- الكتّاب انتقدوا المؤسسة لعدم بذلها جهودًا كافية لتسليط الضوء على الاعتداءات ضد القطاع الثقافي في غزة، بينما ردت "بِن أميركا" بالتأكيد على مهمتها في توحيد الكتّاب وتعزيز دور الأدب.
- الأزمة في غزة والاستجابة الدولية لها أثارت انقسامًا في الوسط الأدبي العالمي، مع تأكيد على أهمية دور المؤسسات الثقافية والأدبية في تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب.
أعلنت مجموعة من الكتّاب المرموقين انسحابها من دورة هذا العام من مهرجان "بِن وورلد فويسز" PEN World Voices، على خلفية موقف المؤسسة الأميركية المنظمة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والأزمة الإنسانية هناك.
وفي رسالة مفتوحة حصلت على أكثر من عشرة توقيعات ونشرت الأربعاء الماضي، طالب الكتّاب المؤسسة الأميركية التي تُعنى بحرية التعبير والمنظمة للمهرجان "بِن أميركا" PEN America، ببذل المزيد من الجهود لتسليط الضوء على الشهداء في قطاع غزة، وتحديداً الصحافيين والكتّاب منهم.
وجاء في رسالة الكتّاب: "خلصنا إلى أن حضور دورة هذا العام من المهرجان سيكرس فقط وهم أن (بِن أميركا) تكرس جهودها فعلاً لـ(الدفاع عن حرية التعبير وسط النضال الإنساني ضد القمع)، كما تزعم. في سياق الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، نحن نؤمن أن (بن أميركا) خانت التزامها المعلن بالسلام والمساواة للجميع وبالحرية والأمان للكتّاب في أنحاء العالم كافة".
واحتج الكتّاب الذين لن يشاركوا في المهرجان هذا العام على عدم بذل المؤسسة الأميركية ما يكفي لتسليط الضوء على "حجم ونطاق الاعتداءات التي تستهدف الصحافيين في غزة، أو على الخطاب الفلسطيني والقطاع الثقافي ككلّ". وقارنوا ذلك بإدانة المؤسسة الشديدة اللهجة للحرب في أوكرانيا. عام 2022، رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، دشنت المؤسسة "مؤتمر الأصوات العالمية الطارئة للكتّاب"، وجعلته جزءاً من المهرجان السنوي، وذلك لمعالجة الصراع ومناقشة كيف يمكن للمؤلفين تشجيع الحوار وحماية حرية التعبير في أوقات الحرب.
وتتضمن قائمة الموقعين على الرسالة روائيين وشعراء، بينهم لوري مور ونايومي كلاين ومايكل ألكسندر وهشام مطر وإيزابيلا حمّاد وزينة عرفات ومازا منغستي. وهذه الرسالة تعكس الانقسام الذي يصبح أكثر حدة كل يوم، في الوسط الأدبي حول العالم، على خلفية حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
من جهة ثانية، ردّت المؤسسة الأميركية على الكتّاب المحتجين والمنسحبين من مهرجانها، ببيان جاء فيه أن أعضاءها "يشهدون مذعورين الخسائر الوحشية والمعاناة الإنسانية"، و"اعترفوا بالتحديات التي تواجهها المؤسسات الأدبية والثقافية في جهودها للتطرق إلى الصراع".
وأضافت "بِن أميركا" في بيانها: "باعتبارنا مؤسسة مهمتها توحيد الكتّاب إزاء الانقسامات، فإننا نتحمل نفس موجات الصدمة التي يتلقاها العديد من المؤسسات الزميلة. نحن نجري محادثات مع العديد من الكتّاب حول كيفية أن نكون صادقين مع دوائرنا المتنوعة ومبادئنا ورسالتنا. نحن نركز بشدة على الكيفية التي يمكننا بها، في هذه اللحظة من الاستقطاب المتصاعد، الوفاء بوعد مؤسسة كانت مهمتها، لأكثر من قرن، تعزيز دور الكتّاب والأدب كجسر عبر الانقسامات العميقة".
وأشارت "بِن أميركا" إلى أنها لم تحسم حتى هذه اللحظة موعد إقامة المهرجان، وأنها لا تستطيع تقديم تفاصيل حول ما إذا كان الحدث سيتطرق إلى العدوان الذي تشهده غزة أم لا.
يفترض أن يقام المهرجان في مايو/أيار المقبل في مدينتي نيويورك ولوس أنجليس الأميركيتين، ويستقطب عادة مئات الكتّاب الأميركيين والعالميين. أطلق المهرجان قبل نحو عشرين عاماً، لتشجيع الحوار بين الكتّاب من حول العالم كافة، في مواجهة الانعزالية وكراهية الأجانب في الولايات المتحدة بعد هجمات اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001. في السنوات السابقة، عقد المهرجان حلقات نقاش حول قضايا مثل النوع الاجتماعي والسلطة، والاضطرابات والمقاومة السياسية، والمضايقات عبر الإنترنت والتهديدات للخصوصية وحرية التعبير.
