يواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه الشاملة على الصحافيين الفلسطينيين، مستهدفاً إياهم وأسرهم. يحاول الاحتلال تغييب رواية الصحافيين التي تفضح حقيقة ما يجري على أرض الواقع من مجازر متواصلة بحق المدنيين، والتي وصل عدد ضحاياها إلى نحو 14 ألف شهيد ومفقود تحت الرّكام، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
بدأت فصول الانتهاكات الإسرائيلية بالاستهداف المُباشر للصحافيين وقتلهم، إذ استشهد- وفق المكتب الإعلامي الحكومي- نحو 49 صحافياً فلسطينياً خلال تغطيتهم الإعلامية للحرب على غزة، أو الاستهداف المُباشر لمنازلهم، فدُمّر ما يزيد عن 70 منزلاً للصحافيين وأسرهم، بفعل الاستهداف المقصود، الذي أودى حتى اللحظة بحياة نحو 200 شهيد من عائلات الصحافيين.
تزامن بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع قصف البنايات السكنية والأبراج المدنية والتجارية المُرتفعة، التي تضم أعداداً كبيرة من مكاتب ومقار وسائل الإعلام المحلية والدولية والعالمية، ما أدى إلى التأثير المُباشر على عملها، بعد فقدان نسبة كبيرة من أبراج الإرسال، والمعدات اللازمة لتصوير الأحداث ولحظات القصف، التي كان يتم توثيقها عبر أسطح تلك الأبراج المُرتفعة.
ومع تقدم كُل يوم في عُمر عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تبرز أزمات إضافية؛ إذ خلق إغلاق المعابر، وقطع التيار الكهربائي، وقصف شركات الاتصالات والجوال، وشبكات الاتصال والإنترنت، صعوبةً كبيرة في نقل مُجريات الأحداث الدائرة، خاصة في لحظات القطع الكُلي لإرسال الجوال، والإنترنت، وشبكات الاتصال، فتُعزل غزة بشكل تام عن العالم، مع تغييب أخبارها والمُستجدات كافة فيها.
أما منع دخول مُشتقات البترول، فقد خلق تحدياً كبيراً أمام الصحافيين في عدة مجالات، بدأت بعدم القدرة على تشغيل المولدات الكهربائية للاستعاضة بها عن التيار الكهربائي المقطوع، ما أثر على تشغيل الأجهزة اللازمة لتجهيز الصور والفيديوهات والمونتاج والتقارير الإخبارية، إلى جانب شَل قدرة الصحافيين على الحركة الميدانية نحو الأماكن المُستهدفة، ما أثر بشكل كبير على توثيق الأحداث والمجازر المُرتكبة، وعدم القدرة على تصوير الأماكن البعيدة عن كاميرات المصورين والمراسلين.
تسبب الطلب الإسرائيلي من سُكان محافظتي غزة والشمال، التوجه القسري نحو جنوب وادي غزة، إلى نزوح أعداد كبيرة من الصحافيين مع أُسرهم، خاصة بعد تغول القصف الإسرائيلي على المدنيين، ما أفقدهم القدرة على الموازنة بين الجانبين العَمَلي والأُسري، إلى جانب عملهم في أجواء صعبة للغاية، بسبب تغير البيئة، وانعدام مقومات العمل كافة.
في هذا السياق، يوضح نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، أنه ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي تم رصد 306 جرائم وانتهاكات بحق الحالة الصحافية الفلسطينية، شملت الاستهداف المُباشر لعشرات الصحافيين وأسرهم، إلى جانب تدمير 130 مؤسسة ومنزلاً للصحافيين، مُشدداً على أن شهر أكتوبر كان الأسوأ في تاريخ الصحافة العالمية، لحجم الضحايا من الصحافيين الذين ارتقوا بفعل مجازر قوات الاحتلال الإسرائيلي.
يشير الأسطل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف خلال حربه على غزة الصحافيين العاملين في المؤسسات الصحافية، والطواقم الإدارية والفنية العاملة في قطاع الإعلام، بالإضافة إلى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من خلال القتل، أو الاعتقال، أو القصف، أو الملاحقة والتهديد.
يوضح الأسطل أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف نحو 62 مؤسسة إعلامية بالقصف والتدمير الكلي أو الجزئي في قطاع غزة، في حين تم تدمير أكثر من 70 منزلاً للصحافيين وعائلاتهم جراء الاستهداف المقصود، والذي راح ضحيته نحو 200 شهيد من عائلاتهم.
وعلى المستوى الرسمي، أكدت وزارة الداخلية في غزة، أن ما يصل إلى العالم من صور مجازر الاحتلال لا يمثل سوى 30% بسبب استهداف الصحافيين، وقطع الإنترنت والكهرباء. فيما أوضح المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يستهدف الصحافيين على كافة المستويات، مُحذراً من مغبة مواصلة الاستهداف، في ظل حملات التحريض الشخصية، التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ووسائل إعلامه التي طاولت عدداً منهم.
بدوره، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، سلامة معروف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن حملة التحريض تستهدف الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين الذين أبدعوا في التغطية الإعلامية للمحرقة الهمجية المتواصلة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الذي تلاحق العديد من المنصات النشطاء، والمنابر الفلسطينية، "في انتهاك واضح لحرية الرأي والتعبير، وفي تأكيد على تساوق إدارات شبكات التواصل الاجتماعي مع الاحتلال في حربه ضد المحتوى الفلسطيني".
ودعا معروف المجتمع الدولي إلى لجم الاحتلال الإسرائيلي، ووقف العدوان المستمر على قطاع غزة، الذي يتعرض المدنيون فيه إلى الإبادة الجماعية، مطالباً المنظمات والهيئات ذات العلاقة بالعمل الصحافي والإعلامي بالوقوف عند مسؤولياتهم، وحماية الصحافيين والإعلاميين، الذين استشهد منهم 49 صحافياً حتى الآن.
ويهدف الاحتلال، عبر مُختلف ممارساته العدائية والانتقامية، إلى كتم أي صوت، وتغييب التغطية الصحافية التي يُمكنها فضح مدى الجرائم المُرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين، ما جعل الصحافة والصحافيين في دائرة الاستهداف المباشر وعلى المستويات كافة.
وعلى الرغم من عدم توقف الاستهداف الإسرائيلي للصحافيين ومقار عملهم وعائلاتهم، وتواصل التهديد والوعيد لكُل من ينقل الحقيقة، لا زال الصحافيون الفلسطينيون يواصلون عملهم بأبسط الإمكانيات، سعيًا منهم إلى مواجهة الرواية الإسرائيلية الكاذبة، وإيصال معاناة أبناء الشعب الفلسطيني، من داخل مراكز اللجوء، ومن تحت القصف والنار.