كشف تحقيق استقصائي أعدته مؤسسات البث العام في دول شمال أوروبا (السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا وأيسلندا)، عن شبكة لنشر الدعاية الروسية تنشط على نطاق واسع وتستهدف المواطنين بالأخبار الزائفة.
وبث التحقيق في توقيت واحد على القنوات التلفزيونية العامّة في تلك الدول مساء الثلاثاء، وذلك في سياق برنامج "حرب الظلال"، وكشف عن وجود 152 شخصاً يعملون بشكل وثيق مع الجانب الروسي في "بثّ واسع النطاق لمعلومات مضللة في أنحاء القارة الأوروبية كافة".
وبينت القنوات التلفزيونية التي بثت البرنامج أنها اضطرت إلى مراجعة "الآلاف من المنشورات على وسائل التواصل ومتابعة حلقات إذاعية شارك فيها بعض المتورطين في نشر البروباغندا". وشددت على أنها، وبمعاونة خبراء في المجال الإعلامي، كشفت عن أن المعلومات التي يتشاركها المتورطون، وهم في الأساس يحملون أسماء اسكندنافية، مصدرها "الجهات الفاعلة الروسية ووسائل إعلام حكومية في موسكو".
أكاديميون وخبراء في مجال التضليل الإعلامي ساهموا في تحليل المنشورات، وساعدوا في الكشف عن "معايير" يعتمدها المتورطون في سياق نشرهم معلومات زائفة على منصات التواصل الاجتماعي أو في لقاءات إعلامية محلية. المثير للانتباه أن الأشخاص الذين كشف عن تورطهم "تجمعهم خريطة تواصل بعضهم مع بعض، لجعل المواضيع التي نشأت من جهات فاعلة في روسيا معززة وقابلة للتصديق".
وأغلب المشاركين في الدعاية الروسية هم جزء من شبكات أوروبية أخرى، وقد انتقلوا من التركيز على جائحة كوفيد-19 ومعارضة اللقاحات إلى تسليط الضوء على "النازية" في أوكرانيا، بعد بدء الغزو الروسي لها، في 24 فبراير/ شباط الماضي. ووفقاً للتحقيق، فإن بعضهم ربطوا الموضوعين، فزعموا أن فيروس كورونا "نشأ في مختبرات أوكرانيا البيولوجية". وهم أيضاً ينشطون في التظاهرات ويلعبون دوراً في مراقبة الانتخابات والاستفتاءات التي تقيمها موسكو، ومن ضمنها تلك المتعلقة بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها عام 2014. ويعمد هؤلاء إلى بث أخبار إيجابية عن تلك الانتخابات والاستفتاءات.
ويبدو أن قناة آر تي (المحظورة في الاتحاد الأوروبي)، وشبكة نيوز فرونت ومؤسسة الثقافة الاستراتيجية، وغيرها من المنافذ المدعومة من موسكو، تشكل مصادر معتمدة للصحافيين المتعاونين في نشر الدعاية الروسية.
وصُدم معدو التحقيق حين وجدوا أن بعض الصحافيين والناشطين هؤلاء حلوا مراراً ضيوفاً على قنوات تلفزيونية وإذاعات في بلادهم والدول المجاورة. وكشف عن اسم الصحافي والكاتب الفنلندي الناطق بالروسية يوهان باكمان كأحد أكثر المنخرطين في بث دعاية موسكو، وهو يمثل في هلسنكي وأوسلو وكوبنهاغن المؤسسة الروسية للدراسات الاستراتيجية (RISI). والمركز يتبع مباشرة للرئاسة الروسية، ومتهم بأنه جزء رئيس من محاولة التأثير على الانتخابات الأميركية عام 2016، وغيرها من الانتخابات في الدول الغربية.
باكمان لديه عدد من الحسابات على منصات التواصل، ويظهر في وسائل الإعلام بصفته خبيراً في العلاقات الاسكندنافية - الروسية، كما يظهر على شبكة نيوزفرونت الروسية التي يربطها الغربيون بالاستخبارات الروسية، والعام الماضي ضُبط وهو يقود حملة مضايقة استهدفت الصحافية الفنلندية جيسيكا أرو، بعد كشفها عن جيش إلكتروني روسي في سان بطرسبرغ مهمته ترويج الأخبار الزائفة والمضللة، وتلقى نتيجة ذلك حكماً بالسجن لشهرين.
وإلى حد ما، يتشابه وضع باكمان مع وضع الصحافي الدنماركي يسبر لارسن، الذي يدير قناة على "يوتيوب" يتابعها الآلاف، وينظم تظاهرات، ويكتب بصورة دائمة عن دور الدنمارك في تسليح أوكرانيا، ويندد بـ"رهاب روسيا" في أوروبا. وشارك لارسن في أنشطة "إعلامية" مختلفة مع باكمان، وآخرها في برنامج "زد" (شعار الجيش الروسي في حرب أوكرانيا)، لانتقاد لاذع للسلسلة الوثائقية الاسكندنافية "حرب الظلال" التي انتقدتها أيضاً قبل أيام الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، واعتبرا أن السلسلة "مزيفة"، وأنها "جزء من حرب معلومات جديدة تؤسس لخطاب كراهية ضد روسيا من أجل إضفاء شرعية على حرب حلف شمال الأطلسي ضدها".
كما أن لارسن حلّ ضيفاً على الإذاعة الدنماركية الشهيرة "سبعة على 24" (24SYV)، منتقداً بشكل لاذع حكومة بلاده لأنها "تقمع الأصوات المعارضة" ولدعمها أوكرانيا. وظهر في الإذاعة نفسها، في إبريل/ نيسان من العام الماضي، متهكماً على أخبار مقتل مدنيين في بوتشا الأوكرانية، واعتبر المجزرة هناك مسرحية.
كما ضبط الوثائقي بعض أذرع الكرملين في دول الشمال، بمن فيهم زعيم حزب "الازدهار" الدنماركي مادس بالسفي، وهم يصرون على بث دعايته.
أخذ الوثائقي المشترك لتلك القنوات الاسكندنافية مذبحة بوتشا باعتبارها "المثل الأوضح على إغراق موسكو لشبكة الإنترنت والوسائل الإعلامية بقصص كاذبة"، كما قال كبير المستشارين في مؤسسة الخدمة الخارجية المشتركة في الاتحاد الأوروبي سورن ليبوريوس. وشدد ليبوريوس على أن "الناس عرضة للدعاية والمعلومات المضللة"، كاشفاً عن أن روسيا أنشأت بيئة حاضنة لوسائل الإعلام الحكومية مثل "آر تي"، وملفات تعريف الوسائط الاجتماعية المزيفة، والمدونين، ومصانع التصيد والمواقع الإلكترونية التي تديرها أجهزة الاستخبارات، لتوزيع المعلومات المضللة.