التفتت، أخيراً، صحيفة واشنطن بوست إلى الصحافيين الشهداء في قطاع غزة، من خلال صفحة مظلمة عليها قائمة بأسماء الصحافيين الذين قتلهم الاحتلال وقصص بعضهم، وما كانوا يحاولون فضحه من جرائم الاحتلال قبل أن يُسكتهم إلى الأبد.
وتفيد الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأنّ 126 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي قتلتهم قوات الاحتلال منذ بدء عدوانها حتى حدود كتابة هذه السطور.
تقول صحيفة واشنطن بوست: "قُتل الصحافيون في غزة أثناء تغطيتهم الحرب والاحتماء منها، وقد مات بعضهم مع زملائهم، وآخرون مع عائلاتهم". تضيف: "لقد حاولوا التغطية بأي طريقة ممكنة، فسجّلوا مشاهد المذبحة ولحظات الهدوء النادرة من خلال الصور ومقاطع الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي. الصور التي تركوها وراءهم، أو الكلمات التي لم يعرفوا أنها ستكون الأخيرة، سمحت بإلقاء نظرة خاطفة على حياة الفلسطينيين المحاصرين في حرب مدمرة".
وقالت لجنة حماية الصحافيين إنها تحقق بشكل أكبر في الظروف المحيطة بمقتل صحافيين عدة، لكن هذه التحقيقات مقيدة بسبب عدم القدرة على الوصول إلى قطاع غزة، والعدد الكبير من الحالات والدمار واسع النطاق، ومقتل بعض أفراد عائلات الصحافيين، الذين كان من الممكن أن يكونوا شهوداً رئيسيين.
وزوّدت صحيفة واشنطن بوست الجيش الإسرائيلي بقائمة بأسماء الصحافيين السبعة المذكورين في هذه القصة وظروف قتلهم. برّر جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بالقول إن قواته "تعمل على تفكيك القدرات العسكرية والإدارية لحماس" وتتخذ "جميع التدابير الممكنة من الناحية العملية لتخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين بما في ذلك الصحافيون".
جمعت "واشنطن بوست" بعض الصور ومقاطع الفيديو الأخيرة التي شاركها الصحافيون الشهداء وعلّقت "هذه هي غزة من خلال عدساتهم". واعتمدت قائمة "واشنطن بوست" بيانات وأسماء لجنة حماية الصحافيين حتى 8 فبراير/شباط، واستندت الشهادات إلى مقابلات مع زملاء أو أصدقاء أو أقارب الشهداء، إضافة إلى معلومات من حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتضمّنت القائمة أسماء الشهداء الصحافيين والعاملين في الصحافة الفلسطينية، مثل خليل أبو عاذرة، وجبر أبو هدروس، ومحمد أبو حصيرة، ومحمد أبو حطب، ومحمد ناصر، ومحمد فايز أبو مطر، أحمد أبو مهدي.
يحضر بين هذه الأسماء، الصحافية آيات خضورة (27 عاماً)، وهي مراسلة مستقلة استُشهدت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني. وقبل رحيلها، نشرت مقطع فيديو على الإنترنت في نوفمبر/تشرين الثاني مع عنوان "رسالتي الأخيرة إلى العالم".
وبالنسبة للصحافية المستقلة، التي نشرت من شمال غزة حول البحث عن الغذاء والاحتياجات الأساسية، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعتقد فيها أنها ربما تصور لحظاتها الأخيرة. "لكن هذه المرة كانت على حق" تعلّق "واشنطن بوست".
وقالت خضورة: "كانت لدينا أحلام كبيرة جداً، لكن لسوء الحظ، أحلامنا اليوم هي أننا إذا قُتلنا، سنقتل دفعةً واحدة". أصابت غارة إسرائيلية منزل خضورة في شمال غزة، ما أدى إلى استشهادها مع بعض إخوتها، ولم يتمكنوا من دفن آيات... لأن جسدها تمزق إلى أشلاء.
منتصر الصواف (33 عاماً) مصور صحافي استشهد في 1 ديسمبر/كانون الأول. يتذكر زملاؤه أنه كان يتجوّل على دراجته ويصوّر أنقاض مباني غزة. وكتب تحت إحدى الصور: "أمس، كان هناك شارع هنا، وبيوت، وأطفال، وأحلام".
ومن بين مشاركاته الأخيرة على "إنستغرام"، كانت صورة شخصية تظهر عينه المصابة بعد أن نجا من القصف الذي أدى إلى مقتل والديه وأفراد آخرين من عائلته. أدّت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل الصواف وشقيقه في مدينة غزة.
ويتذكّر مدير الأخبار الإقليمي لوكالة الأناضول التي كان يعمل لصالحها، تورغوت ألب بويراز، قائلاً: "لم يستسلم حتى اللحظة الأخيرة".
بلال جاد الله (45 عاماً) كان مدير بيت الصحافة في فلسطين، قبل أن يستشهد في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما كان يخطط للمغادرة جنوباً قبل أن تصاب سيارته جرّاء القصف الإسرائيلي في مدينة غزة. كان يُطلق عليه في كثير من الأحيان لقب "أبو الصحافة" في غزة. فقد أسّس بيت الصحافة، وهو مركز إعلامي تطوّر ليصبح مجتمعاً، خاصة للصحافيين الناشئين. وقدّم دورات تدريبية وسترات وخوذات للصحافيين.
كتبت صحيفة "واشنطن بوست": "أحدث الهجوم الإسرائيلي على غزة مستوى من الدمار يفوق الصراعات الأخيرة الأخرى"، حيث استشهد أكثر من 27 ألف شخص. وتجاوز شهداء غزة من الصحافيين في شهور عددهم في حرب أفغانستان في عقدين، كما تجاوزوا حصيلة العام الأكثر دموية للصحافيين في حرب العراق.
ونقلت الصحيفة عن منسّق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين، شريف منصور: "الصحافيون الفلسطينيون يتحمّلون وطأة نيران الجيش الإسرائيلي، التي قتلت صحافيين في 10 أسابيع أكثر من أي جيش أو كيان آخر في عام واحد منذ 1992".
وتقول منظمات حرية الصحافة إن عمليات القتل في غزة تجعل من الصعب تغطية الحرب التي يكتنفها بالفعل انقطاع الإنترنت، والأضرار التي لحقت بمكاتب وسائل الإعلام وشبكات الاتصالات، والقيود الإسرائيلية على دخول الوقود اللازم لمعدات الطاقة. وقد حاول الصحافيون الأجانب الدخول عبر إسرائيل ومصر، اللتين تسيطران على الحدود، ولكنهم ظلوا ممنوعين إلى حد كبير، ولم يُسمح إلا لعدد قليل منهم بالدخول كمنضمّين إلى الجيش الإسرائيلي.
وقالت مديرة التحرير في منظمة مراسلون بلا حدود، آن بوكاندي، إن كل هذا يهدد بتحويل القطاع إلى "ثقب أسود للمعلومات".