هيمنت عملية إطلاق النار في مدرسة في يوفالدي في تكساس حيث قتل 19 تلميذاً على التغطية الإخبارية للصحف الأميركية خلال اليومين الماضيين، لكن بعضها تجاوز هذه التغطية إلى المطالبة علناً بتقييد حيازة السلاح وحماية أطفال الولايات المتحدة من هذا الشرّ الذي يتربص بهم، خاصة أن هذه ليست المجزرة الأولى من نوعها.
إلى جانب التلاميذ الذين تبلغ أعمارهم عشر سنوات تقريباً، قُتل بالغان عندما أطلق شابّ يبلغ 18 عاماً النار في مدرسة ابتدائية في تكساس الثلاثاء، قبل أن ترديه الشرطة. وبينما لم تنشر صحيفة نيويورك تايمز مقالاً افتتاحياً يعكس وجهة نظرها الخاصة، إلا أنها عرضت سلسلة مقالات حادّة حول ما حصل، أبرزها واحدة للكاتبة روكسان غاي، عنوانها: "هذا زمن همجي. نحن نلحق العار بأميركا".
قالت روكسان غاي: "هناك هوس ثقافي بالكياسة هذه الأيام. هوس بفكرة أنه إذا كان كل شخص مهذباً كفاية، فيمكن تجاوز أي مأزق أو اختلاف في الرأي. لكن هذه أوقات همجية. وليس هناك ما هو أشد همجية من اعتياد المؤسسة السياسية على استمرار عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة: 60 وفاة في لاس فيغاس، و49 وفاة في أورلاندو، و26 وفاة في ساندي هوك، و13 وفاة في كولومباين، و10 وفاة في بوفالو".
وأضافت غاي: "يُقال لنا مراراً وتكراراً، ضمنياً وصراحةً، أن كل ما يمكننا فعله هو تحمل استمرارية العنف هذه. كل ما يمكننا فعله هو أن نأمل ألا تصيب هذه الرصاصات أطفالنا أو تصيبنا، نحن أو عائلاتنا، أو أصدقاءنا وجيراننا. وإذا تجرأنا على الاحتجاج، وإذا تجرأنا على التعبير عن غضبنا، وإذا تجرأنا على قول ما يكفي، فإننا نتلقى محاضرات حول أهمية الكياسة. طُلب منا التزام الهدوء والتصويت كمتنفس لغضبنا".
روكسان غاي في "نيويورك تايمز": الوحشية تمتد عبر تاريخ هذا البلد الذي تأسس على أرض مسروقة
وصعدت الكاتبة الأميركية لهجتها، إذ شددت على أن "الوحشية تمتد عبر تاريخ هذا البلد الذي تأسس على أرض مسروقة. بُني بجهود الأرواح المسروقة. الوثيقة التي تحكم حياتنا حرمت أكثر من نصف السكان من حق التصويت (...) إذا كنتم تريدون التحدث عن الوحشية، فلنكن واضحين بشأن مدى عمق جذورها". ورأت أن الولايات المتحدة "لا ترغب في حماية ورعاية مواطنيها - نسائها وأقلياتها العرقية وتحديداً أطفالها". وأضافت أن "أعظم أشكال الخزي الأميركي يتمثل بمعرفة أنه لن يغير أي قدر من الغضب، أو الاحتجاج، أو الدمار، أو الخسارة، أي شيء يتعلق بعلاقة هذا البلد بالبنادق أو بالحياة. لن يتغير شيء في النظام السياسي الجبان حيث تباع السياسة لمن يدفع السعر الأعلى".
في الصحيفة نفسها، كتب تشارلز إم. بلو عن "حقول القتل الأميركية"، وحمّل الجمهوريين صراحة المسؤولية عمّا يحصل، إذ قال إن "الحزب الجمهوري حوّل أميركا إلى ساحة قتل". وإضافة إلى سماح الجمهوريين بانتشار الأسلحة عبر إضعاف الحواجز أمام استملاكها أو خفض العمر المطلوب لحيازتها والقوانين وغيرها، فإنهم فعلوا ذلك أيضاً "من خلال الترويج للخوف والبارانويا. إنهم يخبرون الناس أن المجرمين يأتون لتهديدكم، والمهاجرين يأتون لتهديدكم، وحربا عرقية (أو استبدالاً عرقياً) قادم لتهديدكم، وقد تأتي الحكومة نفسها يوماً ما لتهددكم. والدفاع الوحيد الذي لديكم ضد هذا الخطر هو أن تكونوا مسلحين"، وفق ما كتب بلو.
تشارلز إم بلو في "نيويورك تايمز": الحزب الجمهوري حوّل أميركا إلى ساحة قتل
وأشار الكاتب إلى أن هذه الدعاية كانت مقنعة، مستشهداً بإحصاءات تعود لعام 2018، بينت أن الأميركيين يشكلون أقل من 5 في المائة من إجمالي سكّان العالم، إلا أنهم يمتلكون ما يقرب من 45 في المائة من إجمالي الأسلحة الشخصية في العالم. وأضاف: "نحن لا نتصدى لثقافة السلاح المجنونة لدينا والفوضى التي تسببها، لأن الحزب الجمهوري يرفض التعاون. هناك موت في كل مكان حولنا، ولكن بالنسبة للعديد من الجمهوريين، هذا ليس إلا إزعاجاً محزناً، وليس دافعاً للعمل".
أما صحيفة واشنطن بوست فكتبت في مقالها الافتتاحي: "بعد كل حوادث إطلاق النار الجماعية، لماذا لا نزال نطرح الأسئلة نفسها؟". وأشارت "واشنطن بوست" إلى الأسئلة "البائسة" التي طرحها الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد ساعات من مذبحة الثلاثاء: "لماذا نحن على استعداد للعيش مع هذه المذبحة؟ لماذا نستمر في ترك هذا الأمر يحدث؟". وذكرت أن الأسئلة نفسها طرحت بعد مذابح كولومبيان وبلاكسبرغ وساندي هوك وغيرها. وأضافت: "ستظل هذه الأسئلة تتكرر ما دام الكونغرس يرفض تفعيل الإصلاح اللازم بخصوص حيازة السلاح". واتهمت الكونغرس بأنه لم يناقش هذه المسألة بجدية منذ عام 2013، بعد مقتل 20 طفلاً و6 موظفين بالرصاص في مدرسة ساندي هوك، في ديسمبر/كانون الأول عام 2012.
بينت إحصاءات تعود لعام 2018 أن الأميركيين يشكلون أقل من 5 في المائة من إجمالي سكّان العالم، إلا أنهم يمتلكون ما يقرب من 45 في المائة من إجمالي الأسلحة الشخصية في العالم
ونشرت الصحيفة الأميركية مقالة رأي لأليسا روزنبرغ التي قالت إن "أميركا تضحي بأطفالها، ويوفالدي تقْدمتها الأخيرة". واستعرض ماكس بووت، في مقالة له، "المراوغات المخادعة التي يستخدمها الجمهوريون لمقاومة ضبط السلاح".
مقاربة صحيفة وول ستريت جورنال كانت مختلفة إلى حد ما، إذ ركزت على "الشباب المضطرب الذي يتهدد الديمقراطية الأميركية". واستعرضت الخلفية "المألوفة" لمنفذ المذبحة الأخيرة، سلفادور راموس البالغ من العمر 18 عاماً، فهو "مراهق وحيد يعيش حياة أسرية مزعجة. تعرض للتنمر عندما كان طفلاً بسبب إعاقة في الكلام. منغمس في ألعاب الفيديو والواقع الافتراضي الأخرى. خاض شجارات مع والدته، ولمح إلى طموحات عنيفة. أطلق النار على جدته، قبل أن يقود سيارته إلى المدرسة ويقتل الأطفال ببندقية". ولفتت إلى أن هذه الخلفية تشبه تلك التي عاشها الشباب الآخرون الذين نفذوا مذبحة ساندي هوك وبوفالو وغيرهما. وأضافت: "إنهم يعانون من بعض الأمراض العقلية أو الاغتراب الاجتماعي العميق".
"وول ستريت جورنال": أي شخص يعتقد أن قوانين الأسلحة ستنهي عمليات إطلاق النار الجماعية في أميركا لا ينتبه إلى المشكلة الأكبر بكثير المتمثلة في المرض العقلي وانهيار الحواجز الثقافية
ورأت أن المشكلة لا تنحصر بالفوضى في حيازة السلاح، بل في "مرض أعمق مما يمكن لقوانين الأسلحة أن تعالجه، وهو انهيار اجتماعي وثقافي أكبر". وأضافت أن "دولة الرفاهية الحديثة بارعة في كتابة الشيكات فقط. قتلة الشباب اليوم ليسوا مدفوعين بالحرمان المادي. هم عادة من عائلات الطبقة المتوسطة التي لديها إمكانية الوصول إلى الهواتف الذكية وأجهزة إكس بوكس. عجزهم اجتماعي وروحي. إن تصاعد الخلل الوظيفي الأسري وتراجع المؤسسات الوسيطة مثل الكنائس والنوادي الاجتماعية له عواقب (...) أي شخص يعتقد أن قوانين الأسلحة ستنهي عمليات إطلاق النار الجماعية في أميركا لا ينتبه إلى المشكلة الأكبر بكثير المتمثلة في المرض العقلي وانهيار الحواجز الثقافية".
وبعدما استعرضت تصريحات الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بعد المجزرة، قالت: "اتركوا للرئيس السابق أن يشيطن خصومه السياسيين في أعقاب فعل جنوني. لكن لاحظوا أنه يسعى إلى إجراء، أي إجراء، حتى لو تبين أنه غير مجدٍ أو يأتي بنتائج عكسية". وأضافت: "نحن لا نعارض التنظيم المعقول للسلاح إذا كان ممكناً سياسياً، وقد يمنع عمليات القتل هذه (...)". وأردفت: "فرض حظر على بعض أو كل البنادق الطويلة سيترك المسدسات متاحة، ونتمنى لكم التوفيق في فرض الحظر. كل جهد سياسي للسيطرة على مبيعات الأسلحة يحفز زيادة جديدة في مشترياتها. إذا كنتم تعتقدون أن المجتمع مستقطب الآن، فحاولوا حظر أو مصادرة معظم الأسلحة كما فعلت أستراليا، وشاهدوا النتيجة".