تجتاح موجات شديدة الحرارة أوروبا والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تطاول معظم أنحاء الصين أيضاً في أواخر أغسطس/آب. وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة فوق 40 درجة مئوية، تستعر حرائق الغابات في أنحاء جنوب أوروبا كافة، مع عمليات إجلاء للسكان في مدن إيطالية ويونانية. الحرائق نشبت أيضاً في سورية والمغرب ولبنان وتونس.
الأردن واحدة من أكثر الدول التي تعاني من نقص المياه في العالم. البنك المركزي العراقي توقع، في يوليو/تموز الحالي، انخفاض الناتج المحلي بنسبة 4% نتيجة مشاكل تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة التي تتزامن مع تناقص الموارد المائية في البلاد. وحذّرت وزارة الزراعة في العراق من اتساع مشكلة التصحر، مؤكدة أنها باتت تهدّد 55% من مساحة البلاد.
وفقاً لدراسة أعدّها الأكاديمي الأميركي والرئيس السابق للجامعة الأميركية في بيروت، جون واتربوري، تحت عنوان "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" عام 2013، أدت موجات الجفاف السابقة لعام 2011 إلى تدمير الأراضي الزراعية شرقيّ سورية التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص، وسبّبت نفوق ما لا يقل عن 85% من الثروة الحيوانية الخاصة، ما أدى إلى نزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل في المدن الكبرى، وأسسوا حزاماً من التجمعات العشوائية الطرفية التي تحيط بالمدن الكبرى، مثل حماة وحمص ودرعا، وهو ما أسهم في تفجر الصراع في البلاد عقب استخدام نظام الأسد للقوة العسكرية ضدهم. ينطبق الأمر نفسه على الصراع في دارفور في السودان، حيث انخفض معدل سقوط الأمطار، وتراجع الإنتاج الزراعي، وارتفع متوسط درجات الحرارة السنوي، ما أدى إلى تفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة في الزراعة نتيجة الصراع على مراعي الماشية.
يتركز 90% من النشاط السياحي في تونس على الشواطئ المهددة بالتآكل والمعرضة لمزيد من الارتفاعات في مستويات البحار، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وفي إيران، أدت موجة الجفاف، العام الماضي، إلى إشعال الاحتجاجات، حيث أجبر نقص المياه المزارعين على ترك العمل. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن التغيرات المناخية ستزيد خطر المجاعة في العالم بنسبة تصل إلى 20% بحلول عام 2050.
ما ذكر أعلاه غيض من فيض، لكنه يعكس إلى حد ما حجم المصيبة التي تضرب العالم، ولا تستثني المنطقة العربية، جرّاء تغير المناخ. ومع ذلك، رأى تقرير أصدرته شبكة الباروميتر العربي، هذا العام، أنّ من المثير للدهشة كون "تغير المناخ ليس مصدر قلق بيئي رئيسي للشباب العرب مقارنةً بأقرانهم في أنحاء العالم كافة"، إذ هناك قضايا أكثر إلحاحاً من وجهة نظرهم، وهي التعليم والصحة والبنية التحتية.
السؤال الذي يطرح: ما دور الصحافة والإعلام العربي في هذه الحالة؟ بنظرة سريعة على أبرز الصحف والمواقع الإخبارية العربية، نلاحظ شحاً في المحتوى الذي يتطرق إلى هذه الأزمات. محدودية الميزانية المخصصة لتغطية هذه القضية الملحة واضحة، مقارنة بما يخصص للتغطيات السياسية والأمنية والاقتصادية. خبرة الصحافيين في هذا المجال لا تزال أيضاً محدودة. كذلك إن الزاوية التي تطرح منها هذه القضية لا تزال مرتبكة. على شاشات التلفزيون العربية، تكاد تغيب المسألة تماماً، ربما لأنها لا تجذب العدد الكافي من المشاهدين؟
طبعاً، لا يمكن فصل التغطية الصحافية لقضايا الاحتباس الحراري والبيئة وتغير المناخ عن الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة. فقد حذر مقال نشرته المؤسسة الفكرية ذا سنتشوري فاونديشن، ومقرها نيويورك، في يوليو/تموز عام 2020، من أن "الأنظمة الاستبدادية تشن حرباً على صحافة البيئة". وهذه ليست مبالغة. ففي السنوات الأخيرة، اصطدم الصحافيون في مصر بالنظام الحاكم عند تغطية القضايا البيئية؛ تعرّض أحد المراسلين للضرب بسبب تقريره عن إلقاء نفايات سامة على طول نهر النيل، وتعرّض آخر لمضايقات متكررة من قبل أمن الدولة لكشفه عن مساهمة صناعة الأسمنت في رداءة جودة الهواء في القاهرة، وواجه ستة آخرون على الأقل مشكلات في أثناء توثيق قضايا مشابهة. القصة نفسها تتكرر في إيران.
