السلطات الهندية تدهم مكاتب "بي بي سي" لليوم الثاني على التوالي

15 فبراير 2023
بدأت عمليات الدهم الثلاثاء (سجّاد حسين/ فرانس برس)
+ الخط -

لليوم الثاني على التوالي، فتّش مسؤولو الضرائب في الهند، الأربعاء، مكاتب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، لاستجواب الموظفين حول عملياتها التجارية، وفقاً لعاملين فيها، وذلك بعد أسابيع من بثّها وثائقياً عن دور رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال أعمال عنف طائفية دامية وقعت عام 2002.

وطلبت إدارة "بي بي سي" من طاقم التحرير وغيرهم من الموظفين العمل من المنزل بعد مغادرة المكتب ليل الثلاثاء، حسبما صرّح بعض الموظفون الذين اشترطوا التكتم على هوياتهم لوكالة أسوشييتد برس. وأضاف الموظفون أن البحث استمر من دون انقطاع طوال اليومين. وفحص المحققون أجهزة الحواسيب، بعدما طُلب من الموظفين، في وقت سابق، عدم استخدام هواتفهم والاحتفاظ بها جانباً.

ولم يدْل مسؤولو الضرائب الهنود بتصريحات منذ بدء التفتيش في نيودلهي ومومباي صباح الثلاثاء.

وأوردت وكالة أنباء برس ترست أوف انديا أن المفتشين يقومون بنسخ البيانات المالية الإلكترونية والورقية لـ"بي بي سي".

من جهة ثانية، أكدت "بي بي سي" أنها تتعاون بشكل كامل مع السلطات وتأمل في "حل هذا الوضع في أقرب وقت ممكن". كما ذكرت، الثلاثاء، أن "العديد من الموظفين غادروا المبنى، لكن طُلب من البعض البقاء ويواصلون التعاون مع التحقيقات الجارية"، وأن "عملنا الصحافي والإنتاجي مستمران كالمعتاد".

شجبت جماعات حقوقية وسياسيون معارضون هذه الخطوة، ووصفوها بأنها محاولة لتخويف وسائل الإعلام. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الثلاثاء: "نحن على علم بتفتيش مكاتب بي بي سي في دلهي من قبل سلطات الضرائب الهندية".

وتعاني حرية الصحافة في أكبر ديمقراطية في العالم في عهد مودي، ودان حزب المؤتمر المعارض عمليات الدهم، متحدثاً عن "حالة طوارئ غير معلنة" في البلاد.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لكن الناطق باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، غاوراف بهاتيا، اتهم "بي بي سي" بالخوض في "حملة دعائية مناهضة للهند"، إلا أنه شدد على أن عمليات الدهم قانونية ولا علاقة لتوقيتها بالحكومة. وقال بهاتيا للصحافيين إن "الهند بلد يمنح فرصة لكل منظمة طالما أنها لا تبث السموم". وأضاف: "إذا كنت تلتزم بقانون البلاد وليس لديك ما تخفيه، فلمَ تخاف من عمل متوافق مع القانون؟".

بثّت "بي بي سي"، في يناير/كانون الثاني الماضي، وثائقياً من جزءين اتهم مودي الهندوسي القومي بإصدار أوامر للشرطة بتجاهل أعمال العنف الطائفية في ولاية غوجارات، حيث كان رئيساً لوزراء الولاية حينذاك. وأسفرت أعمال العنف عن سقوط ألف قتيل على الأقل، معظمهم من الأقلية المسلمة.

وحظرت الحكومة الهندية التسجيلات المصورة والتغريدات التي تشارك روابط الوثائقي الذي لم يُبث في الهند، مستخدمة سلطات طارئة بموجب قوانينها بشأن تكنولوجيا المعلومات. وندد مستشار الحكومة، كانشان غوبتا، بالوثائقي الذي اعتبره "دعاية معادية ضد الهند وهراء". ووصف متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية فيلم "بي بي سي" الوثائقي بأنه "دعائي" يهدف إلى الترويج "لقصة فاقدة للصدقية".

وما أثار قلقاً أكبر وسط هذا الاستنفار على الفيلم الوثائقي هو التنسيق بين الحكومة الهندية وبين عمالقة التكنولوجيا، وتحديداً "تويتر" و"يوتيوب". وفي هذا السياق، قال الصحافي الهندي، رقيب حمدي نايك، لموقع ذي إنترسبت الإخباري: "وجهت الحكومة الهندية مئات الطلبات إلى منصات مختلفة للتواصل الاجتماعي، وتحديداً يوتيوب وتويتر، لحذف المنشورات التي تتضمن مقتطفات من الفيلم الوثائقي أو روابط له". وأضاف: "من المعيب أن الشركتين امتثلتا لمطالب السلطات وأزالتا الكثير من المشاركات ومقاطع الفيديو". وأشار إلى أن "الفيلم الوثائقي أثار قلق مودي، لأنه يواصل التهرب من المساءلة عن تواطؤه في أعمال العنف. إنه يرى في الفيلم الوثائقي تهديدا لصورته دوليا، وقد شن حملة غير مسبوقة ضده في الهند".

وأصدرت "بي بي سي" بيانا حينها، في معرض ردها، أكدت فيه أن الوثائقي "خضع لبحث دقيق"، وشمل مجموعة واسعة من الأصوات والآراء، وأضافت: "عرضنا على الحكومة الهندية الحق في الرد على المسائل التي أثيرت في الفيلم الوثائقي، لكنها رفضت".

