"بدأت قصّتي مع الموسيقى الغجرية، مع نظرتي المختلفة إلى آلة الفيولا وإلى وظيفتها. وجدت أنّ الفيولا مظلومة على الرغم من صوتها الرّائع وأنّها ثانوية في الموسيقى الكلاسيكية. لم يوظّفها أحد لتكون آلة منفردة (سولو) أو قائدة لفرقة معينة"، يقول سامر راشد، عازف الفيولا الفلسطيني والمؤلف المتميّز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مع اقتراب موعد عودته إلى لندن هو وفرقته في 18 يونيو/ حزيران لعرض أحدث ألبوماته "حكايات الجاز الغجري".
راشد الذي دخل عالم الموسيقى بالعزف على الكمان مدة سنتين، انتقل بعدها إلى آلة الفيولا، وانطلق معها في رحلة جديدة برفقة موسيقى الجاز الغجريّة غير المألوفة في عالمنا العربي. ففي مدينة إسطنبول التركية، حيث أكمل دراسته في التخصّص في هذا النوع من الموسيقى مع العازف التركي الشهير نديم نلبنتوغلو، المتخصص في الموسيقى الغجرية، راح يفكر في كيفية العمل على موسيقى أصلية جديدة، تتميّز بطابع عربي خاص ومستوحاة من الموسيقى الغجرية بشكل عام. يقول: "خطرت على بالي فكرة موسيقى الجاز الغجري، والتي تتميز بإيقاع حركي وتحمل تشابهًا تاريخيًا مع الموسيقى الشرق أوسطية والنمط الروماني الغجري، لما تحمله من مرونة تمنحنا حرية التأليف عوضاً عن العمل على أمور مستهلكة أو مألوفة".
"كان من الطبيعي أن يواجه أي عمل فنّي جديد تحدّيات في العالم العربي، لكنّه يحاول أن يبقي اختلاف النوع الموسيقي الذي يقدّمه قريباً من الذوق العام للناس، مع المحافظة على بصمة العازف"، يقول راشد، ويضيف: "أسعى إلى محاربة الصورة النمطية. تلك التي تقول إن نجاح أي عرض موسيقي إنّما يعتمد على وجود مغنّ أو نمط مألوف من الموسيقى مثل القدود الحلبية أو غيرها. برأيي، أعتقد أنني قد حقّقت إنجازا هاماً في التأثير على ذوق الناس وجذبهم إلى عروض جديدة خرجت عن هذا الإطار. يبقى التحدي الأكبر للموسيقي في العالم العربي هو غياب شركات متخصّصة في ترّويج وترتيب الفعاليّات. يعني ينبغي على الموسيقي أن ينجز كل شيء وحده. أنا يجب أن أؤلّف وأجمع الشباب للتدريب وأجهّز تأشيرات السفر وأتواصل مع أماكن قاعات العرض. بينما تختلف الأمور في أوروبا حيث لا يحتاج الموسيقي سوى إلى التركيز على الجانب الفني بعيداً عن الأمور الإدارية".
وعن منافسيه في العالم العربي يقول: "منافسي في العالم العربي هو أنا نفسي، فهدفي الأساسي في كل مرّة هو أن أقدم عرضاً جديداً، هو أن أكون أفضل من المرة السابقة. على سبيل المثال، أعود إلى بريطانيا في 18 يونيو بعد مضي ثلاث سنوات تقريبا على جولتي فيها عام 2019، وأهدف إلى تقديم مستوى أفضل بكثير ممّا قدمته في الماضي". يرى راشد أنّه يختلف عن الموسيقيين العرب في نوع الموسيقى وأسلوب العرض. فهو لم يلتق بأي شخص يعزف موسيقى الجاز الغجرية من الوسط العربي، ولا حتى شخص يعزف آلة الفيولا منفردة (سولو)". بيد أنّه يشعر بالفخر عندما يتحدث عن الموسيقيين العرب، ويقول: "عندما نتعرّف على الموسيقيين خارج عالمنا العربي، نجد أن هناك مميزات لدينا يفتقرها آخرون، وأنّنا قادرون على عزف أي نوع موسيقى".