عام 2021، أفادت منظمة مراسلون بلا حدود بأن ما لا يقل عن 21 صحافياً قتلوا خلال العقد الماضي، في أنحاء العالم كافة، بسبب تحقيقهم في القضايا الحساسة المتعلقة بالتعدين غير القانوني وإزالة الغابات والاستيلاء على الأراضي والتلوث الصناعي. وزُجّ بنحو 30 آخرين في السجن. وسجلت 75% من الحوادث منذ توقيع اتفاقية باريس في نهاية عام 2015. وحذرت "مراسلون بلا حدود"، مع صحافيين من حول العالم، من أنه "على غرار تدهور البيئة والمناخ التي ندافع عنها، يتدهور وضعنا (الصحافيين) بشكل خطير". ودانت المنظمة والصحافيون "العوائق التي تحُد من الحق في الإعلام عن هذه القضايا الحاسمة للبشرية جمعاء".
وفقاً لـ"ذا سنتشوري فاونديشن"، يبدو أن هذا القمع مدفوع بمخاوف الدول المتزايدة من أن الصحافة البيئية تهدد شريان الحياة لاقتصاداتها. في جنوب السودان، حيث تعتمد السلطات على النفط في معظم الإيرادات، اعتُقل مراسل وعُذب قبل فراره إلى الخارج عام 2019، بسبب تغطيته لتفاقم التلوث. قال له المحققون إنه "يهدد الأمن القومي للبلاد". وفي أميركا اللاتينية، يقول الصحافيون إن تغطيتهم للصناعات الاستخراجية الضخمة والمدمرة في المنطقة يمكن أن ينظر إليها على أنها خيانة من قبل المسؤولين.
تطاول مخاوف الأنظمة التغطية المناخية أيضاً. في بعض دول الخليج العربية البترولية، ودول أخرى تعتمد على الطاقة، يُزعم أن المسؤولين ضغطوا على عشرات المنشورات، لدفعها إلى اعتماد "تغطية ناعمة" للاحترار العالمي وغيرها من المشاكل البيئية، في محاولة واضحة لوقف القلق العام المتزايد. عام 2019، وجهت رئيسة تحرير صحيفة ذا ناشيونال الناطقة بالإنكليزية، في الإمارات العربية المتحدة، مينا العريبي، رسالة بالبريد الإلكتروني لزملائها، تضمنت تعليمات بوقف التقارير عن الحملات ضد المواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة.
مع ذلك، غالباً ما تتجاوز دوافع الدول هذه الحسابات الاستراتيجية الفظة، وإن كانت منطقية في بعض الأحيان، وفقاً لـ"ذا سنتشوري فاونديشن". إذ كثيراً ما تخشى الحكومات، ولا سيما القمعية، هذا النوع من الصحافة، خوفاً من فقدان المزيد من الشرعية مع شعوبها. وبالتالي، تستجيب الحكومات بقسوة للتقارير المتعلقة بالأنهار الأكثر تلوثاً، والهواء الملوث، وتقلص الغابات.
في بعض الحالات، ذكّر ضباط الأمن الصحافيين المصريين الذين غطوا تدهور جودة المياه في نهر النيل بـ"واجبهم الوطني"، ووجهوهم بعدم "جعل الأمور تبدو سيئة للغاية"، وذلك منذ احتجاجات عام 2018 التي كانت مدفوعة، جزئياً، بندرة المياه. ولا أحد أكثر وعياً بالحساسيات السياسية للتغطية البيئية من الصحافيين السوريين. الصحافي البيئي المتحدر من دمشق، الذي يعيش الآن في المنفى، محمد فارس قال: "ليس من المقبول أن نقول إن سورية تعاني من نقص في المياه، لأنها ستظهر أنها دولة ضعيفة مقابل إسرائيل".