ونظّمت مجموعات طلابية لاحقاً جلسات لمشاهدة الوثائقي رغم حظره في حرم الجامعات، في تحد للجهود الحكومية الساعية لمنع انتشاره. وأوقفت الشرطة نحو عشرين طالبا في جامعة دلهي المرموقة، بعدما منعت عرضه هناك أواخر الشهر الماضي.

وعلى الرغم من أن الوثائقي لقي استحساناً في المملكة المتحدة، حيث وصفته صحيفة ذا غارديان بأنه يعكس "نظرة واقعية على معاملة ناريندرا مودي لمسلمي الهند"، فقد أثيرت أيضاً علامات استفهام حوله في بعض الأوساط. العضو المحافظ في البرلمان البريطاني بوب بلاكمان وصف الوثائقي الذي أعدته "بي بي سي" بأنه "عمل حاقد". بلاكمان له علاقات وثيقة مع حكومة ناريندرا مودي، وحصل عام 2020 على وسام في الهند. كما أن العضو في مجلس اللوردات البريطاني رامي رينجر وجّه رسالة مباشرة إلى "بي بي سي" ليشتكي من الفيلم، وطالب بمعرفة "ما إذا كان موظفون من أصل باكستاني هم وراء هذا الهراء". في المقابل، قال النائب عن حزب العمال كريس إلمور إن قيام زميله عن حزب المحافظين "بالضغط على بي بي سي بهذه الطريقة أمر غير مقبول"، ووصف تعليقات رينجر حول الصحافيين الباكستانيين بأنها "مشحونة بالعنصرية" و"مؤسفة".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

عانت حرية الصحافة في أكبر ديمقراطية في العالم خلال عهد مودي، وفق ما يؤكد ناشطون ونواب معارضون. تراجعت الهند عشر مرتبات إلى 150 من 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة في العالم الذي تعدّه منظمة مراسلون بلا حدود، منذ تولى مودي السلطة عام 2014. ويشير الصحافيون الذين ينتقدون السلطات، خصوصاً النساء، إلى أنهم يتعرّضون لحملة انتهاكات عبر الإنترنت لا هوادة فيها.

وأفادت نقابة المحررين الصحافيين الهندية بأن عمليات الدهم ليست إلا جزءاً من "توجّه يقوم على استخدام الوكالات الحكومية لترهيب أو مضايقة المنظمات الصحافية التي تنتقد سياسات الحكومة".

واستهدفت سلطات الضرائب الهندية والمحققون المعنيون بالجرائم المالية، مؤسسات إعلامية أخرى ومجموعات حقوقية دولية فضلا عن جمعيات خيرية أجنبية. العام الماضي، حُرمت الجمعية الخيرية التي أسستها الأم تيريزا مؤقتا من التمويل، بعدما رفضت وزارة الداخلية تجديد ترخيص يتيح لها تلقّي تبرعات من الخارج. كما أعلنت منظمة العفو الدولية إيقاف عملياتها في الهند، بعدما جمّدت الحكومة حساباتها المصرفية في 2020، عقب عمليات دهم استهدفت مكاتبها. وعام 2021، دهمت سلطات الضرائب الهندية مقار صحيفة بارزة وقناة تلفزيونية انتقدتا طريقة تعامل الحكومة مع وباء كوفيد-19، ما أثار اتهامات بالترهيب.

كما أشار تقرير صادر عن مؤسسة فريدوم هاوس إلى أن "الهند، البلد الديمقراطي الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، ترسل إشارات بأن محاسبة الحكومة ليست جزءا من مسؤولية الصحافة".

في المقابل، ينفي حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم استهداف الصحافيين، ويزعم أن معظم ما يحدث جزء من "الدعاية الممنهجة" ضد الحكومة.

بدأت عمليات الدهم في غوجارات عام 2002، بعد مقتل 59 حاجا هندوسيا بحريق اندلع على متن قطار. ودين 31 مسلماً بالتآمر لارتكاب عمل إجرامي والقتل إثر الحادث. ونقل الوثائقي الذي أعدته "بي بي سي"، عن تقرير للخارجية البريطانية كان مصنفاً على أنه سرّي، استناداً إلى مصادر لم يسمها، أن مودي التقى ضباطاً رفيعين في الشرطة و"أمرهم بعدم التدخل" خلال أعمال العنف المناهضة للمسلمين التي قامت بها مجموعات هندوسية يمينية بعد الحريق.

وجاء في تقرير الوزارة أن العنف كان هدفه "تطهير المناطق الهندوسية من المسلمين". وخلص إلى أن "حملة العنف المنهجية تحمل كل بصمات التطهير العرقي" وكانت مستحيلة "لولا مناخ الحصانة الذي خلقته حكومة الولاية". على خلفية أعمال العنف، فرضت الولايات المتحدة حظر سفر لفترة وجيزة على مودي الذي ترأس غوجارات إلى أن انتُخب رئيسا للوزراء عام 2014. وعام 2012، أعلن فريق تحقيق خاص عيّنته المحكمة الهندية العليا للتحقيق في دور مودي وغيره في أعمال العنف بأنه لم يجد أي أدلة لملاحقته قضائياً.

المساهمون