عن أفضل عروضه، يقول راشد إنّها جميعها جميلة لكنّها تنقسم إلى فئتين، الأولى يكمن جمالها في الناحية الفنية والثانية في الناحية المعنوية. فالعروض التي يقيمها في فلسطين، سواء في القدس أو في رام الله، هي عروض خلفها إحساس ودافع جميل للغاية، أمّا العروض الدولية فهي تعرّف الناس على ثقافتنا، وتعدّ زخماً كبيراً. ويعتبر راشد أنّ أحد أهم إنجازاته في عالم الموسيقى هو إعادة توزيع مقطوعات مؤلف وعازف القانون التركي جوكسيل بكتاغير، في عام 2015، الذي عبّر عن إعجابه بعمله. وتأثر راشد إلى حدّ كبير بموسيقاه التي تتميّز بالأفكار التي تحملها وباللمسة الغجرية.
يعتقد راشد أنّ الغجر، خلال ترحالهم من مكان إلى آخر، يمكن أن يكونوا قد تأثروا بالموسيقى العربية، خاصّة في الأندلس، ليس فقط من ناحية الإيقاعات بل من ناحية المقامات الموسيقية. ويشير إلى أنّه يبقى من الصعب أن نعرف بالتأكيد إن كانت الموسيقى العربية قد تأثرت بالغجرية أو العكس صحيح. أمّا ما لا شك فيه، فهو أن الحضارة والمقامات العربية أقدم بكثير. ويوضح أنّه من فرنسا خرجت بدايات موسيقى الجاز الغجري، التي وصل إليها الغجر ليجدوا فيها خليطاً من موسيقى الجاز والموسيقى الغجرية. وفي ردّه عن أهمية دراسة وفهم الموسيقى القديمة وتاريخ الموسيقى، يقول راشد إنها ليست ضرورية. فأشهر عازفي الغيتار في العالم من الغجر الهولنديين يجهلون حتى قراءة النوتة الموسيقية. مع ذلك يؤلفون أجمل نغمات الموسيقى. ويردف بالقول إنه قد يكون من الأفضل تعلّم الموسيقى القديمة، لكنّها ليست الطريقة الوحيدة للإبداع.
يتحدّث راشد عن رضاه بالنجاح الذي حقّقه ألبوماه "تجليّات غجرية" و"حكايات الجاز الغجري". ويقول إنّ الناس أحبت الموسيقى، وإن العروض تنتقل إلى مستويات أعلى وأكبر بكثير عمّا كانت عليه، كما أنّ الإنتاج والتعاون أكبر. ويعلّق: "نحن لا نزال في بداية الطريق". يتهيّأ راشد حالياً لجولة عروض في بريطانيا تبدأ في 18 يونيو/ حزيران في قاعة "ريتش ميكس" لندن بتنظيم مرسم، ثمّ ينتقل إلى مدينة شفيلد في 23 يونيو ومنها إلى برمنغهام في 25 يونيو.
أمّا على الصعيد الأكاديمي، ومن منطلق إيماني، يرى راشد أنّ أي شخص اختبر تجربة جيّدة في الموسيقى يجب أن يعكسها على الأطفال والناس. لم يتردّد في تأسيس مدرسة بالشراكة مع مدارس المستقبل للموسيقى في رام الله. وهو يؤمن أن بين هؤلاء الأطفال مواهب تحتاج إلى التطوير وبإمكانها أن تخرّج موسيقيين مبدعين في المستقبل. يشير راشد إلى إنّ المدرسة أخذت، في عام 2020، الاعتماد الأكاديمي من جامعة ويست لندن، وأصبحت مركز امتحانات معتمدٍ في فلسطين، من ضمن عدة دول في منطقة الشرق الأوسط في الدوحة والأردن ولبنان.