المعارك الإعلامية: المقاومة فوق الأرض

07 ديسمبر 2023
تخسر إسرائيل حربها الإعلامية بسبب ما ترتكبه من جرائم قتل وتهجير (علي جاد الله/ الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن المقاومة أدركت أن ليس جميع معاركها مع الاحتلال الإسرائيلي ستخوضها من تحت الأرض أو عليها، بل هناك معارك ما فوق الأرض، وهي المعارك الإعلامية، بما لها من أبعاد إنسانية وإخبارية، وما تحققه من مكاسب لا تقلّ أهمية عمّا تحققه المعارك العسكرية. لقد كانت لقطات ومشاهد تسليم المقاومة للأسرى في غزة، أهم جولات المعارك الإعلامية، إذ تمكنت من جذب انتباه ملايين المشاهدين حول العالم.
يمكن فهم الأبعاد والمكاسب التي أنجزتها المعركة الإعلامية، من طريق قراءة كل مشهد أو صورة نشرتها المقاومة عن عمليات تسليم الأسرى، في مستويين: المستوى الأول، وهو المباشر والثابت في كل مشهد، يشير إلى إظهار التزام المقاومة في إتمام اتفاقية تبادل الأسرى، وكأن لسان حالها يقول: "ها نحن من طرفنا نسلّم الأسرى أمام العالم كله كما وعدنا".
يدخل في هذا المستوى، أيضاً، محاولة لفت الانتباه إلى الحالة التنظيمية للمقاومة، التي ما زالت تحافظ عليها على الرغم من كل الظروف التي مرت بها. وتبرز الحالة في الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها المقاتلون في أثناء عملية التسليم.
بينما يُظهر المستوى الثاني من قراءة الصور، وهو مستوى غير مباشر، إنما إيحائي وضمني في إشاراته ومعانيه، أن عمليات تسليم المقاومة للأسرى التي شاهدناها لا تعبّر عن حالة خطف أو أسر كان فيها الأسير، بل تعبّر عن حالة وداع بين مقيم ومضيف، إذ تحكي لقطات وداعية، بينهما، رصدت عدسات الكاميرات أدق تفاصيلها مثل إيماءة الرأس مع الابتسامة، التلويح باليدين، والعناق، كلها تحكي عن جانب أرادت المقاومة إظهاره وتوضيحه، وهو أنه لا عداء أو صراع بينها وبين من هم بحوزتها من المدنيين الإسرائيليين، وهي رسالة من الممكن أن يكون لها عدة مضامين، منها أن التعايش مع المدنيين من جنسيات وديانات أخرى، وارد عند المقاومة، وأن كل العداء هو لمؤسسة الجيش وآلياتها العسكرية وقياداتها الأمنية.
ومن مضامين هذه الرسالة أيضاً، أن تخبر العالم أن المقاومين ليسوا "ظلاميين"، كما يجري توصيفهم في الإعلام العبري والغربي، وهو وصف له أكثر من دلالة، مثل أنهم يخوضون حروبهم من الأنفاق، أي تحت الأرض، حيث لا فضاء ولا سماء، بل الظلام فقط. وهذا الظلام يخيّم على حياتهم ونمط معيشتهم، ويحاولون فرضه على من حولهم من مدنيين. تُكمل هذه الصورة عند الغرب، التركيبة المعقدة للمقاومة والغموض الذي يلف حول عناصرها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بالطبع، إنها مشكلة بالنسبة إلى الاحتلال وقنواته الإعلامية والصحافية، فهو ما فتئ ينعت المقاومة بأقذع الصفات وأبشعها، مثل "حيوانات بشرية" و"داعش"، وينزع عن قادتها ومقاتليها أي قيمة أخلاقية أو إنسانية. في مقابل ذلك، أوعز الاحتلال إلى أجهزته الإعلامية، بقرار يمنع أي لقاء أو حوار مع أسير عائد من غزة، ولا سيما أن عدداً منهم خرج عبر التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وعبّر عن حسن المعاملة له خلال فترة الأسر، لافتاً إلى أن ما أرعبهم، حينها، كان القصف الإسرائيلي المتواصل بقرب أماكن وجودهم.
هذه القراءة تصل بنا إلى أن هناك نتائج مهمة قد يكون حققها إعلام المقاومة، في محاولة منه لكسب تأييد عالمي معه وكسر نمطية الصورة التي يصدرها الاحتلال عن المقاومة كـ"إرهاب"، وبشكل خاص بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر. لكن على الرغم من كل ذلك، لا ندري مدى نجاعة تلك النتائج، بسبب الإبادة المتواصلة التي تتعرض لها غزة، خصوصاً بعد أن انتهت الهدنة واختفت مشاهد التسليم ونسي العالم ما كان.

كذلك، هناك ما قد يمنع صمود مثل هذه المكاسب الإعلامية، أي تصريحات الاحتلال عن أهداف عدوانه على غزة، وهو القضاء على "حماس" وإنهاء وجودها، وبالتالي لا تعايش معها في المستقبل، بحسب تقديراتهم.

المساهمون