السياحة المظلمة: الاحتلال يحوّل الإبادة إلى عرض مفتوح

11 أكتوبر 2024
في نير عوز، إحدى مستوطنات غلاف غزة المستهدفة في "طوفان الأقصى"، 7 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستغل الحكومة الإسرائيلية أحداث "طوفان الأقصى" لتقديم عروض فنية وترويج للسياحة، من خلال مسرحيات ومعارض فنية تُظهر الفوضى والدموية بشكل درامي، مما يعكس استغلال الفن لنقل سرديتها وتبرير أفعالها.

- تتنوع الدعاية الإسرائيلية بين إنتاجات وثائقية ودرامية، مثل فيلم "الشاهد" وسلسلة "الصراخ قبل الصمت"، حيث يتم تصوير الإسرائيليين كضحايا وأبطال، مع تجاهل الجوانب السلبية للاحتلال.

- ازدهرت "السياحة المظلمة" في إسرائيل، بتنظيم رحلات تضامنية إلى مواقع الأحداث، مما يثير انتقادات حول استغلال الصدمة لتحقيق أهداف سياسية.

بالنسبة إلى الحكومة، "كل شيء هو عرض". هذا ما يقوله أحد مستوطني "نحال عوز"، داني رحاميم. وهي شهادة من داخل الاحتلال على نظرة السلطات الإسرائيلية لعملية طوفان الأقصى، كفرصة لتقديم العروض الفنية والترويج للسياحة واستغلال كل ذلك لتبرير جرائمه، حتى لو تسبّب بالكوابيس.
في برودواي في نيويورك، وصل المسرح الراقص مبكراً إلى ترويج نسخة الدعاية الإسرائيلية من "طوفان الأقصى". في مسرحية تُعرض هناك، نرى ممثلين يتراقصون ببطء، ويجعلون الجمهور يعيش حالة فوضى واضطراب ودموية، مع إطلاق نار وأصوات صراخ ثاقبة، كما تصف صحيفة جيروزاليم بوست. هذا ليس سوى واحد من العروض الفنية التي قدّمتها الدعاية الصهيونية لنقل سرديتها عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مستغلةً خبرتها في هوليوود والتضليل.

تورد ورقة تحليلية نشرتها صحيفة ذا غارديان البريطانية أنه، إلى جانب برودواي، نُظّمت معارض فنية عدة وعرضَا أزياء على الأقل تحت عنوان "7 أكتوبر"، أحدهما قدّمته عارضات ناجيات من الهجمات أو فقدن بعضاً من أقاربهن، وقد غطّين أنفسهن بجروح اصطناعية ودماء مزيفة وفساتين مصنوعة من أغلفة القذائف. إحدى العارضات ارتدت فستان زفاف أبيض مع ثقب رصاصة في قلبها، كما تورد صحيفة جويش نيوز. وقد وصفت صحيفة جويش كرونيكل مثل هذه العروض بأنها "عودة إسرائيل إلى الموضة"، في استغلال واضح لدور الضحية لتسجيل نقاط لصالح حضور الاحتلال دولياً.

لم تكن الدعاية الإسرائيلية لتفوّت استغلال الصورة. في البداية، طرح جيش الاحتلال فيلم "الشاهد"، الذي عرض لحظات مرعبة ربطها بـ"طوفان الأقصى" في كل مكان، من السياسيين إلى قادة الأعمال مروراً بالصحافيين، من منتدى دافوس إلى متحف التسامح في لوس أنجليس. تبع هذا العمل سلسلة من الأفلام الوثائقية الاحترافية، بما في ذلك فيلم "الصراخ قبل الصمت"، الذي قدّمته المسؤولة السابقة في "ميتا"، شيريل ساندبيرغ، حول ادعاءات الاعتداء الجنسي خلال "طوفان الأقصى".

إضافةً إلى فيلم "نوفا"، الذي يدعي أنه يستخدم الهاتف وكاميرا الجسم لإنشاء رواية "دقيقة بدقيقة" عمّا حدث في ذلك اليوم، وفيلم "النجاة من السابع من أكتوبر: سنرقص مرة أخرى" الذي يدور حول نفس الموضوع. كذلك، بثت TBN (الشبكة الدينية الأكثر مشاهدة في أميركا) حلقة خاصة مكونة من أربعة أجزاء وسبع ساعات حول الرواية الإسرائيلية عن "طوفان الأقصى".

