القضايا المناخية في صلب ألعاب الفيديو

29 يونيو 2024
تثير القضايا المناخية قلق الناس أمام الشاشات (نانو كالفو/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تتجه صناعة ألعاب الفيديو نحو دمج القضايا البيئية في محتواها، مثل تقديم خيارات لإدارة التلوث والتغير المناخي في ألعاب مثل "سيتيز: سكايلاينز" و"سيفيليزيشن 5"، لتحفيز اللاعبين على التفكير في تأثيرات قراراتهم البيئية.
- تركز ألعاب مثل "تيرا نيل" على إعادة تأهيل البيئات المتدهورة، مستخدمة حلولاً تقنية مبتكرة مثل زهور دوار الشمس لتطهير المناطق الملوثة، لتعزيز التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة وإعادة إحيائها.
- تسلط الألعاب الضوء على ضرورة تقليل البصمة الكربونية لصناعة الألعاب، مع تقديم أنماط لعب صديقة للبيئة وتشجيع المبادرات مثل "بلايينغ فور ذا بلانت" للالتزام بمعايير بيئية صارمة، رغم التحديات المستمرة في تقليل الأثر البيئي.

يسعى عدد متزايد من مطوري ألعاب الفيديو إلى اختيار مواضيع تتناول المشاكل المناخية، وتتمثل مهمة مستخدميها في إيجاد حلول لهذه الأزمات، كإعادة تأهيل منطقة منكوبة بيئياً وبناء مدن أنظف، فتساهم بذلك في التوعية بهذه المسائل، مع أن القطاع نفسه لا يشكّل نموذجاً يُحتذى في مجال مراعاة معايير الاستدامة.

تعرض لعبة "تيرا نيل" التي طُرحت على أجهزة الكمبيوتر في مارس/ آذار 2023 على مستخدميها إمكانية إعادة بناء بيئة متدهورة لدرجة محو كل الآثار البشرية، في مهمة تسير عكس الألعاب التي عادة ما تركّز على التنمية الاقتصادية لمدينة أو إمبراطورية ما.

وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، يقول سام ألفريد (30 عاماً)، أحد مبتكري اللعبة التي يستخدمها أكثر من 300 ألف شخص بحسب شركة ديفولفر ديجيتال التي نشرتها، إنّ "الهدف هو أن نظهر للاعبين والمطوّرين الآخرين إمكانية إنشاء لعبة استراتيجية من دون استغلال البيئة". ومن خلال تطهير منطقة مليئة بالإشعاعات باستخدام زهور دوار الشمس، أو ابتكار حاضنات للشعاب بهدف إعادة تشكيل الحاجز المرجاني العظيم، توفّر اللعبة التي ابتكرتها شركة فري لايفز في جنوب أفريقيا حلولاً تقنية كثيرة للحفاظ على البيئة وإعادة إحيائها. ويوضح سام ألفريد "تحاول آليات لعبتنا ترجمة عمليات فعلية أو طبيعية أو اصطناعية، بطريقة ممتعة، وهذا يعني تبسيطها وأخذ بعض الحريات الإبداعية".

باتت المواضيع البيئية منذ سنوات أكثر تداولاً في مجال ابتكار ألعاب الفيديو. ومنذ 2017، تقدّم الشركة المبتكرة للعبة "سيتيز: سكايلاينز" للمدن الافتراضية إمكانية إدارة التلوث والبيئة ضمن لعبة "غرين سيتيز". وعام 2019، أدخل التغير المناخي ضمن أقسام لعبة "سيفيليزيشن 5" الاستراتيجية. لكنّ هذه التغييرات في الألعاب قد تثير سخط اللاعبين.

وتقول المديرة العامة لشركة كولوسال أوردر الفنلندية التي ابتكرت "غرين سيتيز"، مارينا هاليكاينن: "لقد اتُّهمنا بتخريب اللعبة عندما أدخلنا إليها تحديثات تنطوي على مسائل سياسية". وبينما ينفي الفريق سعيه إلى هدف مماثل، يسلّط الضوء على "الخيار" المعروض لتجربة نماذج مختلفة للمدن، أكانت بيئية أم لا، واستخلاص استنتاجات خاصة بكل لاعب.

