استمع إلى الملخص
- **تأثير الموضة السريعة على البيئة**: الموضة السريعة تساهم في 10% من انبعاثات الكربون العالمية وتستهلك كميات هائلة من الموارد الطبيعية، مما يزيد من التلوث البلاستيكي والميكروبلاستيك.
- **الحلول المستدامة**: تتزايد الجهود لتبني ممارسات مستدامة مثل استخدام الألياف العضوية والمواد المعاد تدويرها، وتشجيع الاقتصاد الدائري، مع دور محوري للتشريعات الحكومية.
قبل أيام قليلة، أعلنت مجموعة ASN Impact Investors الهولندية بيع كل أسهمها وتبلع قيمتها أكثر من 70 مليون يورو في شركات الموضة السريعة، بسبب تأثيرها السلبي على المناخ، ومساهمتها في الاحترار المناخي. وباعت المجموعة حصصها في 12 شركة ملابس بينها "إتش أند أم" و"بوما" و"نكست" و"ماركس أند سبنسر" وغيرها، ما أعاد النقاش حول مسوؤلية عالم الموضة، خصوصاً الشركات الكبرى، في الحد من الانبعاثات المضرة للكوكب، في وقت بدأت فيه عشرات من دور الأزياء الراقية، تعتمد سياسة مسؤولة أكثر تجاه البيئة.
ما هي الموضة السريعة؟
الموضة السريعة هي نموذج تجاري يركز على الإنتاج السريع للملابس بتكلفة منخفضة، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الأزياء الحديثة والمتغيرة بسرعة. يعتمد هذا النموذج على دورات إنتاج قصيرة، وغالباً ما يتم تصميم الملابس وإنتاجها وطرحها للبيع في غضون أسابيع قليلة. ومع تنامي شهية المستهلكين للأزياء الجديدة، تعمل العلامات التجارية للموضة السريعة على توفير منتجات بأقل الأسعار الممكنة.
ما هو تأثير الموضة السريعة السلبي على البيئة؟
وفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تعدّ صناعة الموضة واحدة من أكبر المساهمين في التلوث البيئي العالمي. وتشير التقديرات إلى أن هذه الصناعة مسؤولة عن حوالي 10% من انبعاثات الكربون العالمية، وهي كمية تفوق ما تنتجه رحلات الطيران والشحن البحري مجتمعة. فالاعتماد على المواد الكيميائية الضارة والأصباغ الاصطناعية في صناعة الأقمشة، واستخدام كميات هائلة من المياه في عمليات الإنتاج، يساهمان كثيراً في تفاقم الأزمة البيئية. ولعلّ أبرز أسباب هذا التلوث هي كالتالي:
1. انبعاثات غازات الدفيئة: تعد صناعة الموضة السريعة من بين أكبر القطاعات التي تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة، حيث يتم إنتاج حوالي 1.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً من هذه الصناعة فقط. وتعزى هذه الانبعاثات إلى عدة عوامل، منها عمليات التصنيع التي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، والنقل العالمي للمواد الخام والمنتجات النهائية، وكذلك إدارة النفايات الناجمة عن التخلص من الملابس غير المستخدمة. وفقاً لمنظمة Greenpeace، فإن استخدام الألياف الاصطناعية مثل البوليستر، الذي يُشتق من البترول، يسهم بشكل خاص في زيادة انبعاثات الكربون.
2. استنزاف الموارد الطبيعية: تستهلك صناعة الموضة السريعة كميات هائلة من الموارد الطبيعية، خاصة المياه. تشير الدراسات إلى أن إنتاج قميص واحد من القطن يتطلب نحو 2700 لتر من الماء، وهي كمية كافية لتلبية احتياجات الشخص من الشرب لمدة سنتين ونصف سنة. وتُعَدُّ صناعة الأزياء أيضاً مسؤولة عن تلويث المياه، حيث يتم تصريف كميات كبيرة من المواد الكيميائية الضارة في الأنهار والمحيطات خلال عمليات صباغة الأقمشة وتجهيزها، مما يؤثر سلباً على النظم البيئية المائية ويهدد الحياة البرية.
3. النفايات والتلوث البلاستيكي: تعتبر الموضة السريعة مسؤولة عن إنتاج كميات ضخمة من النفايات، حيث تشير التقديرات إلى أن العالم يُلقي سنوياً بحوالي 92 مليون طن من النفايات النسيجية. ومن المثير للقلق أن معظم هذه النفايات لا يُعاد تدويرها، بل تُرمى في مكبات النفايات أو تُحرق، مما يزيد من انبعاثات غازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، يُنتج عن الملابس المصنوعة من الألياف الاصطناعية مثل البوليستر، ميكروبلاستيك، يتسرب إلى المياه ويصل في نهاية المطاف إلى المحيطات، مما يشكل تهديداً للحياة البحرية والبيئة عامة.
ما هي التبعات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الصناعة؟
لا تقتصر تأثيرات الموضة السريعة على البيئة فحسب، بل تمتد لتشمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر بدورها على البيئة. يعتمد هذا النموذج على استغلال العمالة الرخيصة في البلدان النامية، حيث يعمل العمال في ظروف سيئة مقابل أجور زهيدة. إن عدم الالتزام بمعايير العمل اللائقة يؤدي تلقائياً إلى انتهاكات حقوق الإنسان كما أظهرت عشرات التقارير الدولية.
ما هو الحل؟
في مواجهة هذه التحديات البيئية والاجتماعية، تتزايد الجهود العالمية للحد من تأثيرات الموضة السريعة. هناك دعوات متزايدة إلى اعتماد ممارسات أكثر استدامة في صناعة الأزياء، بدءاً من استخدام المواد القابلة للتحلل وإعادة التدوير، وصولاً إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل النفايات. ولعل أبرز الحلول هي:
1. الأزياء المستدامة: تتجه بعض العلامات التجارية نحو تبني مفهوم الأزياء المستدامة، والذي يعتمد على استخدام مواد صديقة للبيئة، مثل الألياف العضوية والمواد المعاد تدويرها. بالإضافة إلى ذلك، تُشجَّع مبادرات الاقتصاد الدائري، التي تهدف إلى إعادة تدوير الملابس وإعادة استخدامها بدلاً من التخلص منها.
2. التشريعات والسياسات الحكومية: تلعب الحكومات دوراً محورياً في تنظيم صناعة الأزياء وتقليل تأثيراتها البيئية. من خلال وضع تشريعات تُلزم الشركات بالالتزام بمعايير بيئية صارمة، يمكن تحقيق تحسينات كبيرة. على سبيل المثال، يُمكن فرض قيود على استخدام المواد الكيميائية الضارة، وتشجيع الابتكار في مجالات التصنيع المستدام.