العزلة سبب محتمل خلف انقراض إنسان نياندرتال

12 سبتمبر 2024
مجسم لإنسان نياندرتال في متحف التاريخ الطبيعي بلندن، 27 إبريل 2022 (مايك كمب/ Getty)
+ الخط -

لا تزال الأسباب التي أدت لانقراض إنسان نياندرتال غير معروفة بدقة، ففي حين يرى البعض أن ذلك كان نتيجة تغيّرات مناخية، يرجح البعض الآخر أن يكون ناجماً عن أوبئة. لكنّ دراسة عيّنة من وادي رون، من سلالة قضت 50 ألف سنة من دون تبادل جينات مع مجموعات أخرى، تطرح احتمال أن يكون الانقراض نتيجة هذه العزلة الجينية.

سكن إنسان نياندرتال أوراسيا حتى قرابة 40 ألف سنة قبل الميلاد، وتعايش مع الإنسان العاقل، قبل أن ينقرض. وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، قال الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية، التابع لجامعة تولوز، والمعد الرئيسي للدراسة التي نشرت الأربعاء في مجلة سيل جينوميكس"، لودوفيك سليماك: "إنها اللحظات الأخيرة التي كانت فيها مجموعات كثيرة من البشر على الأرض، في مرحلة استراتيجية وغامضة جداً لعدم فهمنا كيف يمكن لبشرية بأكملها، كانت منتشرة من إسبانيا إلى سيبيريا، أن تنقرض فجأة".

وعُثر على العينة التي تحمل اسم "ثورين"، في إشارة إلى شخصية من إحدى روايات جون رونالد تولكين، عام 2015 في كهف ماندرين الذي كان يؤوي بالتناوب مجموعات من إنسان نياندرتال والإنسان العاقل. وهذا الاكتشاف نادر، ويمثل أوّل إنسان نياندرتال يجري اكتشافه في فرنسا منذ عام 1978، إذ لا يوجد في مختلف أنحاء أوراسيا سوى أربعين منهم.

وقال سليماك: "بمجرد سحب الجثة من الأرض، أرسلت قطعة عظم صغيرة، متأتية من ضرس، إلى كوبنهاغن لتتسلمها الفرق المتخصصة في علم الوراثة"، مضيفاً: "نحاول منذ عشر سنوات الحصول على حمض نووي في ماندرين، سواء أكان حيوانياً أو بشرياً، ولم ننجح مطلقاً في تحقيق ذلك، إذ بمجرد سحب العظام من الأرض، يتحلل الحمض النووي بسرعة كبيرة".

وبحسب التحليلات الأثرية "يتراوح عمر هذه الجثة ما بين 40 و45 ألف سنة، لكن بالنسبة إلى علماء الوراثة تعود إلى 105 آلاف سنة، وكان أحد الفريقين مخطئاً حتماً".

زواج الأقارب أضرّ بإنسان نياندرتال

استغرق الأمر سبع سنوات من البحث لطرح الموضوع. وأظهرت تحليلات نظائرية أن "ثورين" عاش في مناخ شديد البرودة، يتوافق مع العصر الجليدي الذي لم يشهده سوى إنسان نياندرتال المتأخر.

لكن الجينوم الخاص به قديم جداً. وقال عالم الوراثة السكانية والمعد الرئيسي للدراسة مارتن سيكورا من جامعة كوبنهاغن في بيان مصاحب للدراسة: "إنها بقايا من أقدم مجموعات إنسان نياندرتال في أوروبا". وأضاف: "إن السلالة المؤدية إلى ثورين انفصلت عن سلالات إنسان نياندرتال المتأخرة الأخرى منذ قرابة 105 آلاف سنة".

ثم قضت هذه السلالة 50 ألف سنة "من دون أي تبادل جيني مع إنسان نياندرتال الأوروبي الكلاسيكي"، بما في ذلك مع السكان الذين عاشوا على بعد أسبوعين فقط مشياً، على قول سليماك. وهي عزلة لا يمكن تصورها لدى الإنسان العاقل، وخصوصاً أنّ وادي رون كان آنذاك أحد ممرات الهجرة الرئيسية بين شمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط.

وقال سليماك: "لقد كان علم الآثار يفيدنا منذ فترة طويلة بأن بشر نياندرتال عاشوا في مناطق صغيرة جداً، على بعد بضع عشرات من الكيلومترات حول موقع معيّن". وعرفنا تالياً أنهم كانوا يعيشون في مجموعات صغيرة، ويعانون من مشاكل مرتبطة بزواج الأقارب.

لدى الإنسان العاقل "ثمة دوائر أوسع بشكل غير محدود، ومناطق تغطي عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة، فضلاً عن أن انتشار الأغراض، والأصداف، والتواصل الاجتماعي، وبناء شبكات اجتماعية منظمة جداً تشكل خلفية عالمية لكل مجموعات الإنسان العاقل".

وأضاف سليماك أن هاتين المجموعتين "لا تفهمان العالم قط، ولا تنظمان نفسيهما في العالم بالطريقة نفسها"، معتبراً أنّ هذه العناصر هي "مفتاح رئيسي لفهم" انقراض إنسان نياندرتال.

فيما قالت عالمة الوراثة السكانية في جامعة كوبنهاغن والمشاركة الرئيسية في إعداد الدراسة، ثارسيكا فيمالا: "عندما يكون الإنسان معزولاً لفترة طويلة جداً، يصبح التنوع الجيني محدوداً لديه، مما يعني قدرة أقل على التكيف مع التغير المناخي ومسببات الأمراض، كما أنّ ذلك يحدّه اجتماعياً لأنه لا يشارك ولا يتطوّر كمجموعة سكانية".

(فرانس برس)

المساهمون