غزت الموضة اللاجندرية منصات العروض ضمن أسابيع الموضة في المواسم الأخيرة. وصارت تحظى بشعبية واسعة اليوم بين الشباب، وكأنها تمثل خطوة إضافية في الطريق إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. في حديثه مع "العربي الجديد" يؤكد المصمم، جان بو ضومط، صاحب علامة Jean 327، أن عوامل عدة لعبت دوراً في المرحلة الحالية لتحقق الموضة اللاجندرية انتشاراً.
ولا تعتبر الموضة اللاجندرية وليدة اللحظة، بل ظهرت بشكل أو بآخر من سنوات. إلا أنها اتخذت طابعاً أكثر وضوحاً في المرحلة الحالية. ويوضّح المصمم جان بو ضومط أن عوامل عدة لعبت دوراً في هذا الانتشار، وعلى رأسها التوجه المجتمعي للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، وقد تحضّرت الأرضية لذلك. إذْ أصبح التمييز الجندري مستبعدًا بالمطلق، ومن الطبيعي أن تطغى هذه الإيديولوجيا على مختلف القطاعات والمجالات ومنها عالم الموضة. هذا، إلى جانب الميل إلى تعزيز القبول بالتعددية الجنسية عبر التغيير في المفهوم الجنسي المتعارف عليه بوسائل مختلفة. كما أنّه بعد الجائحة، تبدَّل مفهوم الاستهلاك لتصبح التصاميم المريحة من القطع الأساسية التي يحرص الفرد على اقتنائها لارتدائها في أي وقت كان. وتبدل المفهوم الذي كان سائداً حول مبدأ الاستهلاك في الموضة.
ويضيف جان بو ضومط: "في مجال الموضة بشكل خاص، ثمة اتجاه إلى استبعاد الصورة النمطية السائدة حول الملابس المخصصة لكلا الجنسين. فمن الممكن أن يرتدي الرجل قميصاً طويلاً مثلاً، ويمكن للمرأة أيضاً أن ترتدي ما يحلو لها من دون قيود، وبعيداً عن البروتوكولات الموضوعة مجتمعياً. أتت الظروف المرافقة للجائحة لتعزز هذا المبدأ أكثر فأكثر، مع دعوة إلى التحرر من القيود بغض النظر عن حكم الآخر ورأيه. فقد زال الخوف من حكم الآخرين، لأنه كان على أساس صورة معينة كانت سائدة لم يعد لها وجود".
وتختلف الأمور بين بلد وآخر وبين حضارة وأخرى. فالتنورة تعتبر اللباس التقليدي في اسكتلندا للرجال والنساء، وهو أمر يعتبر غير مقبول في مجتمعات أخرى. كانت الموضة اللاجندرية أصلاً موجودة عبر التاريخ بشكل أو بآخر، إنما بنسب متفاوتة وبأساليب مختلفة بحسب المجتمعات. ولكن بعد العولمة، زالت الحواجز بين المجتمعات، كما برز مبدأ التفرد والتحرر. وفي الوقت نفسه، لم تتحقق الحرية التامة، بل بقي الفرد مكبلاً في حاضره، فيما فقد ماضيه والمستقبل لم يعد ملكاً له.
لم يبقَ للإنسان هدف يسعى إلى تحقيقه، وقد ساهم الوباء في تعزيز هذا الواقع. فحتى يرتاح في هذا الزمن الصعب، يشير بو ضومط إلى أنه من الطبيعي أن يختار في الموضة ما يشبه هذه المرحلة، وما يجعله مرتاحاً مع نفسه. علماً أن الموضة لا ترتبط تحديداً بشكل القطعة، إنما بمفهومها. فقد تكون القطعة عادية يرتديها شاب، ويمكن أن ترتديها فتاة. هي تعتبر محايدة وفي الوقت نفسه تتحول بحسب أسلوب الشخص الذي يرتديها.
حتى اليوم، يبقى لدى بعض الأشخاص دفاعات ذاتية تمنعهم من اختيار التصاميم التي يمكن أن يرتديها الجنس الآخر. فيرتبط ذلك بهويتهم الجندرية التي يرفضون ما قد يزعزعها. بحسب بو ضومط، هوية هؤلاء الأشخاص قد تكون أقل هشاشة. فإذا ما اهتزت هذه الهوية واستطاع الفرد أن يعيد تثبيتها بالشكل الذي يريد، يكون هو الأقوى حكماً وتزداد ثقته بنفسه.
اللافت على حد قوله أن المرأة تعتبر أكثر تقبلاً للموضة اللاجندرية لاعتبارها تتقبل بمعدل أكبر الملابس المناسبة للجنسين لأسباب عديدة، منها أنها أكثر انفتاحاً، وأيضاً أنها لا تعاني مشكلة إذا ما تزعزعت صورتها أو هويتها. هي تتقبل أن تكون صورتها مشابهة لتلك التي للرجل في عالم الموضة، فيما يعتبر الرجل ذلك انتقاصاً منه ومن رجولته انطلاقاً من مبدأ الذكورية السائدة خاصة في المجتمعات الشرقية. فيبدو واضحاً للمصمم أنه ثمة تقبل لهذا النوع من الأزياء التي يصممها بين الذكور الأوروبيين أكثر من منطقة الشرق الأوسط، حيث يشكل الأوروبيون نسبة 95 في المائة من المستهلكين لعلامته. في المقابل، تحب المرأة، أينما كانت، أن ترتدي ملابس كالرجل وهذا هدف لها لتتساوى معه في هذا المجال أيضاً.