المهنيّة أساسية لكنّ الابتكار والتألّق رائعان

12 يوليو 2023
ماريون كوتيار: كلّ كلام يُكتب لصورتها يعجز عن بلوغ جمالها (باسكال لو سَغْرُتان/Getty)
+ الخط -

 

مسألة مهنيّة في النقد والصحافة السينمائيّين تستحقّ التوقّف عندها، ولو قليلاً: إضافةً إلى أهمية اختيار صُور فوتوغرافية تُنشَر مع مقالات نقدية وحوارات مهنيّة، هناك أمرٌ آخر يتساوى وإياه في الأهمية: "كلام الصورة". فكلام الصورة ـ الذي يجب أنْ يختزل ضمنياً معنى اختيار صورة من دون أخرى، والمقصود من هذا الاختيار، بأقلّ كلماتٍ ممكنة ـ يوازي نصّاً نقدياً بكامله، أو أقلّه يُكمِل النصّ النقدي بما يُعبِّر، فعلياً، عن معنى الصورة المختارة، والمقصود باختيارها.

يُفترض بكلام الصورة أنْ يعكس، باختصار شديد، علاقة الصورة بالفيلم والمقالة النقدية والحوار المهنيّ، وبما يقصده كاتب/كاتبة المقالة والمحاوِر/المحاوِرة باختيارهم صورة من دون أخرى.

هذا لا يعني أنّ "براعة" كتابة كلام الصورة حاصلةٌ دائماً، وأنّ كلّ كلام الصُور نافعٌ ومفيد. أحياناً، يفقد كاتب/كاتبة المقالة والمُحاوِر/المحاوِرة مقدرة الابتكار والتألّق، فيحاولون الاكتفاء بالمهنيّ البحت، في اختيار الصورة وكتابة كلامها. هذا عاديّ، فالابتكار والتألّق غير ماثلين دائماً، والأهم التزامُ المهنيّ في لحظةٍ كهذه.

طبعاً، هناك "مطلبٌ" يراه المخرج الفني للمطبوعة الورقية والموقع الإلكتروني أساسياً، وهذا مُلزَمٌ تطبيقه. مُبتكر تصميم الصفحات والأقسام الإلكترونية يجب أنْ يكون فناناً، لا منفّذ "ماكيت" تُقدَّم له، أو "يبتكرها" وفقاً لتقاليد باهتة ومهترئة. المخرج الفني، نادر الوجود في الصحافة المكتوبة العربية في راهنٍ غارقٍ بخرابٍ فظيع، يجعل الـ"ماكيت" لوحةً فنية، من دون ابتعادٍ عن علمٍ ومحدّدات، فيفرض، وهذا حقّه، حجم المقالة والصورة، نوعاً وجودة فنية، ودرجات معيّنة في الألوان، وإنْ تكن هناك حاجة إلى صورة بالأسود والأبيض، فلهذه الحاجة متطلّبات ربما تكون أكثر صرامة، تقنياً وفنياً.

المخرج الفني، إذْ يمتلك وعياً معرفياً وثقافياً ومهنياً، يُدرك تماماً معنى خيار كاتب/كاتبة المقالة النقدية والمحاوِر/المحاوِرة صُوراً فوتوغرافية محدّدة. الأجمل أنْ يمتلك المخرج الفني معرفة سينمائية فعلية، تماماً كمنفّذي/منفّذات (رغم قلّة عدد المنفّذات) الصفحات. هؤلاء نادرون، وعندما يستلمون الإخراج الفني يرتاح إليهم كاتبو/كاتبات مقالات نقدية في السينما. بهذا، يُشبه المخرج الفني ناقداً سينمائياً، أو سينمائياً، فالناقد والسينمائي يُفترَض بهما امتلاك معرفة واسعة وعميقة، قدر الإمكان، وهذا مُريح للجميع، ومهنيّ أولاً وأساساً.

التوقّف عند "كلام الصورة" ينسحب على الصورة الفوتوغرافية بحدّ ذاتها، تكون لقطة من فيلمٍ، والعثور على صُور كهذه صعبٌ، إنْ لم يكن مستحيلاً، في زمن التشديد على أولوية التزام "حقوق الملكية الفكرية". للحوار صُور يلتقطها مُصوّر/مُصوّرة يعملان في المؤسّسة نفسها، أو يمنحها من يتمّ الحوار معه/معها، فمعظم هؤلاء محترفٌ، وله/لها مُصوّر خاص. أحياناً، يلجأ محرّر السينما إلى وكالاتٍ تتعامل المؤسّسة معها.

 

 

جهات مسؤولة عن تحقيق الأفلام في الغرب تهتمّ بصُور فوتوغرافية مستلّة من الأفلام، فتوزّعها على مهنيّين ومهنيّات شرط تحديد "المصدر"، الذي يُختزل غالباً، في هذه الحالة، بـ"الملف الصحافي"، مع ذكر اسم المُصوّر/المُصوّرة، كالحاصل في صحفٍ ومجلات غربية. مهرجانات سينمائية تنشر صُوراً فوتوغرافية كهذه على مواقعها الإلكترونية، مانحةً النقّاد والصحافيين/الصحافيات السينمائيّين حقّ الحصول عليها في فترة محدّدة، ونشرها، شرط تحديد "المصدر" أيضاً: "الموقع الإلكتروني للمهرجان".

للإعلاميين والإعلاميات المهتمّين بالسينما أدوات ترويجية أخرى، تؤمّنها جهات الإنتاج، كأشرطة ترويجية، مدّتها دقائق قليلة، كافية لتقديم لمحة عن الفيلم المُروَّج له. أشرطة يصنعها مختصّون/مختصّات بهذا النوع من الترويج البصري، معظمها يكاد يكون فيلماً قصيراً، لما فيه من حِرفية وإبهار مختَزَلَين للغاية. هذا غير محتاجٍ إلى "كلام صُور"، ما يُخفّف قليلاً على الإعلاميين/الإعلاميات من ثقل متطلّبات المهنة، إنْ يوجد إعلاميون وإعلاميات محترفون في السينما، على الأقلّ.

"حقوق الملكية الفكرية"، إذْ تُطبَّق بصرامة في بلدان كثيرة في العالم، تحول دون الحصول على صُور فوتوغرافية من الإنترنت مثلاً، فغالبيتها الساحقة، التي تصلح لنشرٍ صحافي مهنيّ، خاضعة لهذه الحقوق، ويستحيل الاستعانة بها، وإنْ لنشرها مع خبرٍ صغير الحجم. يزداد المأزق سوءاً مع الكتابة النقدية في السينما العربية، خاصة تلك التي تُنتج أفلاماً من دون جهات إنتاجية غربية. فكتابة كهذه عن فيلمٍ عربي دونها صعوبة أساسية، تتمثّل بغياب شبه تام لصُور فوتوغرافية صالحة للنشر المهنيّ. مع أنّ سينمائيين/سينمائيات عرباً، من جيل شابٍ على الأقلّ، يهتمّون أحياناً بهذا الجانب، ويُرسلون صُوراً مطلوبة إلى نقّاد وصحافيين/صحافيات.

من "كلام الصورة" إلى كلامٍ في "الصورة" بحدّ ذاتها، وفي الإخراج الفني أيضاً. فكلّ هذا متلازمٌ في مهنةٍ متطلّبة، إنْ تكن ورقية أو إلكترونية، رغم أنّ التزام المهنة نادرٌ، فالغالبية الساحقة من المطبوعات الصحافية والمواقع الإلكترونية العربية غير مكترثة بمسائل كهذه، في عالمٍ عربي غارق في انهيارات وخراب.

المساهمون