طبعاً، لم تقتصر الدعاية الإسرائيلية على الإنتاجات الوثائقية، بل شرعت في استغلال أدوات الدراما كذلك. بمناسبة الذكرى الأولى، يُعرض مسلسل One Day in October على قناة إسرائيلية، وهو عمل مكون من أربع حلقات لا تخلو من مشاهد متوافقة مع السردية الإسرائيلية.
سينمائياً، يعمل مؤلفو مسلسل "فوضى" الإسرائيلي على فيلم روائي يحمل عنوان "السابع من أكتوبر"، بحسب ما أورده موقع ذا تايمز أوف إسرائيل. والعمل عن جنرال متقاعد ينقذ ابنه الكاتب وزوجته وابنتيهما الصغيرتين من منزلهم في مستوطنة نحال عوز. وطبعاً، لا يُظهر العمل المستوطنَ بأنه سارق أرض وقاتل ومعتدٍ، بل بطل شجاع يغامر بحياته ويضحي.

لا أوضح من بشاعة استغلال إسرائيل لـ"طوفان الأقصى" مثل ازدهار قطاع "السياحة المظلمة" (Dark tourism) في إسرائيل. فمنذ أشهر والمعابد والاتحادات اليهودية من جميع أنحاء العالم ترعى رحلات تأخذ مؤيديها في "مهام تضامنية" إلى جنوب إسرائيل، حيث تصطف الحافلات السياحية على أطراف موقع مهرجان نوفا، ويخطو "السيّاح" فوق الأنقاض التي لا تزال مدمرة في المستوطنات.
وأوردت صحيفة جويش كارنتس أن المنازل المدمَّرة قد حُفظت مثل الأضرحة، وستكون هناك جولات تتضمّن منزلاً عُلّقت على جدرانه محادثات "واتساب" للقتلى، وتأخذ الزوار بين الدماء وعلامات الصراع، لإجبارهم على الإحساس بأنهم كانوا موجودين أثناء الهجوم بالصيغة التي تروّجها الدعاية الإسرائيلية، حتى لو جعل هذا بعض الزوار يعيشون كوابيس لليالٍ عدة.

كذلك، ابتدعت دولة الاحتلال ما سمّته "ساحة الرهائن" في تل أبيب، حيث يدخل السياح إلى نفق خرساني مظلم بطول 30 متراً. لكن هذا المشروع بعيد عن هدف السماح للناس بالإحساس بمعاناة الغزيين الذين اضطروا إلى استخدام هذه الأنفاق لتهريب الطعام والحاجات الأساسية طيلة سنوات الحصار، بل هدفها محاكاة تجربة الرهائن الإسرائيليين، ولزيادة الرعب في قلوب الزوار جرى تجهيز الهيكل بصوت الانفجارات والقتال.

وبالرغم من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في إسرائيل، وافقت الحكومة على اقتراح من بنيامين نتنياهو لإنفاق 86 مليون دولار على مشاريع مستقبلية لإحياء ذكرى "طوفان الأقصى"، وستُنفَق هذه الأموال على الحفاظ على ما يسمى بـ"البنية التحتية التراثية"، أي المباني التالفة، وإنشاء موقع تذكاري جديد، وعطلة وطنية سنوية، وغير ذلك من أدوات الدعاية لتحويل "طوفان الأقصى" إلى مبرّر أبدي لتنفيذ الجرائم ضد الفلسطينيين.

في الورقة التحليلية التي نشرتها "ذا غارديان" كتبت نايومي كلاين أنه "باِستثناءات قليلة للغاية، يبدو أن الهدف الأساسي لهذه الأعمال المتنوعة هو نقل الصدمة إلى الجمهور: إعادة خلق الأحداث المرعبة بمثل هذه الحيوية والحميمية ليشعر المشاهد أو الزائر بنوع من اندماج الهوية، كما لو كان هو نفسه قد تعرّض إلى الانتهاك". وبعد ذلك، انتقدت كلاين تعمّد الأذية النفسية التي يمارسها الاحتلال على المشاهدين والزوار: "تهدف جميع الجهود المبذولة لإحياء الذكرى إلى لمس قلوب الأشخاص الذين لم يكونوا هناك. ولكن هناك فرق بين إلهام اتصال عاطفي، ووضع الناس عمداً في حالة صدمة".

المساهمون