وقد انتُقدت "بِن أميركا" التي اتخذت مواقف ضد حظر الكتب والرقابة سابقاً من الكتّاب الذين يحثونها على إظهار المزيد من الدعم للكتّاب والمدنيين الفلسطينيين. في فبراير/شباط الماضي، وقّع مئات الكتّاب رسالة تطالب المؤسسة "بالرد على التهديد الاستثنائي الذي تمثله الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين على حياة الكتّاب في فلسطين وعلى حرية التعبير في كل مكان".
تجدر الإشارة إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ألقى بثقله على الوسط الأدبي حول العالم. فخلال الخريف الماضي، واجه معرض فرانكفورت للكتاب انتقادات حادة وانسحبت منه دور نشر عربية، بعدما دان المنظّمون "الهجوم الهمجي" في حديثهم عن عملية طوفان الأقصى التي نفذها المقاومون الفلسطينيون في 7 أكتوبر، وقولهم إنّ الأصوات الإسرائيلية ستُعطى أهمية كبيرة هذا العام. في موازاة ذلك، أعلن المعرض حينها عن عدم المضي قدماً في تنظيم حفل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي بمنحها جائزة "ليبيراتوربرايس". وكان من المقرّر أن تُكرّم شبلي عن روايتها "تفصيل ثانوي" التي تتحدث عن عمليات اغتصاب وقتل ارتكبها جنود إسرائيليون عام 1949. ووجهت الانتقادات أيضاً إلى 92NY، إحدى المؤسسات الثقافية الرائدة في نيويورك، بعدما قررت إلغاء فعالية لقراءة أحد أعمال الكاتب الفائز بجائزة بوليتزر، فيت تان نغوين، بعد يوم من إعلانه توقيع رسالة مفتوحة تندد "بالعنف العشوائي" الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة. وأخيراً، وجدت مجلة غيرنيكا الأدبية الرقمية نفسها في مرمى الانتقادات من القراء ومن الموظفين، بعدما نشرت مقالاً ثم سحبته للكاتبة الإسرائيلية جوانا تشن، حول "التعايش" و"الحرب" في المنطقة. بعد نشر المقال في 4 مارس/آذار الحالي، استقال عشرة على الأقل من الموظفين والمتطوعين في المجلة احتجاجاً، وبينهم الكاتبة مادهوري ساستري التي وصفت المقال، عبر منصة إكس، بأنه "يحاول التخفيف من حدة عنف الاستعمار والإبادة الجماعية" ودعت إلى مقاطعة ثقافية للمؤسسات الإسرائيلية. وقال آخرون من المستقيلين إن نشر المقال يمثل "خيانة لمبادئ المجلة" التي تأسست عام 2004. بعد أيام، حذفت المجلة المقال، مما أثار موجة جديدة من الانتقادات من كتّاب وناشطين اتهموها بقمع حرية التعبير.
وقد أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، أمس الثلاثاء، أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة وصلت إلى 31819 شهيداً و73676 جريحاً، منذ السابع من أكتوبر. وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، خلال الفترة نفسها، أكثر من 130 صحافياً خلال الفترة نفسها، كما قتلت عشرات الكتّاب والفنانين والناشطين، واستهدفت المراكز الثقافية والفنية والمكتبات ومقرات المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية. واعتقلت آخرين في الضفة الغربية. وواصلت سلطات الاحتلال حرمان الكتّاب والمثقفين والفنانين الفلسطينيين من السفر، وبالتالي عدم المشاركة في الفعاليات المتنوعة وعدم تمثيل فلسطين في المحافل الدولية، كما منعت العديد من الكتّاب والفنانين والناشرين العرب من المشاركة في معرض فلسطين الدولي للكتاب الذي نظمته وزارة الثقافة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 2023. كما حرمت مئات الكتّاب في غزة من المشاركة في فعاليات في رام الله، خاصة ملتقى الرواية ويوم الثقافة الوطنية ومعرض الكتاب. وفي مدينة القدس يعاني المشهد الثقافي من محاولات التشويه والتحريف المستمرة للتاريخ والمواقع الأثرية ومحاربة الفعل الثقافي بكافة أشكاله، وفي سبيل ذلك ضاعفت سلطات الاحتلال من الميزانية المخصصة لعمليات الأسرلة التي تمس الثقافة العربية في القدس، إذ بلغت 284 مليون دولار، وفقاً لوزارة الثقافة الفلسطينية.