الصحافة الورقية في ليبيا مهددة بالاندثار

11 مايو 2023
توقف الدعم الحكومي‭‭ ‬‬نتيجة الأزمة المالية والانقسامات السياسية (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت الصحافة الورقية في ليبيا مهددة بالاندثار، بعدما كانت تتمتع بمكانة مهمة لدى القرّاء، إذ تتراجع شيئاً فشيئاً أمام الصحافة الإلكترونية، وتمر بأزمة قد تصير معها جزءاً من الذكريات. وتقف أسباب عدة وراء ما آلت إليه الصحافة الورقية في ليبيا، منها الأوضاع المالية وعزوف القراء، لكن يظل السبب الأساسي هو ظهور الصحافة الإلكترونية.

وبسبب ذلك، فقد العديد من الصحافيين وظائفهم في الصحف الورقية التي انخفض عددها بشكل حاد في بنغازي على سبيل المثال بعد انتفاضة 2011، من 30 صحيفة إلى اثنتين أو ثلاث. ولا تصدر حتى يومياً، وتخشى أيضاً المصير نفسه.

ووفقاً لتقرير معهد رويترز عن الصحافة الرقمية عام 2022، "لا تزال معظم وسائل الإعلام الإخبارية تكافح في بيئة يهيمن فيها الإنترنت، حيث يذهب الجزء الأكبر من اهتمام الجمهور والإنفاق الإعلاني إلى المنصات الرقمية، وحيث تلجأ العديد من الأصوات الجديدة- بدءاً بالمبدعين والمؤثرين إلى الناشطين والسياسيين- لتصنع لنفسها مكانة خاصة في منافسة مباشرة مع الصحافيين لجذب الانتباه".

وتقول مديرة التحرير في مجلة البيت، أسماء صهد (49 عاماً)، إن "الصحافة الإلكترونية طغت بشكل كبير علي الصحافة الورقية، كما أن العامل المادي جعل الصحف لا تُطبع يومياً، بسبب تردي المبيعات وعزوف القارئ في الشارع الليبي". وتضيف: "الإيراد لا يغطي حق الطباعة. شيئاً فشيئاً أصبحت تتلاشي الصحف". وتوضح قائلة: "نحن ليس لدينا أكشاك أو محلات لبيع الصحف. أتمنى عودة الصحف الورقية بشكل كبير، لأنها نوع من الثقافة، رغم صحافة الهاتف المحمول التي غزت كل شيء". لم ينج أصحاب المطابع أيضاً من تأثير انتشار الصحافة الإلكترونية.

ويشكو نبيل الهوني (58 عاماً) الذي يدير مطبعة وصحيفة الحقيقة من الوضع، قائلاً: "عمري كله في المطبعة، وللأسف لم نمر بأسوأ من هذه المرحلة. كنا ننشر عام 2011 ألف نسخة، رغم أننا نصدر في الأسبوع عدداً واحداً. والآن، بسبب الظروف المالية وعزوف القارئ وعدم دعم الدولة وظهور الصحافة الإلكترونية، توقفت المطبعة". ويضيف: "سرحت 12 موظفاً لعدم قدرتي علي دفع مرتبات لهم. نحن نحتاج إلى دعم وإمكانات. الورق نأتي به من خارج البلاد ومكلف. لدي أمل أن نعود إلى النشر بشكل يومي". ويتحسر على الوضع الحالي للصحافة الورقية، ويقول: "الصحيفة هي تسجيل لتاريخ الشعب اليومي (...) الناس اتجهوا إلى الصحافة الإلكترونية في رأيي لأنهم لم يجدوا صحيفة تعمل بشكل حقيقي. لم يتحصلوا على المادة التي تجعلهم يدمنون على الصحيفة".

فيما يقول أحد المواطنين من بنغازي، واسمه عبد السلام محمد (56 عاماً)، ويعمل موظفاً في الدولة: "للأسف ليس لدينا صحف تحاكي واقعنا الحالي. أنا كنت كل صباح أبحث عن أي عدد جديد يُنشر، أما الآن لا، فالأخبار في الصحف الورقية ليس لها أي معنى أو قيمة".

وأدى إغلاق الصحف الورقية إلى فقد عدد من الصحافيين لوظائفهم، ومنهم من انتقل للعمل في الصحف الإلكترونية مثل هدى الشيخي (40 عاماً). وتشرح الشيخي قائلة: "توقفي عن الصحافة الورقية مرده لعدة أسباب، منها تعثر إصدار الصحف الورقية نتيجة لعجز الدولة عن سداد ديون مؤسسة الصحافة لدى المطابع في بنغازي. في المقابل، كان هناك انتشار متسارع للصحافة الإلكترونية، بحكم سهولة الوصول للمعلومة وسرعة انتشار الأخبار التي لا تكون دقيقة أحياناً".

تعمل الشيخي حالياً في الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء الليبية الرسمية. وتضيف: "الصحافة الورقية مهمة جداً. المجتمعات الأخرى تجدها ثقافة، وتجد هناك طبعة أولى وثانية وثالثة للصحيفة في اليوم نفسه، وكل طبعة تتفرد بجزئية الأخبار، وأصبحت عادة لدى مواطنيها تصفحها. لكن محلياً، وفي بنغازي تحديداً، طباعة الصحف تكون لعدد أسبوعي أو نصف أسبوعي، نتيجة تراكم الديون وغياب السياسات المالية لدعم المطبوعات الورقية". وتشير إلى أن الصحافة الإلكترونية لا تدرس ضمن اختصاصات كليات الإعلام الليبية، على الرغم من أن الإعلام الرقمي فرض نفسه بقوة على الساحة. وترى أن الدعم الحكومي قد يساعد في إنقاذ الصحف المطبوعة، "فمنذ عامين انتعشت الصحافة الورقية في بنغازي بسبب الدعم الحكومي لمؤسسة الصحافة، واستؤنف إصدار الصحف الأسبوعية واليومية، وعادت المطبوعات التي توقفت ربما من عشر سنوات أو التي كانت خلالها متقطعة، مثل مجلتي البيت والأمل".

توقف الدعم الحكومي‭‭ ‬‬لمؤسسة الصحافة نتيجة الأزمة المالية والانقسامات السياسية في ليبيا.

لكن للعاملين في الإعلام المرئي رأياً آخر، إذ يقول المراسل التلفزيوني فرج المصراتي: "أتابع الأخبار عن طريق وكالات الأنباء المحلية الإلكترونية، لأنها تواكب التطورات والأحداث في البلاد بشكل يومي وكل ساعة، أما الصحف الورقية في ليبيا فلم تعد مصدراً للصحافي، لأنها لم تعد تصدر يومياً، ولا توجد حتى أماكن مخصصة لبيعها".

أما معتز العريبي (32 عاماً) الذي يمارس الأعمال الحرة فيقول: "أنا لم أمسك أي صحيفة. دائماً أواكب أخبار البلد عن طريق الهاتف المحمول، بواسطة بعض الصفحات الإخبارية والقنوات التي لديها مواقع على الإنترنت. كان أبي يحب الصحف، ولكن من فترة طويلة لم أره يقرأ واحدة".

(رويترز)

المساهمون