"العناية بمايا"... المستشفى والمحكمة وانتحار الأم

14 يونيو 2024
عادت الطفلة إلى منزل العائلة بعد احتجازها أكثر من ثلاثة أشهر (نتفليكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- هنري روزفلت، المخرج الأمريكي، بدأ مسيرته بدور في "الشبكة الاجتماعية" ودرس في معاهد فنية بأمريكا وأوروبا قبل تأسيس Native Boy Films، مركزًا على تحديات الأسرة الأمريكية.
- فيلمه "العناية بمايا" على نتفليكس يروي قصة عائلة كوالسكي التي تصارع النظام الطبي والقضائي بسبب مرض ابنتهم، مسلطًا الضوء على تعقيدات الرعاية الصحية.
- يناقش الفيلم تأثير النظام الرأسمالي على الرعاية الصحية والاجتماعية، مبرزًا الصراع بين الأسر والمؤسسات وقوة الأسرة في مواجهة الظلم، مع التركيز على الأثر العاطفي والاجتماعي للتجربة.

لا يمتلك المخرج الأميركي، هنري روزفلت، سيرة ذاتية كبيرة، وهذا الأمر يتناسب مع زمن عمله القصير في مجال الفن السابع. مسيرة روزفلت بدأت بتقديمه دوراً أقل من ثانوي في الفيلم الشهير "الشبكة الاجتماعي" The Social Network الصادر عام 2010 للمخرج ديفيد فينشر، بدأ بعدها رحلة دراسة طويلة، تنقّل خلالها في معاهد فنية كثيرة في أميركا وأوروبا.

عام 2013، أسس شركة Native Boy Films وأخرج العديد من الأفلام القصيرة، وعمل في مجموعة أفلام أخرى مصوّراً سينمائياً. منذ بداية مسيرته الإخراجية، بدأ توجه روزفلت يبدو أكثر وضوحاً من حيث المواضيع التي يتناولها. وعلى الرغم من التخبط الحاصل بسبب محلية مواضيعه، فإنّه استمر على النهج نفسه. تمحورت أعماله القليلة حول الأسرة الأميركية بمعناها الحديث، ومحاولتها الدائمة للبقاء متماسكة أمام مؤسسات الدولة. لم يقلل من أهمية ماضي هذه الأُسر والقصص الخيالية المتداولة بين أفرادها؛ إذ يعتبرها روزفلت الناظم الرئيس للعلاقات بين أفرادها. لم يجد روزفلت قصصاً أهم وأكثر حساسية من قصص المستضعفين والطبقات الفقيرة المسحوقة في النظام الرأسمالي الحديدي في الولايات المتحدة، أولئك الذين تطحنهم المؤسسة بقوانينها وبيروقراطيتها.

صدر له فيلم وثائقي عنوانه "العناية بمايا" Take Care of Maya على منصة نتفليكس. بدأ العمل على الفيلم بعد أن قرأ مقالاً صحافياً عن عائلة وقعت ابنتها بالأسر الطبي ولم تخرج منه إلا بعد أن شنقت الأم نفسها في قبو منزل الأسرة. في تلك اللحظة -حسب قول روزفلت- أدرك أهمية هذه القصة لمشروعه الشخصي، إذ إنها قصة تروي حال مجتمع عالق داخل مثلث مؤسساتي متجانس، مكوّن من الخدمات الاجتماعية وأنظمة الرعاية الصحية والنظام القضائي.

من وجهة نظر عائلة كوالسكي فقط، تبدأ القصة في الوثائقي وتستمر إلى النهاية. يتحدث الأب جاك (إطفائي سابق) عن بداية علاقته بزوجته بياتا، وطفليهما مايا وكايل. بدأت قضية هذه الأسرة عام 2015، بعد أن شُخّصت الابنة مايا بمرض عصبي مزمن اسمه CRPS. يسبب هذا المرض للطفلة ذات التسع سنوات ألماً حارق في أطرافها لا يهدأ إلا باستخدام جرعات عالية من عقار مخدر هو الكيتامين الذي كان يُستخدم في النوادي الليلية لأغراض ترفيهية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في الثلث الأول من العمل، يروي الأب الأحداث بتسلسل زمني دقيق. يستشهد بمذكرات الأم (ممرضة سابقة) التي تابعت توثيق كل معلومة وكل حدث مرافق لها منذ لحظة تشخيص ابنتهما. يُدَعَم العرض بأرشيف سمعي وبصري كبير، قد يكون مبالغاً فيه في بعض المشاهد.

بينما يضرب إعصار ماثيو ولاية فلوريدا، تنتكس مايا صحياً ويأخذها والداها إلى المستشفى. حينها، لم يعلم الأب أنه وقع في فخ البيروقراطية. يتهمه المستشفى ومعه الخدمات الاجتماعية بمتلازمة "مونشاوزن"؛ وهي إساءة الأهل للأطفال طبياً بسبب العناية المفرطة. توضع الطفلة على أثر هذه التهمة تحت وصاية الولاية، والجميع مذنب حتى تثبت براءته، فتُمنع الأسرة من التواصل مع الطفلة نهائياً.

بينما كانت المعركة القضائية في أشد جولاتها بعد 87 يوماً من الأسر الطبي للطفلة، تطلب الأم من القاضي أن ترى ابنتها لتحضنها، لم يوافق القاضي. عادت الأم المهزومة إلى المنزل. كتبت على ورقة Take Care of Maya، ووضعت لحياتها حدّاً.

يستمر العرض بعد عودة الطفلة إلى المنزل من احتجاز دام أكثر من ثلاثة أشهر. نرى مايا وقد اشتد عودها تواصل العمل على قضيتها ضد المستشفى الذي احتجزها، وتطالب بتعويضات عما تسبب لها ولأسرتها من ضرر.

نلاحظ أن علاقات الأفراد داخل أُسرهم في تلك المجتمعات متماثلة حد التطابق مع علاقة الشركة بموظفيها، فالبروتوكولات والعلاقات الداخلية توضع حيز التنفيذ حسب منطق سوق العمل وليس العاطفة. حينها، تتحول التربية من عملية اجتماعية عاطفية، إلى عملية تحضير اقتصادية للطفل كي يصبح موظفاً في شركة، يمارس قوانينها وكأنها بديهيات، كشكل حديث للعبودية. يضاف أيضاً قدرة شركات الأدوية والمستشفيات -المال والسلطة- على سَنْ القوانين بما يتوافق ومصالحها، فمنطق الربح البحت فقط هو من يقود النظام الطبي الأميركي. حتى وكالة الرعاية الاجتماعية هي وكالة مخصخصة، وانتشار هذه النوعية من الأفلام الدليل الأكبر على الخلل الاجتماعي الذي تسببه.

بالرغم من حساسية المخرج الفنية، فإنه لم يستطع تقديم حجج موضوعية أو تحليل للبنية المؤسساتية الطبية، واستمر العرض بمراكمة المشاعر لا أكثر. وقد يعود هذا في جزء منه لانخراطه الشديد في عائلة مايا على مدار أربع سنوات لإنتاج الفيلم، لكنه بالتأكيد حقق غرضه الإعلامي، عبر التعريف بهذا المرض، والكشف عن رثاثة القوانين في ولاية فلوريدا، وغيرها من الولايات الأميركية.

المساهمون