، يُطلقون آراء لهم في فيلمٍ مُشارك في مسابقة ما، أثناء انعقاد هذه الدورة أو تلك، قبل إعلان النتائج. أحياناً، يهاجم أحد هؤلاء فيلماً بعد إعلان النتائج، لتبرير فوز الفيلم خلافاً لرأيه، غالباً.

هذه بعض معضلات العمل السينمائي العربي. الاستثناءات قليلة، لكنّ العطب أقوى من أنْ يُظهِرَها. عطبٌ غير قابل للإصلاح، لشدّة الاهتراء الحاصل في السلوك العربي، في مسائل سينمائية كهذه، وفي غيرها أيضاً.

المساهمون