العالم يحترق وهذا مُعاشٌ كلّ يومٍ

08 مايو 2024
نيويورك في 11 سبتمبر 2001: اشتعال حريق القرن الـ21 (بورتر غيفورد/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العالم يعاني من تأثيرات مدمرة لا يمكن إنكارها، حيث يظهر الإعلام الأمريكي، من خلال السينما والتلفزيون، انهياراً اجتماعياً عبر استعادة أفلام ومسلسلات تكشف عن العنف والخراب.
- الأعمال الفنية تسلط الضوء على معاناة الأفراد في مختلف جوانب الحياة، من العائلة إلى النظام السياسي والاقتصادي، مما يدفعهم إلى العزلة أو حتى الانتحار، معبرة عن واقع قاسٍ ومؤلم.
- التحقيقات البوليسية والدراما في الأفلام والمسلسلات تثير تساؤلات حول صدق نقلها للواقع، معتبرة أن الخيال الفردي يمكن أن يخلق سرداً لا يعكس الحقيقة بالضرورة، مما يزيد من الضغط النفسي على المشاهدين.

 

العالم يحترق. يستحيل عدم التأثّر بالتأثيرات المدمِّرة للحريق، فالنار أقوى من أنْ يخمدها تفاؤلٌ وإيجابية، يحضران في نفوسٍ وتفكير، لكنّ المُلاحَظ على من يدعو إليهما أو يعيشهما شيءٌ من ادّعاء وتحايل، على الذات أولاً، وإنكار للواقع.

السينما والتلفزيون الأميركيان دليلٌ على قول هذا، منذ سنين. استعادة أفلام ومسلسلات قديمة تكشف انهيار اجتماع أميركي في عنفٍ وخرابٍ، وهذا غير حاجبٍ التنبّه إلى إنتاجات مهمّة للبلد في ثقافةٍ وفنون وعلومٍ وتكنولوجيا، يُفترض بكثيرين وكثيرات في العالم الاستفادة منها.

الأمثلة كثيرة. مسلسلات وأفلامٌ، مُنتَجة قبل أعوام، تروي حكايات ـ حالات أفرادٍ يعانون بطشاً في عائلة، وإهمالاً في اجتماع، ولامبالاة في طبابة، وتمزّقاً في علاقة، وبؤساً في يوميات، وشقاءً في انفعال. نظامٌ متكامل، في السياسة والاقتصاد والإعلام تحديداً، يُرهِق أناساً، دافعاً إياهم إلى قعرٍ غير متناهٍ، أو إلى موتٍ بطيء، وهذا أكثر أذيّة من كلّ موتٍ آخر، عزلةً أو انتحاراً. ذكر مثلٍ أو أكثر غير مهمّ، فالذاكرتان، الفردية والجماعية، غنيةٌ بعناوين تسبق الحاصل راهناً، أو تعاين بعض الآنيّ لحظةَ اشتغالها.

تحقيقات بوليسية في جرائم، منها "اختفاء أفراد"، تكشف كمّاً مُخيفاً من ضغوط عائلة وجماعة ونظام حاكم ـ متحكّم. هذا مثلٌ على نوعٍ واحد، والأنواع البصرية حاضرةٌ في سياقٍ كهذا: دراما طبية، دراما إطفاء، إلخ. لكنّ هذا الكمّ نفسه دافعٌ إلى سؤالين: إلى أي حدٍّ يُمكن اعتبار أعمالٍ كهذه "صادقة" في نقلها الواقع، أو بعضه على الأقلّ؟ إنْ يُنقل بعض الواقع فقط، ألن يُخيف المرويُّ رغم قلّته، لما فيه من بشاعةٍ وقهرٍ ودمار في ذاتٍ وروح وانفعال وبيئة؟

يُقال أحياناً إنّ المرويّ في أفلامٍ ومسلسلات، كما في رواياتٍ ومسرحيات مثلاً، غير صائبٍ كلّياً، فخيال الفرد غير محدود، وقدرته على ابتكار لاواقعٍ وسرد لا حقيقة غير مختلفة أبداً عن قدرته على صُنع واقع وسرد حقيقة، أو شبه حقيقة، فالفرد مخادع وكاذب، عامة. مع هذا، مشاهدةُ المرويِّ تُصيب كياناً بشرياً يعاين يومياً أهوال حروبٍ وانهيارات في بقاع العالم، والإصابة خانقةٌ، والمعاينة، التي يُضاف إليها مشاهدة أفلام ومسلسلات كهذه، تزيد من ضيق المساحة الممتدة بين جدران غرفة، وفراغ شارع، وسهرٍ في حاناتٍ يرتادها أناسٌ، لكنّها فارغةٌ من كلّ أحدٍ، ومن كلّ شيء.

المساهمون