كان نقيب الصحافيين المصريين، ضياء رشوان، يملأ الدنيا ضجيجاً أثناء الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بولاية جديدة، ونجح في الضغط من أجل الإفراج عن صحافيين مصريين، في الأيام القليلة التي أعقبت إعلان فوزه في الانتخابات، في إبريل/ نيسان الماضي. والآن ابتلع لسانه، وتلحف الصمت عن الزج بصحافيين جدد في السجن وتدهور الحالة الصحية لعدد منهم، تاركاً طائر الموت يحلق بجناحيه الأسودين فوق رؤوسهم.
فقد انضم الكاتب الصحافي المصري توفيق غانم إلى قائمة الصحافيين المعتقلين، البالغ عددهم 71 صحافياً وإعلامياً حتى نهاية مايو/ أيار الماضي، حسب توثيق "المرصد العربي لحرية الإعلام"، وذلك قبل أيام من الذكرى الـ 26 لـ"يوم الصحافي المصري" التي تحلّ اليوم.
باتت أحوال الصحافيين المصريين في السجون مزرية، وسط صمت مخجل من قبل نقابة الصحافيين التي تعجز حتى عن تحسين ظروف حبسهم. وتدهورت الحالة الصحية للصحافيين عامر عبد المنعم وجمال الجمل خلال الشهر الماضي وحده، فالأول مهدّد بفقدان بصره، والثاني كان يعاني من أعراض مرض "كوفيد-19".
وبينما وافقت إدارة مجمع سجون طرة على نقل جمال الجمل إلى مستشفى السجن بصعوبة بالغة، لا تزال أسرة عبد المنعم تتوسل من أجل الإفراج عنه أو السماح بإدخال كرسي له في الزنزانة والتصريح له بالخروج لإجراء عملية جراحية في عينه خارج مستشفى السجن قبل أن يفقد بصره. مطالبات أسرة الكاتب الصحافي بإخلاء سبيله فوراً، ومناشدات نقابة الصحافيين المصريين بالضغط للإفراج عنه في أسرع وقت، لم تلقَ أي تجاوب.
إلى هذا، حافظت مصر على مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2021 الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود"، إذ احتلت المركز 166 من أصل 180 بلداً شملها التقرير. "مراسلون بلا حدود" أشارت أيضاً في تقريرها الأخير إلى أن أكثر دول الشرق الأوسط "استبداداً" هي السعودية ومصر وسورية التي كثفت ممارساتها القمعية المتمثلة في "تكميم الصحافة" لتحكم قبضتها على وسائل الإعلام في سياق جائحة "كوفيد-19" حيث جاءت الأزمة الصحية لتعمق جراح الصحافة العميق أصلاً في هذه المنطقة التي لا تزال الأصعب والأخطر في العالم بالنسبة للصحافيين.
يشار إلى أن "يوم الصحافي المصري" أعلن عنه في العاشر من يونيو/ حزيران عام 1995، بعد انعقاد الجمعية العمومية الحاشدة للنقابة التي حضرها عدد كبير من الصحافيين تنديداً بالقانون رقم 93 لسنة 1995 الذي عُرف بقانون "اغتيال الصحافة"، وكان أبرز سماته تغليظ العقوبات والجزاءات وإباحة الحبس الاحتياطي في قضايا النشر.
هذا القانون المجحف استدعى انعقاد الجمعية العمومية بشكل مستمر لمدة عام سعياً لإسقاطه، ما أجبر الحكومة المصرية حينها على تعديل المواد محل الاعتراض، ليصدر بعدها القانون رقم 96 لسنة 1996، وليحقق الصحافيون ومجلس نقابتهم نصراً عظيماً بفرض توجهاتهم وآرائهم على الجهات التنفيذية.
ويبدو أن هذه الذكرى غابت عن أذهان نقيب الصحافيين المصريين ومجلس نقابته، أو تناسوا أن الصحافة ووسائل الإعلام محرومة من ممارسة عملها بحرية في مصر، بسبب الحصار الشديد الذي فرضته السلطات المصرية عبر أجهزتها المختلفة، إذ لا تزال عشرات المواقع الصحافية تتعرّض للحجب، في إطار حملة واسعة بدأت منذ عام 2017، وقادتها جهة رسمية غير معلومة. ويأتي حجب مئات المواقع رغم أن الدستور المصري أعطى الصحافة بأنواعها المختلفة حرية مطلقة ونص على أنه "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة". إلا أن القانون رقم 180 لسنة 2018، المسمى بقانون "تنظيم الصحافة والإعلام" و"المجلس اﻷعلى لتنظيم اﻹعلام" وضعا قيوداً مكبِّلة لحرية الصحافة في مخالفةٍ لأحكام الدستور.