تتعرض وسائل الإعلام الرسمية المملوكة للدولة في اليمن، لهجمة شرسة منذ بداية الحرب قبل 6 سنوات. إذ بعد احتلال الحوثيين لكل الوسائل الحكومية في صنعاء وتغيير خطها التحريري لتمجيد مشروع المليشيات فقط، ها هم الانفصاليون المدعومون من الإمارات يحاكون التجربة الحوثية بالاستيلاء على المؤسسات الصحافية في العاصمة المؤقتة عدن، جنوبي البلاد.
غالباً ما تكون وسائل الإعلام الحكومية الهدف الأخير للمليشيات المتمردة على سلطات الدولة، حيث تضمن لها اكتمال حلقة النفوذ والهيمنة الإعلامية، مستندة على قوة عسكرية، وهو ما يحصل حرفياً في اليمن. ففي أواخر مايو/أيار الماضي، بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي بمحاولة محاكاة التجربة الحوثية في استكمال الانقلاب على مؤسسات الدولة، بتعيين ما يسمى بـ"الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي". وغداة تشكيل الهيئة التي يترأسها المتحدث الرسمي للمجلس، علي الكثيري، كان النشاط الأول لها هو التوجه للسيطرة على ما تبقى من مؤسسات الإعلام الرسمي للحكومة الشرعية، ما تمثل باحتلال مقر وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
وفقاً لمصادر خاصة وبيان لنقابة الصحافيين اليمنيين، فقد أقدمت مجموعة انفصالية نافذة، قبل أسبوعَين، يقودها نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي، مختار اليافعي، بالاستيلاء على مقر وكالة "سبأ" الواقع في مدينة التواهي، وطرد الحراسة المدنية والموظفين بشكل نهائي وأخذ مفاتيح المبنى تحت تهديد السلاح، بهدف تحويلها إلى مقر لما يسمى بوكالة "أنباء عدن" كوكالة جديدة للانفصاليين.
أقدمت مجموعة انفصالية نافذة، قبل أسبوعَين، يقودها نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي، مختار اليافعي، بالاستيلاء على مقر وكالة "سبأ" الواقع في مدينة التواهي
وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن مدير مكتب وكالة "سبأ" في عدن، محمود ثابت، كان متواجداً لحظة الاقتحام مع عدد من الموظفين، ولم يكن أمامه سوى الانصياع لقوة السلاح وتسليم المقر.
وفي مقابل الصمت المطبق لوزارة الإعلام إزاء ما حصل لمؤسسات الدولة جراء حساسية الوضع السياسي والمشاورات التي ترعاها السعودية بين "الشرعية" والانفصاليين في الرياض، حمّلت نقابة الصحافيين المجلس الانتقالي كامل المسؤولية عن واقعة الاقتحام غير القانونية، ودعت سلطات عدن لوقف كل أنواع التعسف وتوفير الحماية لمقر الوكالة وموظفيها ومحاسبة المقتحمين، وعدم الزج بوسائل الإعلام والصحافيين في الصراعات السياسية والعسكرية.
وأكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" أن الانفصاليين سيطروا على مقرين تابعين لوكالة "سبأ" يقعان في مديرية التواهي، أبرز معاقل المجلس الانتقالي داخل عدن، حيث يقع المبنى الأول بجوار رصيف السياح على البحر، والآخر في محيط مبنى بريد التواهي.
يمتلك المجلس الانتقالي عدداً من المنصات الإلكترونية التي تروّج لمشروعه منذ سنوات، لكن طموحاته في قيادة دولة جنوبية مفترضة وإعادة التشطير لا تكتمل من دون تسويق الخطاب الانفصالي من وسائل إعلام رسمية مملوكة للحكومة. حاول الانفصاليون خلال الفترة الماضية احتلال المؤسسات الإعلامية وفرض خطاب إعلامي لا يعبّر عن دور الحكومة كما هو معتاد، وكانت الخطوة الأولى في محاكاة التجربة الحوثية داخل عدن، مطلع أغسطس/آب عام 2019، عند اقتحام مقر مؤسسة "14 أكتوبر" الحكومية للصحافة وتحويل صحيفتها اليومية إلى نشرة خاصة لتسويق المشروع الانفصالي.
وفقاً لمصدر خاص داخل المؤسسة، اقتحمت "14 أكتوبر" في 10 أغسطس/آب عام 2019، وهو ما جعل الحكومة الشرعية توقف ميزانيتها التشغيلية والاكتفاء بصرف المرتبات الأساسية فقط للموظفين مع إلغاء الحوافز ومكافآت أخرى.
واصل الانفصاليون إصدار الصحيفة الحكومية يومياً، بعد تكفل "الانتقالي" بتغطية نفقاتها التشغيلية. وفي مارس/آذار عام 2020 بدأت بوادر الفشل، إذ رفع المجلس يده وأغلق الصحيفة، ليترك مئات الموظفين فريسة للبطالة.
خلال فترة التشغيل من الانفصاليين التي استمرت نحو 6 أشهر، تحولت صحيفة "14 أكتوبر"، الصادرة عقب ثورة أكتوبر ضد الاحتلال الإنكليزي مطلع ستينات القرن الماضي، من صحيفة حكومية إلى نشرة ناطقة باسم المجلس الانتقالي، إذ وضع شعار المجلس بجانب ترويسة الصفحة الأولى، وهو ما لم يحدث حتى أثناء فترة حكم الحزب الواحد في جنوب اليمن قبل تحقيق الوحدة، حسب المصدر.
وكما هو الحال في النهج المليشيوي الحوثي تجاه المؤسسات الإعلامية الحكومية في صنعاء، تبدو المؤسسات الواقعة في عدن عرضة لانهيار كامل جراء الفوضى الشاملة التي يفرضها الانفصاليون، فبعد استغلال المجلس الانتقالي مطابع مؤسسة "14 أكتوبر" التي تم شراؤها قبل 11 عاماً بنحو 4 ملايين دولار لتجهيز أعمالهم الطباعية، لم تتلق المطابع الملونة أي عملية صيانة منذ أكثر من عام وهو ما يهدد بتلفها.