"الصيادون"... الحرب ضد الرايخ الرابع

04 فبراير 2021
يضم فريق الصيادين مزيجاً من أقليات مختلفة وليست يهودية فقط (أمازون)
+ الخط -

بثت شبكة "أمازون برايم" مؤخراً مسلسل "الصيادون"، من بطولة آل باتشينو، وإنتاج جوردن بيل، الذي اشتهر باسكتشاته الكوميدية، وإنتاجه لعدد من أفلام الرعب كـ"نحن" و"اخرج!". لكنّنا في هذا المسلسل، نجد أنفسنا أمام مزيج من النوعين، إذ نتتبع قصة مراهق يكتشف أن جدته كانت جزءاً من فريق من الناجين من المحارق النازية، هذا الفريق الذي نشط في السبعينيات مهمته "اصطياد" النازيين الموجودين في أميركا، الذين يخططون لإقامة الرايخ الرابع، عبر إبادة كل من هو ملوّن، للحفاظ على الأبيض النقي. 

يتصدر باتشينو المسلسل، ولا حاجة للحديث عن مهارته أو تاريخه الفنّي، لكننا نراه على الشاشة بدور ماير أوفرمان؛ ناجٍ من المحرقة ويعمل وحيداً ضد النازيين، الذين يبدو أن وجودهم في الولايات المتحدة محض خيال، لكننا نكتشف ضمن المسلسل - وبحث سريع خارجاً - أن الفرضية قائمة على حقيقة؛ فبعد الحرب العالميّة الثانيّة، وعبر وكالة الاستخبارات المركزيّة، تم تهريب مئات من العلماء النازيين إلى الولايات المتحدة، كي يعملوا ضمن برنامج الفضاء (ناسا). فعقول هؤلاء هي أسلحة، ولا يمكن أن تترك للعدو الشيوعي. وبالفعل، كما نرى في المسلسل وفي الواقع، كان لهم دور في تطوير أهم الاختراعات والأسلحة الأميركية، وذلك بعد أن تم تبييض صفحتهم ومنحهم هويات جديدة. 

يتضح المُتخيّل في "الصيادون" حين نكتشف أن هؤلاء النازيين ما زالوا يستهدفون اليهود، إلى جانب عملهم على تحقيق "الرايخ الرابع" عبر تجنيد المتشددين البيض، وتطوير سلاح بيولوجي للقضاء على كل الملونين. وهنا يظهر الانتقام اليهودي، الصيادون يقومون بأنفسهم بتحقيق "العدالة"، بسبب تسامح أميركا مع الموضوع، واستفادتها من هؤلاء المجرمين. العدالة هنا ليست فرديّة، بل عدالة جميع ضحايا المحرقة، الذين يواجه الواحد فيهم جلاده في عدد من مشاهد المسلسل، ضمن الحياة اليوميّة. 

ينظر العمل إلى النازيّة وجرائمها بوصفها جرائم تهدد إنسانيّة الإنسان، ولا يصفح عنها، ويرى أن أميركا العنصريّة ضد السود واليهود حاضنة ممتازة لهذه الكراهيّة، فالأمر لا يقتصر على النازيين، بل البيض المتشددين، أولئك الذين يطبق عليهم المسلسل ذات الصورة النمطية التي تطبق على السود. كلهم يمكن لهم أن يكونوا نازيين أو عنصريين مختفين ضمن الحياة اليوميّة والنظام السياسي؛ إذ يعيق العدالة نفسها التي حسب المسلسل لم تتحقق بعد.

هنا، يظهر فريق الصيادين، بوصفه مزيجاً من الأقليات المختلفة، لا فقط اليهود، هم كل الفئات التي تعرضت لعنف الماكينة الرأسماليّة، وعليها أن تحارب أولئك الذين بفضل علومهم بُنيت الماكينة ذاتها، وأوصلت الإنسان للفضاء، وقدمت لنا والت ديزني والمنتجات الاستهلاكيّة الرخيصة التي تعمينا عما يحصل لقمع هذه الأقليات. 

المثير للاهتمام في العمل أنه يطرح سؤالاً على الطبيعة البشريّة، فحجج النازيين غير منطقية إطلاقاً؛ هم أشرار ذوو منطق لا يبرر، والحل الذي يقدمه المسلسل هو قتلهم بوصفه الحل الوحيد، إذ لا يمكن النقاش معهم أو تفهم وجهة نظرهم، وهنا يظهر الشر العدميّ، الذي لخطورته يمكن أن يعدي من يكون على تماس معه أو حتى يحاول القضاء عليه.

يرى المسلسل أن أميركا تمثل بيئة خصبة لاحتضان النازيين

وهنا نكتشف أسلوب عمل الصيادين، هم يسعون بداية للتأكد من هوية النازي، ثم يقومون بمواجهته بجرائمه، وتقديم الأدلة عليها، بعدها ينزل فيه العقاب ضمن صيغة طقوسية، تحرر الألم وتداويه، وتنفي الحجة التي كررها جميع من قتلوهم والتي تتلخص بعبارة: "كنا نتبع الأوامر، ولا دخل لنا". وهنا إشكالية هذه الجملة وعلاقتها بالطبيعة البشريّة؛ فمن يقبل إطاعة الأوامر على حساب إنسانيته وإنسانية من مقابله، لا يمكن مسامحته. 

يمكن أن نرى المسلسل كجزء من حركة الإدانة والكشف التاريخي التي يواجهها التاريخ الأبيض في الولايات المتحدة، والتي رأينها في أفلام كـ BlacKkKlansman، ومسلسلات كـ Watchmen.

هذه الأعمال تحرّض المشاهد على إعادة النظر في حقيقة الصورة الأميركيّة، التي بلغت الحضيض بعد أحداث الإرهاب الأبيض الأخيرة التي تمثلت باقتحام مؤيّدي ترامب للكابيتول، إذ وجدنا على الشاشات في السياق الجدّي فئة كانت خفيّة أو متخيّلة تبين أنها تشكل أمريكا ووجهها العنصريّ.

المساهمون