يرى المتخصص في المسائل البيئية في مجال ألعاب الفيديو، بنجامين أبراهام، أنّ من الصعب جداً على الشركات المطوّرة تضمين الخيارات التي لا يمكن للبشر التنبؤ بها أحياناً، كالقرارات السياسية مثلاً، حتى لو كانت الألعاب الحالية تتطرّق بشكل أفضل إلى قضايا كالطقس أو الاحترار المناخي.

وعام 2019، أطلق عدد كبير من الشركات التي تظهر إصراراً على التوعية بطريقتها الخاصة، فرعاً متخصصاً بالمناخ للرابطة الدولية لمطوري الألعاب (IGDA) التي تضمّ من بين أعضائها أرنود فايول، المدير الفني لـ"يوبيسوفت". وفي مارس 2023، قال فايول لزملائه خلال مؤتمر "غيم ديفيلوبرز" في سان فرانسيسكو: "أيها المطوّرون، لديكم قوة خارقة لأنّكم تتوجّهون إلى ثلاثة مليارات لاعب (...) وتستطيعون جعل المشاكل المعقدة ممتعة ومرحة". وتضمّ المجموعة راهناً نحو 1500 من المتخصصين في القطاع والأساتذة الجامعيين وخبراء البيئة والمناخ، يتشاركون خبراتهم لدمج قضايا المناخ في ألعاب الفيديو وتوعية اللاعبين في شأنها. ويقول فايول إنّ "الفكرة تتمثل في إحداث تأثير ثقافي إيجابي في الجانب الجمالي والمضمون وآليات اللعبة والتكنولوجيا". يضاف إلى ذلك إلى السعي لدفع جمهور ألعاب الفيديو إلى المشاركة بصورة أكبر في القضايا المناخي، علنياً (عرض التبرع لجمعية ما) أو ضمنياً (القيام بأعمال إيجابية من أجل البيئة في اللعبة).

وتثير القضايا المناخية قلق الناس أمام الشاشات، وبحسب دراسة نشرها عام 2022 مركز ييل بروغرام للأبحاث بشأن التواصل المتعلق بالتغير المناخي، يقول 70% من لاعبي ألعاب الفيديو الأميركيين الذين شملتهم الدراسة إنهم قلقون بشأن ظاهرة الاحترار المناخي. ومن الناحية التقنية، ثمة حلول لخفض البصمة الكربونية لقطاع يستهلك كميات كبيرة من الطاقة. وتقدم بعض الألعاب أنماط لعب "صديقة للبيئة"، مما يقلل من استهلاك أجهزة التشغيل وأجهزة الكمبيوتر للكهرباء. وأدخل مبتكرو "فورتنايت"، إحدى الألعاب الأكثر شعبية في العالم، تحديثاً يخفّض من جودة الرسوم المعروضة للاعبين غير النشطين. وتوفّر هذه الخطوة نحو "73 غيغاوات في الساعة سنوياً"، بحسب شركة إيبيك غيمز المُبتكرة للعبة، وهو ما يعادل استهلاك الكهرباء السنوي لمدينة فرنسية يبلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة. لكنّ أبراهام يعيد التذكير بأنّ "الوضع ليس مذهلاً" للقطاع، على الرغم من الالتزامات التي تعهدت بها كبرى الشركات عام 2019 من خلال مبادرة "بلايينغ فور ذا بلانت" (اللعب من أجل الكوكب).

وبحسب أرقام جمعها مؤسس "أفتر كلايمت"، تسببت أكبر 35 شركة متخصصة بألعاب الفيديو، بينها "مايكروسوفت" و"سوني"، بإطلاق أكثر من 81 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون عام 2022، أي ما يعادل الانبعاثات الخاصة بدولة كبلجيكا مثلاً. وهذا الرقم لا يشمل عموماً استهلاك اللاعبين للكهرباء.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون